ملفات وتقارير

لهذا يعاقب العسكر معارضيهم الموتى.. مرسي ليس الأول

حافلة تابعة للأمن المصري بجانب قبر مرسي لمنع أحد من الاقتراب- جيتي

لم يكن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي الحالة الأولى في انتهاك السلطات العسكرية بمصر لأبسط حقوق الموتى في الحصول على جنازة وتشييع لائقين، في ممارسات تكشف أسبابا وراء منع الجنائز للمعارضين، واقتصار تشييعهم على المقربين.

ولا تقتصر هذه السياسة على عهد رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وإن كانت تضاعفت في حكمه، لكن على مدار الحقب الماضية جرى ممارستها مع المعارضين للنظم في مصر.

وتعيد جنازة مرسي التي شارك فيها 8 أشخاص فقط، وهم عائلته ومحاميه إلى الأذهان، جنائز عدد من المعارضين الذين قضوا في السجون وخارجها ومنهم المرشد العام السابق للجماعة مهدي عاكف، الذي فرض على عائلته دفنه على الفور، وقبلها جنازة مجموعة من معارضي الانقلاب الذين تم إعدامهم، وأجبرت عائلاتهم على دفنهم بشكل فوري دون تشييع.

 

مرض نفسي

المحامي والمعارض المصري، عمرو عبد الهادي قال، إن "النظم العسكرية في مصر تعرف أنها غير مستقرة، ومكروهة من شعوبها؛ ولذلك تلجأ لمنع أي حادثة أو مناسبة يمكن أن تظهر مدى شعبية خصومها".


وأوضح عبد الهادي لـ"عربي21" أن "درس 25 يناير جعلهم مستنفرين طوال الوقت، من أي تجمع ولو كان صغيرا، لذلك لجأ السيسي إلى وضع قوانين تعتبر تجمع 3 أشخاص على الأقل، تظاهرة تحتاج إلى موافقة أمنية أو السجن".

ورأى أن مسألة التنكيل بالخصوم تعود إلى "مرض نفسي لدى العسكر، يدفعهم لانتهاك حرمة الموت وشعائر الأديان في هذه المسألة، لأن حماية مواقعهم أهم من كل هذه القيم والمعاني، الخاصة بتكريم إنسان رحل من هذه الدنيا".

وأضاف عبد الهادي: "موضوع الانتقام لم يقف عند حد الموت، بل كان يمارس في حياة مرسي ومعارضي الانقلاب، عبر اختيار مناسبات بعينها لإصدار أحكام بالإعدام أو أحكام بالمؤبد".

وقال إن مرسي لو أتيح له الحق بالحصول على جنازة طبيعية، لكان المشهد "يفوق جنازة جمال عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، في مشهد مهيب أمام العالم كله، وليس في مصر وحدها".

 

إقرأ أيضا: مقارنة بين "تدليل" مبارك "وإهانة" مرسي بالسجن (فيديو)

وتساءل عبد الهادي: "إذا كنا لم نتمكن من حصر عدد المسلمين الذين صلوا على مرسي صلاة الغائب، والجنسيات والمساجد التي أقيمت فيها الصلوات، فكيف سيكون المشهد في مصر، لو لم يدفن سرا في ظلام الليل بالقوة؟".

وشدد على أن انتهاك حق مرسي في الحصول على جنازة، والسماح للمصريين بتشييعه، "وصمة عار في جبين العالم، لرجل ربما يفوق مانديلا في ثباته على موقفه بمقاومة الحكم العسكري".

 

مفاجآت


من جانبه قال الكاتب المصري سليم عزوز، إن العسكر "تعلموا من المفاجآت التاريخية، التي وقعت معهم سابقا في جنازات معارضين".

وأوضح عزوز لـ"عربي21" أن جمال عبد الناصر، تفاجأ بجنازة النحاس باشا بعد وضعه في الإقامة الجبرية مدة 8 سنوات، وبعد الإعلان عن وفاته اعتقد أن الناس نسوا الرجل فإذا به يفاجأ بجنازة كبيرة، خاصة أن شخصيته تعرضت لتشويه متواصل منذ احتجازه.

وأشار إلى أن نظام حسني مبارك تنبه في جنازة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، عمر التلمساني، التي كانت مهيبة وتحدثت عنها وسائل الإعلام في إشارة لشعبية الجماعة، ولذلك لجأ مبارك إلى وضع سقف أعلى لشهرة أي شخص لا يتعداها وإلا تحرق شخصيته.

وأضاف: "الشيخ عبد الحميد كشك توفي يوم جمعة، وكانت التحضيرات من عائلته لتشييعه في جنازة كانت ستكون حاشدة، لولا أن الأمن أجبرهم بالقوة على دفنه سريعا، وهددهم حينها بأنه ربما يلجأ هو لدفن الجثمان، إذا لم يستجب لأوامره، وبالفعل لم يحضر جنازة الشيخ إلا بعض من أفراد عائلته".

وقال عزوز، إن جنازة الشيخ محمد متولي الشعراوي، رغم عدم وجود خصومة بينه وبين نظام مبارك، إلا أنها دقت ناقوس خطر من جنازات القرى، وكيف تتدفق سيول بشرية من قرى أخرى، بما يكشف شعبية الأشخاص مقابل شعبية النظام.

واعتبر أن أنظمة العسكر: "تخاف الأموات خوفها من الأحياء، وتمثل لهم الجنازات معضلة يبدون من خلالها فاقدين للشعبية، لذلك منعوا جنازة مرسي من الظهور بأي صورة كانت".

وشدد على أن مرسي ليس رئيسا عاديا مر على القصر الرئاسي ومضى، بل رغم السنة التي حكمها، فهو أول رئيس مدني منتخب في تاريخ الدولة المصرية، وبات رمزا للصمود ونقطة فارقة في تاريخ البلاد".

وأشار إلى أن "الأيام بكل يقين، ستعيد للرئيس مرسي اعتباره وموقعه الذي يستحقه في تاريخ مصر، كما حدث مع رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، الذي أعدم على يد الانقلابيين وبعد أكثر من 30 عاما أعيد له الاعتبار والمكانة اللائقة به، على مستوى الدولة التركية، في حين زج بالانقلابيين في السجون ولم يذكرهم أحد".

وختم بالقول: "عبد الفتاح السيسي، ليس أكثر من جملة اعتراضية رديئة في تاريخ مصر، وسيأتي يوم لن يذكره فيه أحد".