أفكَار

"ضرب الزوجة الناشز".. معالجة زمانية أم تشريع دائم؟

محمد رشيد رضا عن الضرب: "علاج مر لا يُقدم عليه حر" - أرشيفية CC0

ما أن يتحدث عالم أو مفت عن إباحة ضرب الرجل لزوجته الناشز بعد استنفاده لخياري الوعظ والهجر في المضاجع المذكورين في الآية (34) من سورة النساء، إلا وتقوم في وجهه عاصفة من الاعتراضات الساخطة.

وبحسب مراقبين فعادة ما توجه إلى الفتاوى والأحاديث الدينية التي تبيح للرجل ضرب زوجته الناشز انتقادات واسعة، باعتبارها ضربا من ضروب تحريض الرجال على زوجاتهم، وإطلاق أيديهم بالاعتداء عليهن، وإيذائهن جسديا.

وتوضيحا لحكم ضرب الزوجة الناشز في الإسلام، أوضح أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة جرش الأردنية، الدكتور حسن شموط أن "الإسلام أمر بمعاشرة النساء بالمعروف، وحرصا منه على استمرار العلاقة الزوجية، شرع وسائل تأديبية للزوجة عند نشوزها، بمعنى عصيانها لزوجها وتقصيرها في أداء واجباتها تجاهه".

وأضاف: "تبدأ تلك الوسائل بالموعظة الحسنة التي ابتدأ بها القرآن، والتي قد تتكرر وتستمر دون أن ينتقل الزوج إلى الوسائل التأديبية الأخرى، ومنها (الضرب)، والتي جاءت الأدلة الشرعية تؤكد على أن المراد به معناه الحقيقي، وليس أي معنى آخر كالمفارقة والانتقال والاعتزال".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لكنه الضرب المنضبط بضوابط الشرع، والذي شرعه الإسلام كوسيلة أخيرة في التأديب، ولا يلجأ الزوج إليها إلا بعد استنفاده للوسائل الأخرى، وقد لا يستخدمها أصلا إذا علم أن الضرب سيؤدي إلى نتيجة عكسية سلبية".

وأكدّ شموط أن "الضرب الذي شرعه الله لم يقصد به الإيذاء الجسدي بقدر ما هو تنبيه من الزوج لزوجته أننا وصلنا إلى مرحلة زوجية صعبة قد تنتهي بعدها العلاقة الزوجية" مشددا على أن "الزوج لا يلجأ للضرب إلا إذا ترجح لديه أنه يفضي إلى إصلاح زوجته، أما إن علم أنه سيؤدي إلى ازدياد المشاكل، فلا يلجأ إليه أبدا".

 

اقرأ أيضا: هل أخضع ابن سلمان العلماء والدعاة إخضاعا تاما لسلطته؟

ورأى أن "التأثير النفسي للضرب أكبر من التأثير الجسدي، فالضرب بالسواك كما قاله بعض العلماء إن كان في موقع التأديب فأثره النفسي قوي، فالعلماء اشترطوا ألا يكون الضرب مبرحا يترك علامات أو يؤدي إلى الإيذاء، ويتجنب فيه الزوج الوجه، ومواطن العورات، والمواطن التي قد تؤدي إلى الإصابة بعاهات دائمة، وهو ما يؤكد أن الإيذاء الجسدي ليس مقصودا، وإنما الغاية تأديب الزوجة".

من جهتها رأت الباحثة السورية في الفقه الإسلامي وقضايا الأسرة، عابدة المؤيد أن "الضرب الوارد في القرآن ليس تشريعا دائما، وإنما هو معالجة مرحلية زمنية، قد يتغير بتغير الزمان، أو يكون منسوخا بالآية التالية (فإن خفتم شقاق بينهما.." لافتة إلى أن "الضرب يحدث مشاكل كبيرة بين الزوجين، وشقاقا بينهما".

وركزت المؤيد في حديثها لـ"عربي21" على أننا "إن كنا حريصين على إصلاح العلاقة بين الزوجين، فلا تلزمنا تلك الوسائل التي كانت شائعة ومقترحة في ذلك الزمان، وليس من الضروري استخدام ذات الوسائل لإصلاح العلاقة بين الزوجين".

وأشارت إلى أن بعض الفقهاء (القلائل) قالوا بعدم الضرب، كأن تكون الزوجة من قوم لا يضربون، أو إذا تغير الزمان وكان الضرب لا يجدي، تماما كما في عصرنا فإن الضرب لا يجدي، بل يزيد الشقاق والنزاع بين الزوجين".

