يتصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين في شتى بلاد العالم، خاصة في الغرب، وسط تساؤلات عن مدى إسهامه في تشجيع الأعمال الإرهابية ضدهم، على غرار المجزرة الدموية التي نفذت الجمعة ضد مسلمين آمنين، كانوا يؤدون شعائر صلاة الجمعة في نيوزيلندا.
وهاجم إرهابي مسلح ببنادق آلية، مصلين في مسجدين في منطقة "كرايست تشيرش" النيوزيلندية الجمعة، ما أدى إلى سقوط 49 قتيلا، وفق أخر أرقام أعلنتها الشرطة في نيوزيلندا، فيما أصيب 48 شخصا بينهم أطفال، قالت السلطات إنهم يخضعون للعلاج في مستشفى المدينة.
الخبير في الشؤون الأوروبية حسام شاكر قال، إن ما حدث في نيوزيلندا الجمعة، يمثل ذروة الاعتداءات الدامية التي تستهدف المسلمين، والمساجد، والمرافق الإسلامية، المدفوعة بتصاعد الإسلاموفوبيا، معتبرا أن الحدث ليس عابرا، بل مخطط له مسبقا، بحيث يوقع أكبر عدد ممكن من الضحايا الأبرياء، كونه استهدف صلاة الجمعة، التي غالبا ما تشهد حضورا كبيرا للمسلمين.
شيطنة المسلمين
وأشار شاكر في حديث لـ"عربي21"، إلى أن هذا الاعتداء "متصل بشكل مباشر بخطاب التعبئة والكراهية الذي يتفشى عالميا، بهدف شيطنة المسلمين، ونزع الصفة الإنسانية عنهم، وجعل استهدافهم عملية مشروعة في عيون المقترفين، على النحو الفظيع الذي رآه العالم في تسجيلات المهاجم في نيوزيلندا".
ورأى أن خطاب التحريض والكراهية ضد المسلمين "متفاقم، ويحظى برعاية سياسة على أعلى مستوى في عدة دول حول العالم، مذكرا بأن الرئيس الأمريكي نفسه استخدم خطاب الكراهية للصعود إلى البيت الأبيض في حملته الانتخابية، وأن حملات انتخابية في الديمقراطيات الأوربية أيضا تستخدم خطاب الشحن والتعبئة، والكراهية، والإسلاموفوبيا، وتقوم بإرسال إشارات تستهدف المسلمين"، مشيرا إلى أن هذا الخطاب، ينتج في الواقع أجواء مجتمعية مسمومة، لا ترحب بالتعايش، وتذكي النزعات البدائية والانتقامية.
ولفت إلى وجود مشكلة في الخطاب المعتمد للرد على هذه الاعتداءات، وأن كثيرا من ردود الفعل على اعتداءات سابقة كانت تميل إلى عزل الواقعة في إطار مقترفيها فقط، بمعنى أن منفذ الاعتداء يتم اعتباره شخصا مضطربا عقليا، ويعاني من مشاكل نفسية.
واستطرد: "لا يتم فتح ملفات ثقافة التعبئة والكراهية التي أنتجت مثل هذه الاعتداءات، وهذا يعني أنه تم إعفاء اعتداءات سابقة مما تفرضه من نقاش حقيقي في بواعثها وملابساتها، ويجعلها مجرد اعتداءات فردية".
اقرأ أيضا: أسترالي ينفذ هجوما إرهابيا بمسجدين بنيوزلندا ويبثه في الإنترنت
وفي المقابل قال شاكر: "يجري فتح ملفات ثقافية واسعة النطاق بعد هجمات منسوبة إلى مسلمين، ويتم فيها الدعوة إلى مراجعات في الخطاب الإسلامي".
ودعا الخبير والمحلل السياسي، إلى البحث عن الخيط الناظم بين هذه الاعتداءات حول العالم، التي تتغذى على ثقافة تعبئة مطردة يقف وراءها صناعة الإسلاموفوبيا، سواء مؤسسات، أو مراكز، أو شخصيات، أو وسائل إعلام، تذكي نزعة ازدراء المسلمين بما يؤدي استسهال القتل الجماعي ضدهم.
ناقوس خطر
وعن دور الحكومات الغربية في دعم خطاب الكراهية، قال: "بعض الحكومات في الغرب لم تقم بما عليها لمكافحة خطاب الكراهية ضد المسلمين، بل إن بعض السياسيين كانوا منخرطين في التحريض وما زالوا، وهناك نوع من التعايش معها، بل أدخلت إلى الأروقة السياسية، وأصبحت تشارك في صناعة القرار في أكثر من بلد أوروبي، بالإضافة إلى التجربة الأمريكية في عهد ترامب".
