نشرت مجلة "ذي أتلانتك" مقالا للصحافي المقيم في إسطنبول جون بيك، يقول فيه إن المسجد الذي يتم بناؤه في عاصمة ألبانيا سيكون أكبر مسجد في البلقان كلها.
ويشير بيك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "المسجد، وبعد عدة أشهر فقط من افتتاحه، فإنه يحتل جزءا مهما من تيرانا، وغطى على بناية البرلمان المجاورة، جدرانه تكسوها حجارة فاتحة اللون، وتعلوها القباب والمآذن، وبناؤه لا يشبه أي مبان رفعت في المنطقة من قبل".
ويلفت الكاتب إلى أن "البناء يعكس النمط المعماري العثماني، وذلك لأن تركيا تمول المشروع، وهو واحد من سلسلة من المساجد العملاقة التي تقوم حكومة رجب طيب أردوغان ببنائها في تركيا وخارجها، أحدها في أكرا عاصمة غانا، الذي يعد الأكبر في غرب أفريقيا، وآخر في بشكيك في قرغيزستان، الذي سيكون الأكبر في وسط آسيا، ومجمع ضخم في ميريلاند يعتقد أنه سيكون الأضخم في نصف الكرة الأرضية الغربي".
ويفيد بيك بأن "هناك ما لا يقل عن 2000 مسجد أخرى بأحجام مختلفة تمولها أنقرة، وأخرى لا تزال تحت التخطيط، أو التفاوض في أماكن مثل فنزويلا، حيث يدعم أردوغان حكومة نيكولاس مادورو المحاصرة، وكوبا، حيث يزعم أردوغان أن البحارة المسلمين وصلوها قبل كريستوفر كولومبوس".
وينوه الكاتب إلى أنه "بعد بناء هذه المساجد فإن العديد منها سيبقى تحت سيطرة أنقرة، وفي البلدان التي يوجد فيها جالية تركية تلقى فيها خطب الجمعة الرسمية ذاتها التي تلقى في مساجد تركيا في كل مدينة وقرية تركية".
ويقول بيك إن "أردوغان واجه انتقادات من القوى الغربية مؤخرا بسبب إجراءاته غير الديمقراطية وغير الليبرالية بحق من ينظر إليهم على أنهم أعداء محليون، الذين طردوا من وظائفهم وسجنوا، والهجمات ضد المجموعات الكردية المسلحة في سوريا والعراق، وتوجيه اللوم للبنوك والقوى الخارجية بسبب المشكلات الاقتصادية التركية".
ويبين الكاتب أنه "في الوقت ذاته وسعت حكومته تدريجيا حملة عالمية لقوتها الناعمة، والمساجد هي أبرز نتيجة لذلك، بالإضافة إلى أن الحكومة تدعم المدارس الدينية، وبرنامجا لترميم بنايات العهد العثماني، وبرنامجا اجتماعيا وإنسانيا شاملا، ومعظم المستفيدين رحبوا بالمساعدات، لكن القليل، خاصة ألمانيا، قلقون من أن النفوذ التركي قد يعمق الانقسامات الاجتماعية، أو قد يكون وسيلة للتجسس".
ويقول بيك: "قال لي المحلل في مؤسسة أبحاث السياسة في تركيا، سليم قورو، إن أردوغان وحزب العالة والتنمية، الذي له علاقات مع الإخوان المسلمين، يسعون لأن تكون تركيا (أكثر من بلد عادي، وأن تكون شيئا أعظم.. وتعبر عن ذلك كثيرا)".
ويشير الكاتب إلى أن دائرة الشؤون الدينية، وهي مؤسسة حكومية تقوم بتوظيف الأئمة وتوزع الخطب وتصدر الفتاوى، وتم إنشاؤها عام 1924، هي التي تسيطر على المساجد في تركيا، لكنها نمت بسرعة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية لتصبح جهازا سياسيا بشكل أكثر وضوحا، ولتصبح طموحاتها عالمية، وتوظف الآن أكثر من 100 ألف موظف، وزادت ميزانيتها بأكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2006 خلال دورة أردوغان الأولى بصفته رئيسا للوزراء، إلى ملياري دولار هذا العام، وهذه الميزانية تزيد على ميزانيات بعض الوزارات، بما في ذلك وكالة الاستخبارات القومية، ولم يستجب المتحدثون باسم دائرة الشؤون الدينية لطلباتنا للتعليق على هذا الأمر".
ويلفت بيك إلى أن الدائرة تقوم بسد الثغرات في التمويل في البلدان المستقبلة للمشاريع التركية كما فعلت في ألبانيا، وكان الديكتاتور أنور خوجة، أعلن عام 1967 أنه لا دين للدولة، وأصبحت أماكن العبادة ممنوعة، وإما هدمت أو تم تحويل استخدامها، وبعد انتهاء حكمه وجد الشعب نفسه دون أماكن عبادة، ويشكل المسلمون في ألبانيا 57% من الشعب، و10% كاثوليك، و 7% أرثودوكس، وبدأت الأموال الخارجية تتدفق، حيث قام البابا جون بول الثاني بوضع حجر الأساس لكاثدرائية كاثوليكية عام 1993، وبعد عدة أعوام بدأت الكنيسة الأرثودوكسية ببناء أكبر كنيسة من نوعها في أوروبا".
