لا جديد في عدوان الاحتلال على غزة خلال اليومين الماضيين، فالعدوان والعنف والقتل هو أمر متوقع من الاحتلال بحكم طبيعته العنصرية والدموية، وهي طبيعة يفهمها الفلسطيني الذي يكتوي بنار هذا الاحتلال منذ عقود، ويفهمها أيضا العربي الذي لا يزال على "عربيته"، ويفهمها الإنسان الذي لا يزال يحتفظ بإنسانيته وآدميته.
لا جديد أيضا في أن هناك "نخبا عربية" لم تكن يوما مع فلسطين قلبا وقالبا، وأنها تتمنى أن تستيقظ صباحا وقد اختفت فلسطين وشعبها، بحجة أن قضية فلسطين عطلت نمو أوطانها، وهي ذريعة يستخدمها العاجز الذي فشل في التنمية وفي تحقيق "الحكم الرشيد" لأسباب ذاتية لا علاقة لفلسطين وقضيتها وشعبها فيها.
أما الجديد، فهو تصاعد "نقيق" هذه "النخب" التي كانت تخجل سابقا من نشر مواقفها الحقيقية من فلسطين، فإذا بها تجد في الظروف السياسية الراهنة فرصة للتعبير عن معاداتها للخط الشعبي العربي العام المؤيد لفلسطين وقضيتها، وإذا بأصواتها النشاز تزداد ارتفاعا خصوصا في أوقات عدوان الاحتلال على غزة.
ظهرت بعض هذه الأصوات بشكل "خجول" أثناء عدوان عام 2008/2009 على غزة، ثم صارت تتصاعد مع كل عدوان جديد، لكنها وصلت إلى ذروتها منذ سنتين لأسباب تتعلق بخسارة الثورات الشعبية العربية أمام الثورات المضادة وبتراجع التأثير الشعبي في السياسة العربية، وتصاعد التوحش لدى أنظمة القمع؛ ما أفسح المجال أمام الأصوات النشاز المنسجمة مع التيار الرسمي، وحجب بالمقابل الأصوات الشعبية المعبرة عن ضمير الأمة العربية في غالبيتها العظمى.
الاحتلال في أي مكان أو أي زمان هو المسؤول عن معاناة الشعوب المحتلة وليس المقاومة التي تحاول استرداد حرية هذه الشعوب
هذه الأصوات التي تحاول الاستفادة من المناخ الرسمي السائد في المنطقة حاليا تصادم غالبية الشعوب العربية، لأن هذه الشعوب -وإن خفت صوتها- فإنها تؤمن بأغلبيتها الساحقة بالقضية الفلسطينية
الاحتلال في أي مكان أو أي زمان هو المسؤول عن معاناة الشعوب المحتلة وليس المقاومة التي تحاول استرداد حرية هذه الشعوب، وبهذا المنطق فإن الاستعمار الفرنسي مثلا للجزائر هو المسؤول عن الضحايا والشهداء الذين سقطوا بمئات الآلاف وليس المقاومة التي كانت تدافع عن حق هؤلاء الملايين بالعيش في حرية في وطنهم، وهو نفس المنطق الذي ينطبق على الفلسطينيين وعلى أي شعب واقع تحت الاحتلال.
ثالثا: حتى بالمنطق المرحلي وليس بالمنطق التاريخي الشامل، فإن هذه الأصوات المتصاعدة في "موسم الهجوم على غزة" تتجاهل أن معظم الحروب العدوانية على غزة كانت بمبادرة من الاحتلال، وبسبب تنفيذه لعمليات اغتيال أو قصف أو خرق للهدنة مع الفصائل الفلسطينية.
ويبقى القول إن هذه الأصوات التي تحاول الاستفادة من المناخ الرسمي السائد في المنطقة حاليا تصادم غالبية الشعوب العربية، لأن هذه الشعوب -وإن خفت صوتها- فإنها تؤمن بأغلبيتها الساحقة بالقضية الفلسطينية، وإذا كان تقدم الثورات المضادة قد أفسح المجال لمثل هذه الأصوات بالعلو، فإن الشعوب العربية في النهاية هي التي سوف تبقى، وهي التي تعرف من يقف في خندقها ومن يمارس خطابا صهيونيا بلغة "عربية" فصيحة!