قال القاضي أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، إنه لأول مرة في مصر يتم تطبيق قرار إلغاء الانتخابات في هذا العدد من الدوائر، مؤكدا أن "أي مرشح سيتم إثبات مخالفته سيرفع هذا الطلب إلى مجلس الإدارة، وإن تطلب الأمر سيتم تحويل هذه المخالفات للنيابة العامة والبت فيها".
جاء ذلك خلال مؤتمر الهيئة الوطنية للانتخابات، بمقر الهيئة بحضور رؤساء الأحزاب السياسية، لبيان مجريات العملية الانتخابية للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025. وأوضح القاضي بنداري أن الهيئة، منحت مهلة للأحزاب السياسية لتقديم الأوراق والمستندات الخاصة بحجم الإنفاق على الدعاية الانتخابية التي تمت خلال المرحلتين الأولى والثانية من انتخابات مجلس النواب، وأضاف قائلا: "القاضي لا يُملى عليه قرار، القاضي يُصدر الحكم ولا يحاسب إلا من الله، وبيان السيسي أعطى الهيئة أريحية في التأكيد على قراراتها".
خروقات مؤثرة "غير مسبوقة"
وبالتزامن مع انطلاق عمليات تصويت المصريين في الخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، لا تزال تداعيات الانتهاكات التي شهدتها المرحلة الأولى تسيطر على المشهد السياسي، حيث أبطلت الهيئة الوطنية للانتخابات، نتائج المقاعد الفردية لـ19 دائرة بالكامل أو جزئياً خلال المرحلة الأولى، بسبب ما وصف خروقات مؤثرة، قيل إنها "غير مسبوقة" في الاستحقاقات البرلمانية الأخيرة.
وتلقّت المحكمة الإدارية العليا، 114 طعناً على النتائج التي أعلنتها هيئة الانتخابات من محافظات المرحلة الأولى، في اليوم الأول لتلقى الطعون والتي ستُرفع إلى المحكمة الإدارية العليا التابعة لمجلس الدولة، وهي الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات الانتخابية المتعلقة بسير العملية الانتخابية وسلامة إجراءات الفرز والتجميع، وبموجب القانون، يجوز للمرشحين غير الفائزين التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة من اليوم التالي لإعلان النتيجة في دوائرهم الانتخابية، وهو ما يفسّر تزايد عدد الطعون خلال الساعات الماضية.
"إلغاء الانتخابات بالكامل أفضل لمصر"
وأكد أحمد مجدي، عضو أمانة الإعلام بحزب "التجمع" أن إبطال نتائج 19 دائرة قد يشجع مزيداً من المستقلين والأحزاب الصغيرة على كشف أي انتهاكات أو رشاوى انتخابية، معتبراً أن المرحلة الثانية تمثّل فرصة لتعزيز الرقابة المجتمعية،كما لفت إلى أن دخول الرئيس عبد الفتاح السيسي على خط الأزمة وتوجيهه هيئة الانتخابات للتحقيق في المخالفات، ثم إبطال الهيئة نتائج عدد كبير من الدوائر "يمثل خطوة غير مسبوقة"، لكنه أكد في الوقت ذاته أن "الإصلاح لن يتحقق سريعاً؛ فالمشهد يحتاج وقتاً ووعياً سياسياً أوسع".
أما النائب البرلماني السابق، هيثم الحريري، فذهب أبعد من ذلك، معتبراً عبر صفحاته الرسمية بمنصات التواصل الاجتماعي أن "إلغاء الانتخابات بالكامل أفضل لمصر والمصريين"، وسط مخاوف من تكرار الانتهاكات في المرحلة الثانية.
دعوة لوقف السير في إجراءات الانتخابات
وفي السياق، تقدم المحاميان علي السيد علي الفيل، وأحمد محمد محمود عبد الرحيم، بطعن عاجل أمام محكمة القضاء الإداري، طالبا فيه بوقف السير في إجراءات الانتخابات، وطالب مُقدِما الطعن بوقف تنفيذ القرار المتمثل في الامتناع عن إصدار قرار بوقف السير في إجراءات انتخابات مجلس النواب، وذلك لحين استقرار الأوضاع الدستورية والقانونية، على حد ما جاء في صحيفة الطعن.