ويفيد الكاتب بأن "مسلمي تيرانا شعروا لفترة بأنهم يخسرون، ففي مركز المدينة لم ينج من عهد خوجة إلا مسجد أدهم بيك، ولا يتسع المسجد إلا لعدة عشرات من المصلين في أوقات الصلاة، أما في الأعياد فيضطر المصلون إلى التجمع خارج المسجد في ميدان إسكندر بيك، ولذلك سمح عمدة المدينة عيدي راما في 2010 ببناء مسجد جديد بتمويل من دائرة الشؤون الدينية التركية، وحضر أردوغان حفلا كبيرا بعد 5 سنوات، وشكر راما الذي كان في وقتها قد أصبح رئيسا للوزراء".
ويقول بيك إن "هناك من هو غير راض عن التدخل التركي وعن النمط المعماري التركي، فعلق المؤرخ الألباني أورون تير، قائلا إنه حتى وإن كان اسم المسجد مسجد تيرانا الكبير، إلا أن الكثير يرونه آخر قوة أجنبية تهتم ببلدهم، وأضاف: (إن هناك تنافسا دينيا، فترى هذه الدول المختلفة كلها، وهذه المؤسسات الدينية المختلفة كلها تتجمع هنا".
وبحسب الكاتب، فإن "الأموال التركية تصل لألبانيا عبر وكالة التنسيق والتعاون التركية، التي تقوم بتوزيع معظم مساعدات البلد التنموية، والتي قامت بأكثر من 200 مشروع هناك، بحسب مكتب أردوغان، بما في ذلك ترميم مساجد عثمانية، وتقوم الوكالة بتمويل برامج أخرى مختلفة في تيرانا، مثل تطوير الحدائق العامة، وبناء السكن الجامعية، وقال لي عمدة المدينة الحالي أريون فيلياج بأن ألبانيا لا تزال من أفقر دول أوروبا، وهو سعيد بأن يوفر ميزانيته، لكن متحدثا باسم الوكالة قال لي إن الوكالة لا تقوم بأي مشاريع ترميم تذكر في ألبانيا، بالرغم من أنها تنشر عددا منها على موقعها، ولم يستجب لطلبات التعليق على ذلك".
وينوه بيك إلى أن "فيلياج يقول إنه سعيد أن يرى المسجد والكاثدرائيتين الكاثوليكية والأرثودوكسية قريبة من بعضها، بالإضافة إلى أنه واثق من أن النمط الإسلامي الألباني غير المتشدد سيبقى غير متأثر بالأتراك؛ وذلك جزئيا بسبب الاختلاط الذي حصل بين الطوائف خلال سنوات الحكم الشيوعي، ولا أحد يريد أن يبدأ صراع على طاولة الطعام، وأضاف أن تفسير الأتراك الحنفي للإسلام السني أكثر تسامحا مما تدعو له (الكثير من البلدان) -في اشارة إلى الإسلام المتشدد الذي تدعو له السعودية وغيرها منذ سقوط خوجة- وقال: (إنني بصفتي عمدة سعيد بأن أرى المساعدات تأتي من تركيا وليس من أي مكان آخر)".
ويقول الكاتب إنه "بالإضافة إلى الجهود التركية في تيرانا وأكرا، حيث لا توجد جالية تركية كبيرة، فإن تركيا تستثمر أموالا طائلة في بلدان مثل ألمانيا، وصل عدد السكان الذين من أصول تركية إلى 3 ملايين شخص، وبدأ النواب فيها يخشون من تأثير تركيا عليها، خاصة مع توجهات أردوغان الاستقطابية".
ويشير بيك إلى أنه "من بين 2400 مسجد في ألمانيا تدير دائرة الشؤون الدينية من خلال الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية 900 مسجد، ومع أن الأخيرة تقول إنها غير منحازة سياسيا، إلا أن مجلة (ديرشبيغل) نشرت العام الماضي تقارير تفيد بأن بعض الأئمة في تلك المساجد ناصروا التغلغل العسكري التركي في عفرين، فيما تم في مسجد آخر الاحتفال بمعركة غاليبولي (الدردنيل)، حيث تم إلباس أطفال ملابس الجيش ومثلوا دور الجنود الأتراك الذين سقطوا في القتال تحت الراية التركية، بحسب مجلة (ستيرن) الأسبوعية".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "قال لي ماركوس كيربر، وهو موظف كبير في وزارة الداخلية الألمانية، بأن ألمانيا تسعى للحد من نفوذ التأثير التركي على الجالية التركية في ألمانيا، من خلال توظيف أئمة متعلمين محليا وإقامة مساجد تمول محليا في المستقبل".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فورين بوليسي: لهذا على أمريكا ألا تخشى من تقارب تركيا وروسيا
التايمز: ما سر تقارب الأردن مع تركيا وقطر؟
بعد الانتخابات الأوروبية.. بوادر صراع بين باريس وبرلين