من أجل المقارنة بين ثورتي 1919 و2011 في مصر علينا أن ندرس عوامل نشأة الثورتين، فالأولى جاءت في نهاية حرب عالمية وهي الحرب العالمية الأولى 1914- 1918، والتي أدت إلى سقوط الخلافة العثمانية، وتفكك الدولة العثمانية واستعمارها من قبل إنكلترا وفرنسا، وكانت بعد احتلال الإنجليز لمصر الذي بدأ عام 1882.
الصراع مع الاحتلال
وتصارعت على حكم مصر سلطتان منذ ذلك التاريخ هما: سلطة الخديوي من جهة وسلطة المحتل ممثلة بالمندوب السامي كرومر من جهة ثانية. وكانت هذه الثورة التي قادها سعد زغلول عام 1919 من أجل تحقيق أهداف داخلية وخارجية؛ داخلية في حكم تشاوري يحقق العدالة والمساواة، وخارجية في تحقيق معاهدة متوازنة مع الاحتلال البريطاني.
أما ثورة 2011 فعندما قامت من أجل إصلاح ظروف داخلية وخارجية، فقد حكم حسني مبارك ثلاثين عاماً، كان فيها حاكماً مستبداً، وأحاطت به طبقة فاسدة من الضباط والوزراء والإداريين استمرأوا سرقة أموال الشعب، ومما زاد الطين بلة أنه أراد أن يورث ابنه الحكم.
وبالإضافة إلى ذلك كان حسني مبارك مستخذيا أمام إسرائيل وأمام مخططات أمريكا في المنطقة، وأفقد مصر دورها الفعال في محيطها العربي. لذلك ثار عليه الشعب بسبب تلك العوامل الداخلية والخارجية، وقامت عليه الثورة في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وانتهت إلى إزاحته عن الحكم في 11 شباط (فبراير) 2011.
فإلام انتهت كل من ثورتي 1919 و2011؟
لقد رسخت ثورة 1919 ثلاثة أمور:
1 ـ الفكر القومي الفرعوني:
لقد انطلقت ثورة 1919 من فكر قومي فرعوني، واعتبرت أن مصر أمة فرعونية، وقد عبر عن هذا الرأي عدد من السياسيين والمفكرين والكتاب والقيادات والأدباء ومنهم: سعد زغلول، وأحمد لطفي السيد، وعباس محمود العقاد، ومحمد حسين هيكل إلخ...
وقد شكل هذا الفكر توجهاً جديداً لمصر لا سابق لها به، وقد شكل قطيعة مع الماضي الذي كان يعتبر أن مصر تمثل جزءا من الأمة الإسلامية العربية، وكان هذا الفكر صدى للتواصل مع الحضارة الغربية في أوروبا، لأن القرن التاسع عشر كان قرن القوميات في أوروبا، حيث برزت القومية الألمانية والقومية الإيطالية والقومية الفرنسية، إلخ...
وعلى الأرجح أنه كان الفكر القومي الفرعوني المصري صدى وانعكاساً للفكر القومي الفرنسي لتشابه ظروف البلدين الجغرافي في التكوين القومي.
2 ـ التوجه إلى الاقتصاد الرأسمالي:
لقد توجهت مصر اقتصادياً إلى الاقتصاد الرأسمالي، وانتقلت من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة البرجوازية، لذلك فقد تشكلت طبقة من الرأسماليين المصريين المرتبطين بالرأسمالية العالمية، وكان طلعت حرب على رأسهم حيث أسس بنك مصر، ونشأت مؤسسات اقتصادية أخرى معتمدة على اقتصاد السوق، وكانت سمسارة وواسطة للرأسماليين الكبار في أوروبا.
3 ـ نظام ديمقراطي:
أفرزت ثورة 1919 في المجال السياسي نظاماً ديمقراطياً، وقد قام هذا النظام الديمقراطي على عدة أركان منها: كتابة دستور عام 1923، وتشكيل أحزاب وأبرزها كان حزب الوفد الذي قاده سعد زغلول، وإنشاء صحف، وإجراء انتخابات برلمانية، واعتبار الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، وفصل السلطات، وإعطاء الحريات، إلخ...
