ضمن سلسلة ندوات صحيفة
"عربي21" التي تسلط فيها الضوء على القضايا الساخنة في المنطقة، بمحاورة
خبراء ومعلقين، استضافت مسؤول العلاقات الأفريقية في مجلس التعاون الأفروآسيوي،
والكاتب والخبير في الشأن الجزائري، الدكتور إدريس ربوح.
وفي بداية الحوار أجمل
ربوح الحالة الجزائرية منذ العام 1988 وحتى خروج الجزائريين في الحراك الشعبي
الأخير، الذي انتهى باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بضغط من الشارع والجيش.
ولفت ربوح إلى أن
الجزائر تعيش مرحلة مخاض، وانتقال من وضع سياسي مستبد شمولي، إلى وضع ديموقراطي.
وقال إنه منذ 30 عاما،
وفي العام 1988 بالتحديد، 1988 انتهى عهد الحزب الواحد عندما انتفض الشعب الجزائري
للمطالبة بحقوقه السياسية وتحسين أوضاعه الاقتصادية مع دور حزب جبهة
التحرير الوطني آنذاك وتهاوي أسعار النفط الذي يعتمد الجزائر عليه بشكل أساسي في
اقتصاده.
وأشار إلى أن مجرد
انخفاض أسعار النفط في عام 1986 كان كافيا لانفجار شعبي، إلى جانب الاستبداد الذي
كان في ذلك الوقت.
وتابع بأن الجزائر دخل
بعد ذلك في "مرحلة الإصلاح" وحاول الحزب الحاكم تنظيم الساحة السياسية
ودعا لأن يكون هنالك تيارات سياسية كبرى، كنوع من الاعتراف بالتنوع لكنه لم ينجح
في ذلك.
وأشار إلى أن الجزائريين
ذهبوا إلى تعددية سياسية في شباط/ فبراير 1989 حين ظهر دستور الشاذلي بن جديد
وتحدث عن حرية تأسيس جمعيات ذات طابع سياسي (وليس أحزاب) ووقتها دخل الجزائر
مرحلة التعددية السياسية والنقابية مثل تلك التي شهدتها بلدان عربية بعد الربيع
العربي من ديموقراطية وإعلام حر، بحسب ربوح.
وأجريت في الجزائر بعد
ذلك انتخابات بلدية فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في أول انتخابات تعددية افرزت
نتائجها فوزا كبيرا للجبهة إذ حصلت على 953 مجلس بلدي من أصل 1539 و32 مجلس ولائي
من أصل 48.
اقرأ أيضا: بعد تظاهرات الجمعة.. جيش الجزائر يجدد وقوفه إلى جانب الشعب
بعد ذلك اتجه
الجزائريون إلى الانتخابات التشريعية، التي فازت بها أيضا الجبهة الإسلامية
للإنقاذ بأغلبية ساحقة، وحصدت 188 مقعدا من أصل 231، ليقوم النظام حينها بإيقاف
المسار الانتخابي، وأستقال بعدها الشاذلي فيما فسر بأنها استقالة مدفوعة من
جنرالات الجيش.
وتابع ربوح بأن الأمر
كان في ظاهره استقالة، لكنه في الحقيقة انقلاب عسكري فرض على الجزائريين، وجمد
العمل في الدستور ودخلت البلاد في متاهة حقوقية وسياسية وعشرية سوداء خسرت البلاد
فيها 200 ألف قتيل، وتدهور الاقتصاد، وضاعت مليارات الدولارت من البلاد، وتوقفت التنمية،
وهاجر الكثير من الجزائريين، وكانت "مأساة وطنية".
بعد العشرية دخل
الجزائر في مرحلة استقرار سياسي نوعا ما، مع تشديد على الحياة السياسية إذ استغل
النظام "مرحلة الإرهاب" والأوضاع الصعبة في الجزائر، بعد ذلك جاء الرئيس
بوتفليقة في عام 1999، بعد أن استعان به الجيش في عام 1994 لكنه رفض إشراك العسكر
في الحكم، وعاد في 1999 على أن يحكم وحده، وجاء بشعار "المصالحة الوطنية".