وذكرت أنها بصدد تأليف كتاب عن هذا الموضوع، وقد وجدت من خلال تتبعها واستقرائها أن الضرب كان شائعا ومعروفا في ذلك الزمان، لكن الأمر على خلاف ذلك في زماننا، فنختار من الوسائل المقبولة، والناجعة في تحقيق الاتفاق بين الزوجين وإصلاح العلاقة بينهما".

بدورها وفي السياق ذاته رأت الكاتبة اللبنانية، هديل الزير أن "سائر التأويلات التي سعت لإخراج الضرب عن حقيقته إلى معاني ودلالات أخرى، بعيدة جدا عن مقصد الآية الأصلي، فسياق الآية والأحاديث الواردة يؤكد أن المراد بالضرب هو معناه على الحقيقة".

وأردفت لـ"عربي21": "ولا أرى ثمة حاجة لمثل تلك التأويلات، وما أراه أن حكم ضرب الزوجة الناشز خاضع للمصالح والمفاسد، وتبدل الظروف الزمانية والمكانية، فهو كباقي الأحكام المباحة في الشريعة الإسلامية، بالشروط المذكورة في التفاسير والكتب الفقهية، وقد مضى عليه عهود من الزمن".

وواصلت شرح فكرتها بالقول "كان المجتمع آنذاك يستسيغ وجود الضرب بين الرجل وزوجته، كما دلت عليه بعض الروايات، ومنذ عهد قريب كان الناس يشاهدون ضرب الرجل لزوجته، فإذا ثار  أحدهم لذلك، قالوا له: لا تتدخل رجل يضرب زوجته، فيسكن غضبه، وتهدأ ثائرته".

وطبقا للزير فإن "الموضوع كان محل قبول من المجتمع عموما، مع ورود استثناءات بطبيعة الحال، أما اليوم فقد تبدل الحال وأصبح الضرب جناية في جميع الأعراف والقوانين المحلية والعالمية، بل وأصبحت ممارسته والتبرير له ثغرة كبيرة في المجتمع المسلم، بل ومن أهم أسباب نفور المرأة اليوم من أحكام الإسلام، والنظر إليها باعتبارها أحكاما ذكورية ظلمت المرأة وأهانتها".

ولفتت الزير إلى أن "بحث ضرب الرجل لزوجته وفق ميزان المصالح والمفاسد في هذا العصر، يُظهر أنه مما ثبت ضرره، وعُدمت فائدته، إذ لم تعد المرأة ترتدع بالضرب، بل على العكس أصبح يزيدها عنادا وكرها لزوجها، فبدل أن يجني الرجل الطاعة المرجوة، أصبح يجني مزيدا من العناد والحقد والكيد له".

وخلصت في ختام حديثها إلى أن "الضرب في أصله مباح، لكنه من الأحكام التي ولى زمانها، ومن الحكمة إصدار قرارات جماعية بمنعه، سدا للثغرة التي باتت موضع استهجان واستغراب منا قبل أي أحد، وهو ما يتوافق مع أصول الإسلام في المساواة بين الرجل والمرأة من الناحية الإنسانية، ويتماشى مع أفعال خير الخلق عليه الصلاة والسلام الذي لم يضرب امرأة قط".

من جانبه وصف الباحث الشرعي الأردني، صالح السهيل "كل التأويلات التي تُخرج ضرب الزوجة الناشز عن معناه الحقيقي المتعارف عليه، كالمفارقة والاعتزال والابتعاد تأويلات ضعيفة وغير مرضية، وتأباها اللغة العربية، وشرط التأويل أن يكون مستخدما وسائغا في لغة العرب".

وأوضح السهيل لـ"عربي21" أن الضرب مباح ومشروع، ويستخدم كآخر الحلول، بعد الوعظ والإرشاد والهجر في المضاجع، ومع أنه مباح لكنه قد يصبح مكروها، إذا أسيء استخدامه، ووضعه في غير موضعه، كأن يخرج عن حد التأديب إلى الانتقام والتشفي وما إلى ذلك".

واستذكر السهيل في نهاية كلامه ما قاله الشيخ محمد رشيد رضا عن الضرب بأنه "علاج مر لا يُقدم عليه حر"، موردا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، ثم يجامعها آخر النهار" ما يدل على تقبيحه للضرب والتنفير منه.