قضايا وآراء

شبح خاشقجي يلاحق ولي العهد السعودي

1300x600

استبق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صدور التقرير النهائي لـلجنة التحقيق الدولي بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بمقابلة صحفية أجراها معه الصحفي "غسان شربل" في جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية والمنشور يوم الأحد 16 حزيران (يونيو) الحالي.

 

كابوس خاشقجي يعود

عاد شبح أزمة خاشقجي ليتصدر وسائل الإعلام بعد إصدار التقرير الأممي تحقيقات مقتل خاشقجي؛ لتعود معها الهواجس والاشتباكات الدبلوماسية التي كان آخرها تصريحات الجبير التي حذر فيها الأمم المتحدة من اتخاذ أي أجراءات ضد الأمير والمملكة العربية السعودية.

 

تراجعت فرص ظهور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على وسائل الإعلام الغربية دون تعرضه لسيل من الأسئلة المحرجة


ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اختار صحيفة "الشرق الأوسط" المقربة من المملكة السعودية  متجنبا الصحافة الأمريكية والأوروبية المتحفزة لطرح أسئلة مباشرة ومحرجة كالسؤال عن مقتل خاشقجي وأزمة حصار قطر وكلف التطبيع مع إسرائيل؛ والأهم طبيعة العلاقة التي تربط ولي العهد محمد بن سلمان بالإدارة الأمريكية خصوصا جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي ترمب.

ففي ظل هذه البيئة والأزمات المتراكمة فإن فرص ظهور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على وسائل الإعلام الغربية دون تعرضه لسيل من الأسئلة المحرجة من الصحافة ووسائل الإعلام الغربية كانت ضئيلة جدا ومستحيلة.

الفرص المتاحة أمام ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان ضاقت بعد حادثة خاشقجي وتراكم التقارير التي تعالج المعاناة الإنسانية في اليمن؛ مضيقة المساحات والساحات المتاحة لنشاطه؛ علما أنه بدأ عهده بجولة واسعة وطويلة شملت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وتضمنت صفقات خرافية وزيارة للرئيس الأمريكي ترامب إلى السعودية اعتبرت نجاحا كبيرا للأمير الشاب.

 

عزلة وانكفاء سعودي

جهود ونجاحات انتهت إلى ما يشبه العزلة والانكفاء بعد أزمة مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول؛ فتغيب ولي العهد عن كثير من اللقاءات الدولية كان أبرزها اللقاء الأوروبي العربي في شرم الشيخ قبل اشهر؛ متجنبا تكرار الضجة التي ترافقت مع مشاركته بقمة العشرين بالبرازيل العام الماضي؛ بل وانحصرت جولاته بجنوب شرق آسيا ووسطها والصين والهند في محاولة للخروج من العزلة السياسية؛ غير أن تفاقم الأوضاع الأمنية في الخليج العربي والهجمات على ناقلات النفط والمنشآت النفطية والمطارات السعودية أعاد الزخم للولايات المتحدة الأمريكية ومكانتها كحليف للسعودية يصعب الاستغناء عنه أو استبداله أو تجاهله؛ ليرتفع صوت ترامب من جديد مطالبا السعودية بمزيد من الأموال لقاء الحماية؛ ضغوط وتحولات كان ينتظر أن يضاف لها نتائج التقرير الأممي لحادثة مقتل خاشقجي.

عزلة وانكفاء دفعت ولي العهد السعودي في مقابلته في صحيفة "الشرق الأوسط اللندنية" إلى التركيز من جديد على رؤيته الاقتصادية ومحاولة الترويج لها باعتباره الانجاز الأكبر والأفق الأرحب، مشتبكا في ذات الوقت مع الهواجس والملفات الكبرى والملحة كملف خاشقجي وحرب اليمن وإيران وتركيا.

 

أسئلة شائكة


بذل الأمير جهدا كبيرا لإدانة إيران وتوجيه البوصلة إلى أزمات الإقليم الكبرى مكررا روايته للحرب في اليمن والصراع في الخليج العربي بيد أنه تجنب تناول الأزمات الاشكالية كأزمة حصار قطر والقضية الفلسطينية وموقفه من صفقة القرن أو ورشة المنامة أو الأونروا أو القدس؛ فغابت تماما عن أسئلة "شربل" كما غابت عن تشخيص الأمير في استعراضه لأزمات المنطقة وتحدياتها، فوعوده الاقتصادية وهواجسه المباشرة طغت على ما سواها؛ لتحمل رسالة مهمة موجهة إلى الدول الغربية مقرونة باتفاقات اقتصادية آخرها صفقة كبيرة لشراء السلاح بقيمة 8 مليارات دولار من الولايات المتحدة وأخرى لشراء طائرات "إير باص" الأوروبية.

المهارة العالية والاتقان في المقابلة الصحفية لم تخفِ المخاوف والهواجس من مستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعيش تجاذبا قويا بين أقطابها فيما يتعلق بولي العهد ومستقبله؛ إذ قال ولي العهد بأن التحالف مع أمريكا راسخ ولا يتأثر بالحملات الإعلامية ورغم ذلك فقد برزت مخاوفه من موقف جناح عريض داخل أمريكا والغرب من السعودية وسياساتها المتبعة بالقول: إنهم يعملون على توضيح الصورة لأصحاب تلك المواقف.

محاولات الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد السعودي استعادة مكانته والاشتباك إعلاميا مع الأزمات التي ارتبطت بعهده لم تتجاوز المعضلة الأساسية.. مقتل خاشقجي إذ بقيت حاضرة ومؤثرة في تقييم آدائه ومستقبله؛ بعد أن أعلنت اللجنة الأممية التابعة للأمم المتحدة نتائج تقريرها داعية إلى ضرورة التحقيق مع ولي العهد بقول مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي المحققة أجنيس كالامارد "Agnes Callamard" أن العقوبات الموجهة لسعوديين فيما يتعلق بمقتل خاشقجي يتعين أن تشمل ولي العهد والأصول الشخصية له في الخارج"؛ ضربة موجعة للمملكة العربية السعودية ولولي العهد الأمير الشاب الطموح محمد بن سلمان؛ إذ لا يكاد يتعافى من الأزمة حتى تعود لتعصف بمكانته وصورته في الساحة الدولية لسبب أو آخر.

 

محاولات الأمير الشاب محمد بن سلمان استعادة مكانته والاشتباك إعلاميا مع الأزمات التي ارتبطت بعهده لم تتجاوز المعضلة الأساسية


ختاما: استباق ولي العهد لتقرير الأمم المتحدة المتعلق بتحقيقات مقتل الصحفي جمال خشقجي وهواجسه الناجمة عن مضمون التقرير برزت واضحة في مقابلته الصحفية في جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية من خلال محاولاته معالجة حادثة خاشقجي في إطار القانون السعودي ورفضة محاولات الاستغلال والاستثمار في الأزمة لاعتبارات داخلية تتعلق ببعض الدول التي لم يذكرها في مقابلته الصحفية.

إالا أن هذه المعالجة لم تمنع من صدور تقرير الأمم المتحدة ولم توقف كرة الثلج المتدحرجة ليعود الأمير إلى المربع الأول الذي انطلق منه قبل أكثر من 8 أشهر في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بعد أن كشفت المحققة الأممية في الأمم المتحدة "كالامارد" بأن فريق تحقيق مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، توصل إلى أدلة موثوق بها، على تورط مسؤولين سعوديين كبار في القضية، ومنهم ولي العهد السعودي؛ المسألة التي سيكون لها تداعيات بعيدة الأمد والأثر على مستقبل الأمير الشاب وفاعلية السياسة السعودية لسنوات طويلة.