وشمل الطلب تأجيل الإجراءات المتعلقة بالانتخابات النيابية، وإرجاء العمل البرلماني الحالي لمدة عام لإفساح المجال لإجراء تعديلات دستورية يدّعي الطاعنان ضرورتها، وتضمن الطعن وقف تنفيذ قرار الهيئة الوطنية للانتخابات رقم 37 لسنة 2025 بدعوة الناخبين للاقتراع في انتخابات مجلس النواب، وما يترتب عليه من آثار، بما في ذلك إلغاء جميع القرارات المرتبطة بالعملية الانتخابية.
وبعد ساعات من إعلان نتائج المرحلة الأولى، أعلن اللواء محمد كمال الدالي، المرشح عن الدائرة الأولى لمحافظة الجيزة، اعتذاره عن استكمال سباق انتخابات مجلس النواب، كما أعلن استقالته من منصبه كأمين لحزب "الجبهة الوطنية" في الجيزة، وقال الدالي في تصريح نشر على حسابة في منصة "فيسبوك": "لقد وقفتُ مع نفسي وقفة رجل يحترم من يقف خلفه، وسألت نفسي، هل الأنسب الآن هو الاستمرار أم أن الحكمة تقتضي الاعتذار والتوقف؟ ومن هنا جاء قراري بالاعتذار عن الاستمرار،
وأشار إلى أن هذا القرار قد يثير دهشة البعض، لكنه واثق أن الزمن سيبرر اختياره، مؤكداً أنه وضع العقل والقِيم قبل الطموح والمُنافسة"، حسب قوله.
نواب القوائم الحزبية المغلقة ضمنوا الفوز مقدمًا
ومع إلغاء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات البرلمانية وبما يمثل نسبته نحو 27 بالمئة من مجمل الدوائر الانتخابية، والتي تتعلق تحديدا بالمقاعد الفردية، فأن نظام الترشيح للانتخابات التشريعية المصرية يخصص نصف مقاعد البرلمان (284 مقعدا) للقوائم الحزبية المغلقة، ويخصص النصف الآخر للمرشحين بصورة فردية، وبما أن قائمة حزبية واحدة فقط تشارك في الانتخابات الجارية، وهو ما يعني أن عددا من النواب ضمنوا فعليا الفوز قبل التصويت بحسب تقرير
إذاعة مونت كارلو الدولية، وتضم هذه القائمة 12 حزبا، ولكنها تمنح حصة الأسد لثلاثة أحزاب رئيسية، هي أحزاب "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" و"الجبهة الوطنية"، وهي أحزاب تتبنى سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن كافة القضايا الجوهرية، وتضع نفسها في صفوف الموالاة وليس في صفوف المعارضة، وفق تقرير الإذاعة الفرنسية.
إصابة الناخبين بالإحباط
وبحسب تفسير جديد لشرط أداء الخدمة العسكرية، منع عدد من الشخصيات المعارضة من الترشح على المقاعد الخاصة بالنظام الفردي، سواء من اليساريين، الليبراليين أو الإسلاميين، كما لم يتمكن عدد آخر من الترشح بسبب تكاليف الحملة الانتخابية، ويشير منتقدو هذا النظام الانتخابي إلى أنه يؤدي إلى إصابة الناخبين بالإحباط من إمكانية التغيير عبر الانتخابات، خصوصا وأن الناخبين يعيشون منذ سنوات في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وهو ما برز في انتخابات مجلس الشيوخ، في الصيف الماضي، حيث تجاوزت نسبة المشاركة في التصويت الـ 17بالمئة بقليل، ويكمن مأزق شخصيات المعارضة في أن الخيار المطروح أمامها، انحصر بين الانضمام إلى القائمة، والتي هي موالية للحكم، أو المخاطرة بالإقصاء في معركة المقاعد الفردية، وإذا كان الحزب الديمقراطي المصري قد قرر، في هذا الإطار، الانضمام للقائمة.
