سياسة عربية

قلق بالجزائر من تناقض خطابات قائد الجيش.. ومطالب بالحذر

تتسمّ خطابات الفريق قايد صالح السياسية بامتياز في الفترة الأخيرة بغموض في الرؤية وتناقض أحيانا في الطرح- وكالة أنباء الجزائر

أظهرت الشعارات التي رفعها المتظاهرون في الجمعة الأخيرة للحراك الشعبي بالجزائر، نبرة شديدة الانتقاد لرئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، وصلت في بعض الأحيان لحد المطالبة برحيله.


ورفع المتظاهرون في ولاية البليدة (40 كلم جنوبي العاصمة) لافتة كبيرة بساحة التوت الشهيرة بالمدينة، كُتب عليها: "الجيش لا نؤيده ببلاهة ولا نعارضه بسفاهة، واجبه مرافقتنا بنزاهة، واجبنا السير معه بنباهة"، وهي كلمات تم تناقلها بشكل واسع على مواقع التواصل، كدليل على حالة التوجس من خطابات قيادة الجيش الأخيرة.


ويُعدّ هذا التطور في الشعارات، تحوّلا لافتا في الموقف من قيادة الجيش التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في الأسابيع الأولى للحراك الشعبي، خاصة بعد مساهمتها في دفع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة، لكن دعمها الضمني للرئيس المؤقت الذي خلفه وحكومته، أثار الشكوك حول حقيقة رغبتها في الاحتفاظ بنفس النظام القديم.


وتتسمّ خطابات الفريق قايد صالح السياسية بامتياز في الفترة الأخيرة، بغموض في الرؤية وتناقض أحيانا في الطرح، فهو تارة يُعلن أنه متفتح على الاقتراحات، مُعطيا بذلك أملا لدى أنصار الحل السياسي في تطبيق خطتهم، ويقول تارة أخرى إنه متمسك بالحل الدستوري الذي يفضي إلى انتخابات رئاسية بعد شهرين بإشراف السلطة المدنية المرفوضة شعبيا.

 

اقرأ أيضا: قايد صالح يهاجم "رافضي مبادرات الحوار": يزرعون الدسائس

السيناريو المصري والسوداني


وهاجمت لويزة حنون المرشحة السابقة للرئاسيات، بشدة تدخل قايد صالح في الشأن السياسي. وقالت في ندوة صحفية لها اليوم، إن الشعارات المناهضة له "أظهرت وعيا بالرهانات الحقيقية، ورفضا واضحا لقيام نظام عسكري".


وحذرت زعيمة حزب العمال اليساري، من السير وراء نداءات قايد صالح للحوار، وقالت إن ذلك يعني تمهيدا لتكرار التجربة السودانية التي يسعى فيها العسكر لتقاسم السلطة مع المدنيين أو التجربة المصرية التي استغلت فيها المؤسسة العسكرية الأحزاب والنشطاء للبقاء في السلطة.


لكن قايد صالح رغم الانتقادات التي تواجهه، إلا أنه لا يزال يحظى بثقة قطاع من الجزائريين الذين يرون أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي يمكن التعويل عليها ويعتقدون أنها تواجه مؤامرة خارجية.


وفي هذا السياق، قال سمير بطاش القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، في تصريح لـ"عربي21" إنه ينبغي دعم الجيش، كونه "الحامي الوحيد لوحدة الوطن"، مشيرا إلى أن "التغيير الجذري وفق الدستور الذي يدعو إليه الجيش، هو الحل الأمثل حتى لا تنهار الدولة ومؤسساتها".


وأضاف: "الفريق قايد صالح، أعطى ضمانات بأن الجيش سيرافق ويحمي مطالب الحراك، وأظن أن مؤسسة الجيش تعمل على إثبات ذلك من خلال التغييرات والتحقيقات التي فتحتها العدالة".


وتابع بأن "دفع الجيش لتخطي الدستور، هو مؤامرة من أطراف تريد ضرب الجيش، على شاكلة ما حدث في السودان، عندما تم دفع الجيش إلى الانقلاب ثم مهاجمته داخليا وخارجيا ما خلق فوضى كبيرة في هذا البلد". 

 

اقرأ أيضا: قائد الجيش الجزائري يتمسك بالانتخابات الرئاسية في موعدها

رحيل قايد صالح


ويختلف مع هذه النظرة، ناصر حمدادوش القيادي في حركة مجتمع السلم، الذي يرى أن المشكلة موجودة في قيادة الجيش، بسبب "الخرجات السياسية المتكررة غير موفقة، وهو ما يضطر المؤسسة العسكرية في كل مرّة إلى تصحيحها، بشكل يُظهرها في حالة ارتباك تخدش مصداقيتها".


وأبرز حمدادوش في تصريح لـ"عربي21"، أن "التمسك الحرفي بالحلّ الدستوري سيؤدي في النهاية إلى عدم التجاوب الحقيقي مع المطالب الشعبية المعلنة في كل جمعة، مع أنها ليست مطالب تعجيزية".


ولكن رغم كل ذلك، لا يعتقد حمدادوش أن الوقت مناسب للحديث عن رحيل قايد صالح، إذ "ليس من الحكمة الآن المساس باستقرار المؤسسة، وإرباكها أكثر، أمام التحديات التي تواجهها".


غير أن المحلل السياسي بوعلام غمراسة يرى بأن قايد صالح تحول إلى عقبة في طريق تجسيد مطالب الحراك، عبر تهديده المتكرر للمتظاهرين و إلحاحه على تطبيق الحل الدستوري الذي يؤدي لى إعادة إنتاج نفس النظام.


وقال غمراسة في تصريح لـ"عربي21" إن على الفريق أن يعود إلى ثكنته ويلتزم بمهامه الدستورية الواردة في  المرسوم الرئاسي الذي أصدره الشاذلي بن جديد في 1984 والذي أنشأ بموجبه رئاسة أركان الجيش.


ويذهب مراد بياتور القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أبعد من ذلك بالقول إن على قايد صالح الرحيل من منصبه بعد أن تحول إلى جزء من الأزمة.


وأوضح بياتور في تصريح لـ"عربي21"، الخطاب الذي ألقاه الفريق في الناحية العسكرية الأولى بالبليدة، أظهره على حقيقته الكاملة.


وأضاف: "نشعر في هذا الخطاب، أننا أمام انقلاب عسكري ولم ينقص إلا تحويل قيادة الأركان من مقر وزارة الدفاع إلى قصر المرادية، وهذا ما دفع الشارع إلى اعتبار قايد صالح زعيم العصابة وبالتالي رفع سقف المطالب إلى رحيله كشرط للانطلاقة الجديدة".