وتابع: "كان شعار
المصالحة الوطنية يهدف لإنقاذ النظام، لأنه كان محاصرا من المجتمع الدولي، وأنقذ
بوتفليقة النظام فعلا مستفيدا من مناصبه السابقة، وزيرا للخارجية وعلاقاته الدولية،
والفترة التي غابها عن الجزائر وعمل فيها مستشارا لرئيس دولة الإمارات".
وأشار إلى أن بوتفليقة
سياسي يتميز بالدهاء استطاع ترويض الجميع، وحكم لعشرين عاما، رغم أنه ليس تقليدا في
الرئاسة الجزائرية، إذ لم ينهِ الرؤساء السابقون عهدة ثالثة إما بسبب الوفاة أو
الاستقالة.
وعن عهدة بوتفليقة
الرابعة، قال ربوح إن الجزائريين صبروا على
الرئيس في عهدته الرابعة، رغم أنه كان بوضع صحي سيء، لأن القوى السياسية لم يكن
لها القدرة على إحداث التغيير، رغم أنها كانت ضد العهدة الرابعة، فالبعض قاطع
الانتخابات في 2014 ونزل إلى الشارع، لكنه لم يملك قوة شعبية، ومرر النظام العهدة
الرابعة.
وتابع بأن الجزائريين
كانوا يجهزون طيلة العهدة الرابعة للحراك، وظن النظام أن العهدة الخامسة ستمر، لكن
الحراك الشعبي فاجأ الجميع.
وعن الحراك الذي استمر
في الشارع لأسابيع، قال ربوح إن النظام ورئيس الحكومة حاولوا في بداية الأمر تخويف
المتظاهرين بمصير الثورة في سوريا.
وكان رئيس الوزراء
الجزائري، أحمد أويحيى، قال أمام النواب الجزائريين، أثناء حديثه عن الحراك الشعبي، إن المسيرات خطر على استقرار البلاد، وإن "المسيرات بدأت في سوريا بالورد
وانتهت بالدم".
اقرأ أيضا: إيكونوميست: رحيل بوتفليقة لا يكفي وهذا ما يريده الجزائريون
وكانت ردة الفعل
معاكسة وخرجت الجماهير بقوة، وطالبت بإقالة أويحيى، ورفعت شعارات تهاجمه.
وعن التمثيل الشبابي
في الحراك، قال ربوح إن الحراك كان نتيجة تراكمات استبداد وتقصير مع الشباب على
وجه الخصوص، مشيرا إلى أن الجميع ظن أن الشباب الذي عاش فترة بوتفليقة ظن غير واع،
لكنه أثبت أنه واع، رغم أنه لم يشتغل بالسياسة، لكنه مارسها على طريقته على وسائل
التواصل الاجتماعي، بحسب تعبيره.
وكانت أغلبية الحراك
الساحقة من الشباب، رافعين شعار "رانا صحينا باصيتو بينا"، أي لقد صحونا
الآن، ولن تجدوا معنا حلا.
وفعلا، لم يجد النظام
حلا مع الحراك، إذ لم يكن إسلاميا، ولا يساريا، ولا مؤدلجا إنما كان شبابيا، يتحرك
دون قيادة ورؤوس وكانت هذه مشكلة بالنسبة للنظام.
دور الجيش
وعن دور الجيش في
استقالة بوتفليقة، قال ربوح إنه في ظل الحراك القوي كانت أذرع النظام ضعيفة من
رئاسة وحكومة وبرلمان، والجهة الوحيدة القوية كانت الجيش، وقرر مخاطبة الجماهير،
وقال في أول تصريح له بأن الحراك من "المغرر بهم"، ما صاعد الاحتجاجات ليدرك
الجيش بعدها أنه لا يمكن مقاومة الطوفان البشري، وغير من خطابه.
وبدأ رئيس أركان الجيش
الشعبي الوطني الجزائري، أحمد قايد صالح، بمغازلة الشباب والحراك الشعبي، وبدأ بخطاب
مغاير، وصولا إلى آخر خطاب الذي وصف فيه نظام بوتفليقة بـ"العصابة"، ومن هنا بدأ تطابق خطاب الجيش مع خطاب
الحراك الشعبي.