وشدد على أن الحالة "متفاقمة، وسوف ينتج عنها حالات عنيفة ومتطرفة بشكل أوسع، وإن لم يتم اعتبار ما جرى في نيوزيلندا بمنزلة ناقوس خطر عالمي، فإن هذا الدرس سيتم تفويته كما في السابق، سواء في أوروبا أو أمريكا أو أي مكان في العالم".
وأشار إلى أن العالم يشهد حالة من لوم الضحية وتحميلها مسؤولية عما لحق بهم، باعتبار أن المسلمين هم المشكلة، مشيرا في هذا السياق، إلى وجود خطابات "تدغدغ" الإسلاموفوبيا مبعثها دول عربية، تحاول أن تحرض على المساجد في البيئات الغربية ومناطق الأقليات، باعتبارها تمثل خطرا على مجتمعاتها"، داعيا إلى توقف هذه الخطابات فورا، وإلى ضرورة إدراك ما تسببه من أذى بالمسلمين.
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع، حميد الهاشمي، إن الجريمة التي وقعت بحق المصلين المسلمين في نيوزيلندا، تأتي كنتيجة متوقعة لتصاعد خطاب التحريض والكراهية في الغرب.
ولفت في حديث لـ"عربي21" إلى أن عددا من الحكومات في الغرب صعدت وتصدرت المشهد السياسي في بعض البلدان، نتيجة تبنيها خطاب الكراهية ضد المسلمين، قائلا: "هذه الحكومات لم تكن في الأصل متطرفة، ولكنها حين تبنت الخطاب الشعبوي لليمين المتطرف، صعدت إلى سدة الحكم"، متوقعا أن يستمر الخطاب الرسمي ضد المسلمين في الغرب، طالما أنه يوفر قاعدة شعبية للحكومات، ويدفعها إلى تصدر المشهد السياسي.
ولفت إلى أن خطاب الكراهية لم يقتصر على المسلمين فقط، بل تعداه إلى المهاجرين الجدد من الأعراق والأديان كافة.
يشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، حذر من تصاعد خطاب الكراهية ضد الإسلام، وضد الأجانب والمهاجرين واللاجئين الذين يتم وصمهم بالإرهاب، لافتا إلى أن هذه الظاهرة هي خطر يحيط بالديمقراطية ويتفشى بشكل واضح، من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتغذيها أحزاب كانت منبوذة ويزداد نفوذها الآن.
وأعرب جوتيريش ـ في كلمة له خلال أعمال الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي عقد في جنيف في الخمس والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، عن قلقه من تراجع حقوق الإنسان في أماكن عديدة من العالم وظهور توجهات مقلقه في هذا الخصوص.
زيادة الجرائم
أما مرصد منظمة التعاون الإسلامي للإسلاموفوبيا، فقد أكد أن بعض الدول تضفي الطابع المؤسسي على الإسلاموفوبيا، وأن الخوف من الإسلام أصبح سلوكا رسميا؛ باعتبار هذا التوجه جزءا لا يتجزأ من السياسة الحكومية؛ بسبب "استيلاء" شخصيات وأحزاب سياسية يمينية متطرفة ومناهضة للإسلام على الحكومات.
اقرأ أيضا: إدانات دولية وإسلامية للهجوم الإرهابي على المسجدين بنيوزلندا
وأوضح التقرير السنوي الثاني عشر للمرصد، الذي يغطي الفترة الممتدة من حزيران/يونيو 2018 إلى شباط/فبراير 2019، إلى أنه بعد أن سجلت ظاهرة الإسلاموفوبيا انخفاضا طفيفا خلال العام الماضي، تصاعدت من جديد موجة الخوف من الإسلام وخطابات الكراهية، مشيرا إلى تقارير وأخبارا كشفت عن زيادة مثيرة للقلق لجرائم الكراهية ضد أفراد ينظر إليهم على أنهم مسلمون، فضلا عن ارتفاع عدد الهجمات على المساجد والمراكز المجتمعية، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة، وما انفك التمييز والتعصب ضد المسلمين يتزايدان منذ حزيران/يونيو 2018، حتى بلغا أعلى مستوياتهما خلال نهاية العام.
وبين التقرير أن ظاهرة كراهية الإسلام بدت بمنزلة رد فعل "غير عقلاني" من جانب بعض الحكومات في مواجهتها لمسألة التطرف؛ بسبب إلقائها اللوم بشكل واضح على المجتمعات الإسلامية كافة دون استثناء.
واشتمل التقرير على ملحق يضم قائمة لحوادث الإسلاموفوبيا حول العالم في الفترة التي يغطيها التقرير، التي تم تصنيفها إلى خمسة أقسام هي الحوادث المتعلقة بالمساجد، والحملات السياسية والاجتماعية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين، والتعصب ضد الإسلام ورموزه، والتمييز ضد الأفراد والمجتمعات المسلمة، والحوادث المتعلقة بالمظهر الإسلامي للمسلمات.
من يتحمل المسؤولية في كارثة قطار محطة مصر؟