بيانات القضاة
وكان نادي "قضاة مصر"، أكد أن القضاة وأعضاء النيابة العامة لم يتولّوا الإشراف على الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً، التزاماً بأحكام الدستور التي تُنظم مشاركة القضاة في الاستحقاقات الانتخابية وفقاً لما يقرره القانون، وثمّن النادي، توجيهات رئيس الجمهورية للهيئة الوطنية للانتخابات، والتي شددت على ضرورة ضمان وصول الإرادة الحقيقية للناخبين واتخاذ القرارات المناسبة في حال تعذر ذلك.
في المقابل أصدر النادي البحري للنيابة الإدارية بياناً هاجم فيه ما وصفه بـ"نرجسية بيان نادي القضاة" و"قسوة الهيئة الوطنية للانتخابات"، معتبراً أن بيان نادي القضاة تضمّن تلميحات بالنجاة والترفع عما ألزمهم به المشرّع الدستوري من الإشراف على الانتخابات التشريعية، "لوطن ننتمي إليه ونترفع عليه"، حسب وصف البيان.
اتهام بـ"التقصير"
ولفت النادي البحري إلى ما وصفه بتقصير الهيئة الوطنية للانتخابات في أداء مهامها، وعلى رأسها عدم تسليم وكلاء المرشحين نماذج نتائج الفرز في اللجان الفرعية، وهو الأمر الذي تنصّلت منه الهيئة أمام وسائل الإعلام، رغم تقدير البيان لتشكيل الهيئة الذي يضم غالبيةً من قضاة المنصة.
كما شدّد البيان على معاناة أعضاء النيابة الإدارية خلال عملية الإشراف، بسبب عدم توفير وسيلةِ انتقال مناسبة أو سكنٍ ملائم داخل المَقار الانتخابية، إلى جانب تجاوز الحد الأقصى لساعات العمل القانونية، موضحاً أن ساعات العمل في اليوم الأول تجاوزت 13 ساعة، وفي اليوم الثاني 15 ساعة، إضافة إلى ساعات الإعداد الشخصي قبل وبعد العمل.
مهام البرلمان الجديد
وتجري هذه الانتخابات بعد عامين من انتخاب الرئيس السيسي لفترة رئاسية ثالثة وأخيرة مدتها 6 سنوات وفقا للدستور الحالي، ومع تغير شكل الانتخابات من حيث القوى الحزبية المهيمنة ودخول أحزاب جديدة إلى دائرة النفوذ في معسكر الموالاة للرئيس، بحيث لا يقتصر الأمر على حزب وحيد، كما حدث في الانتخابات الأخيرة، فإن بعض المراقبين يرون بحسب تقرير إذاعة مونت كارلو الدولية، أن الهدف هو تجنب تعاظم نفوذ طرف وحيد داخل البرلمان وتوزيع هذا النفوذ بين عدة أطراف، بينما استمرت عمليات استبعاد شخصيات أو قوى معارضة بمختلف الحجج، وليس من المنتظر، بالتالي، أن تشكل خريطة البرلمان الجديد تغييرا في موازين القوى، وإنما من المتوقع أن تحافظ السلطة على حجم الأغلبية التي تدعم سياساتها.
أما بالنسبة لتدخل الرئيس وحرصه على تمتع عمليات التصويت بنوع من المصداقية، فإن بعض السياسيين المصريين يرون أن السبب يكمن في مهمة هذا البرلمان الجديد، وهي إجراء تعديل دستوري يسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي في منصبه، في انتخابات رئاسية مقبلة، بعد انتهاء الفترة الرئاسية الحالية، والتي يقضي الدستور الحالي بأنها الفترة الأخيرة له.