ولفت إلى أن الجيش
الجزائري، جيش جمهوري وطني ملتزم بالحفاظ على الدولة واستقرارها، ولا يمكن أن
يتورط بضرب الجزائريين، خصوصا بعد وصول قيادات جديدة ليست مرتبطة بـ"ضباط
فرنسا"، الذين كانوا في الجيش الفرنسي وعندما اقترب الاستقلال التحقوا بالجيش
الجزائري، في خطة لإدامة وجود فرنسا هناك، لكن الجيش تخلص منهم لاحقا.
وأكد ربوح أن الجيش ساهم
في تأمين الحراك وغير خطابه إلى خطاب مساند للحراك.
وأصر الحراك الشعبي
على مطلبه بوقف العهدة الخامسة وتغيير النظام بالكامل، فطالب الجيش بتطبيق المادة
102 من الدستور الجزائري، وقرر الجيش دفع بوتفليقة للمغادرة، إلا أنه عاند في
بداية الأمر، وحاول كسب الوقت، فاجتمعت قيادة الأركان وصور اللقاء التلفزيون
الرسمي لأول مرة، ليستقيل بعدها بساعات قليلة.
وعن بنية الاجتماع
العسكري، أشار ربوح إلى أن نواة حكم الجزائر هو المجلس الذي اجتمع؛ (قائد الأركان،
وقادة القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي عن الإقليم، والنواحي العسكرية
الستة، والدرك الوطني، والإطارات السامية).
ورغم أن هنالك واجهة
مدنية لكن النواة في حكم البلاد هو الجيش، وهو من يقرر من يأتي ومن يغادر رئاسة
الجزائر، والمطالبة بالتطبيق الفوري للمادة 102 واستقالة بوتفليقة دليل على ذلك، بحسب
ربوح.
وأكد أن الجديد هذه
المرة هو أن الشعب كان فاعلا، في حين كان غائبا عن كل الرئاسات الجزائرية السابقة،
ولم يكن للشعب أدنى دور، وكانت القوى السياسية مجرد واجهة فقط.
وعن مستقبل الحراك الشعبي في الشارع، أوضح الخبير الجزائري أن الشعب لن يبقى في الشارع إلى الأبد،
ويجب أن يتطور الحراك إلى هيكل عن طريق قوى سياسية جديدة، ومنظمات مجتمع مدني،
ومؤسسات إعلامية، لكي يستمر.
ولفت إلى أنه إذا لم يتطور
الحراك فسيتم الالتفاف عليه ويربح الجيش والنظام الجزائري، والضامن هو انتظامه في
المرحلة القادمة، لأن الجيش يستجيب للضغط، ولا يقدم شيئا بدون ضغط قوي.
ويطالب الحراك بإقالة
رئيس مجلس النواب، وإقالة الرئيس الأول للوزراء، وإقالة رئيس المجلس الدستوري،
لأنهم من يشرف قانونيا على الانتخابات الرئاسية القادمة، وتاريخهم أسود وهم أدوات
تزوير.
وعن المستقبل القريب،
قال ربوح إن الجزائر ستدخل في مسار انتخابي، مؤكدا على ضرورة وجود لجنة مستقلة
للإشراف على الانتخابات القادمة، لأنه في الجزائر تشرف وزارة الداخلية على
الانتخابات، والوزارة لها منظومة ولاة تشرف على العملية، ولا يمكن أن يثق
الجزائريون بهم.
ولفيت إلى أن كل
الانتخابات السابقة تم تزويرها، ولا بد من هيئة مستقلة، وإذا لم تتحقق هذه المطالب
فإن الحراك سيعود من جديد للنظام ويجدد الثعبان جلده.
وختم ربوح: "هنالك
تحد كبير أمام الحراك، وإذا رأينا الجزائريين حققوا كل ما سبق، فإن الجزائر
بانتظار مستقبل باهر".