وقد استمرت هذه الأمور الثلاثة التي أفرزتها ثورة 1919 من: فكر قومي فرعوني مصري، واقتصاد رأسمالي، ونظام سياسي ديمقراطي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما جاء جمال عبد الناصر إلى الحكم بعد انقلاب عام 1952 وأحدث توجها جديداً، وألغى المنجزات السابقة، فحل الفكر القومي العربي مكان الفكر القومي الفرعوني المصري، وحول الاقتصاد الرأسمالي إلى اقتصاد اشتراكي، وألغى النظام السياسي الديمقراطي، وأنزل مكانه نظام الديمقراطية الشعبية الموجهة، حيث أعطى طبقة العمال والفلاحين اكثر من نصف مقاعد البرلمان الذي أنشأه.
ثورة 25 يناير
لقد جاءت ثورة 25 يناير في مصر ـ كما ذكرنا سابقا ـ نتيجة ظروف داخلية وخارجية سيئة أوجدها نظام حسني مبارك في نظام مصر السياسي، ويمكن أن نضيف أن الثورة جاءت رداً على الأمركة التي بدأت تتعرض لها مصر في مجال الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والتي بدأها أنور السادات منذ عام 1970 وأكمل ترسيخها حسني مبارك.
وعندما تحقق انتصار ثورة 25 يناير وأزيح حسني مبارك، وبدأ عهد ديمقراطي جديد تولد عنه دستور وأحزاب وانتخابات وبرلمان، وفاز محمد مرسي برئاسة الجمهورية عام 2012، لكن الجيش انقلب على محمد مرسي في 3 تموز (يوليو)2013 وعزل الرئيس محمد مرسي وعاد الجيش إلى حكم مصر وانتهت الفترة الديمقراطية، فلماذا كان هذا التعثر والسقوط للنظام الديمقراطي؟
أسباب الانقلاب على مرسي
يعود السبب إلى المنهجية التي قام عليها محمد مرسي، والتي تمثلت في وفائه لدين أمته، وسعيه إلى تطبيق الشريعة، والمحافظة على شخصية الأمة، وتدعيم قيمها وبناء الأسرة، وترسيخ اللغة العربية، وتعميق البحث العلمي، وكان سيؤدي ذلك إلى بناء الأمة ومواجهة التغريب والأمركة.
وسنبين في السطور التالية المواد المرتبطة بالقضايا السابقة، والتي تخدم المعاني السابقة في الدستور المصري الذي سنه محمد مرسي في عام 2012.
وقد جاء في ثلاث مواد حديث عن الأمة والشريعة، وهذه المواد هي :
المادة الأولى: "الشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية".
المادة الرابعة: "ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية".
المادة 219: "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
من الواضح من خلال المواد الثلاث المذكورة أعلاه أن هناك توجها حقيقيا لتطبيق الشريعة من قبل مرسي، وأن هناك دورا لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في تفسير الشرائع التي ستطبق، ومدى ملاءمتها لمنهجية أهل السنة والجماعة، ومن الموْكد أن هذا التوجه لا سابق له في العالمين العربي و الإسلامي، و أنه مرفوض من قبل الدوائر الغربية.
من المرجح أن إيراد كلمة الشورى في الدستور يقيم تواصلا بين المعطيات الحديثة في النظام الديمقراطي وبين المعطيات القديمة المرتبطة بميراث السياسة الشرعية والأحكام السلطانية.
لقد كان دستور 2012 والذي أقره محمد مرسي، وبما احتواه من مواد توجه إلى تطبيق الشريعة، هو الأساس الذي حرك القوى الخارجية لتدفع الجيش للانقلاب على مرسي وإنهاء حكمه قي 3 تموز (يوليو) 2013.
لماذا تم الانقلاب على ثورتي 1919 و2011 في مصر؟
مصر.. الاستقلال والحرية مطلبان لثورتي 1919 ويناير 2011