نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تدوينة للكاتب ألبيرتو بالومو، تحدث فيها عن النساء
المصريات اللاتي رفعن أصواتهن احتجاجا على
التحرش الجنسي، وذلك في إطار وسم "أنا كمان"، الذي يعكس مدى انتشار هذه الظاهرة.
وقال الكاتب، في تدوينته التي ترجمتها "
عربي21"، إنه منذ سنة 2010، يعمل فريق "خريطة التحرش" كمنبر للتنديد بعمليات الاعتداء التي تعاني منها النساء بشكل يومي في مدن مثل القاهرة والإسكندرية. وفي هذا الإطار، ظهرت العديد من الحركات ضد ظاهرة التحرش الجنسي، على غرار حركة "تايمز آب"، التي تنادي بضرورة وقف العنف ضد النساء، سواء الجنسي أو الجسدي أو اللفظي.
وأبرز الكاتب أنه في الثامن من آذار/ مارس من السنة الماضية، تحولت هذه الحركة إلى علامة بارزة في الثورة النسوية ضد سيطرة الرجل، التي لا تزال سائدة، وهو ما تعكسه أيضا حركات "تايمز آب" أو "أنا كمان"، التي لاقت رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي سلطت الضوء أيضا على معاناة النساء من التحرش. وقد كشفت هذه الحركات، التي تروج لها الدوائر الغربية، عن وجود مضايقات أو اختلافات في الأجور بسبب قضايا الفروق بين الجنسين.
وأبرز الكاتب أن مصر تحتل مكانة بارزة ضمن قائمة أكثر الدول خطورة بالنسبة للنساء اللاتي يتنقلن بحرية، واللاتي يتعرضن بشكل يومي إلى المضايقات في الشوارع. وفي سنة 2017 على سبيل المثال، تصدرت القاهرة الترتيب الذي وضعته وكالة تومسون رويترز للأنباء، باعتبارها أكثر مدن العالم التي تشهد ممارسة العنف الجنسي، قبل كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، أو كراتشي، في باكستان. وفي سنة 2013، اعترفت حوالي 99.3 بالمئة من النساء المصريات بأنهن تعرضهن للتحرش الجنسي، وذلك في دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة.
وأفاد الكاتب بأن الناشطة ياسمين البرماوي كانت قد تحدثت علنا عن تعرضها لتحرش جماعي في ميدان التحرير في سنة 2012، عند الاحتجاج ضد محمد مرسي. في السياق ذاته، وفي سنة 2015، سجلت مخرجتيْ الأفلام الوثائقية: الأمريكية كوليت غونيم، والبلجيكية تين فان لون، عيّنة لهذه المضايقات عبر تصوير المارة خلسة عند مرورهم في العاصمة. ومؤخرا، تعرضت الناشطة أمل فتحي للسجن بسبب انتقادها لقانون مكافحة التحرش الجنسي عديم الفائدة على صفحتها الخاصة على فيسبوك.
وأضاف الكاتب أنه بعيدا عن النداءات التي لاقت صدى دوليا، يعبر الآلاف من المصريين يوميا عن انزعاجهم من هذه الظاهرة. وتقدم صفحة الويب "خريطة التحرش" لكل شخص فرصة الحديث عن تجربة التحرش التي تعرض لها مع تحديد المكان والظروف التي حدثت فيها هذه العملية. وقد بادرت بهذه الحركة مجموعة تتكون من أربع نساء قبل أن تتخذ حركة "أنا كمان" صدى عالميا. وأوضح المسؤولون عن الصفحة أنه "قد وقع إطلاق هذا الموقع في كانون الأول/ ديسمبر 2010 مع شركاء مختصين في علوم الإعلامية ومستشارين ومتطوعين".
ونقل الكاتب عن المسؤولين عن الصفحة قولهم: "نحن نشعر أننا غارقون في التحرش الجنسي الذي نتعرض له ونراه يوميا. لا يمكننا الاستمرار في هذا التهميش وتحمل وقع الضرر الذي تلحقه هذه المضايقات بحياتنا اليومية. لقد أردنا وضع خريطة لأنواع المضايقات والتحقق من كيفية وضع حد للقبول الاجتماعي الذي تحظى به، والذي من شأنه أن يشوه صورة البلاد". وقد بدأت المنصة في إضافة شهادات من دول أخرى، على غرار المغرب والمملكة العربية السعودية وبولندا.
وأوضح الكاتب أنه بالنسبة لهؤلاء، يتمثل التحرش الجنسي في "أي عمل غير مرغوب فيه، سواء كان لفظيا أو ماديا، وذا طابع جنسي، الذي من شأنه أن ينتهك جسم أو خصوصية أو مشاعر شخص ما، أو يقلل من احترامه ويجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو الانزعاج، أو انعدام الأمان، أو الإهانات، أو سوء المعاملة".
عموما، وبحسب ما ورد في التعليقات، تبدأ عمليات الإبلاغ عن التحرش من إشارة بسيطة إلى المكان الذي وقعت فيه العملية إلى وصف موجز للحقائق، بما في ذلك إيماءات الوجه أو الاحتكاكات الخبيثة. وقد كتبت إحدى المستخدمات، التي تقطن في حي يقع جنوب القاهرة: "لقد كان صاحب إحدى المحلات يلامس كل جزء من جسدي".
ويحذّر المسؤولون عن الصفحة أيضا من أن "هناك العديد من العوامل التي تؤكد أننا لا نزال نواجه هذه المشكلة، لعل أبرزها تلك التي لها علاقة بالسلطة. وفي المجتمع المصري لا يمكن لأحد التشكيك في تصرفات الرجال. لذلك، يمكن لأي شخص أن يلمس امرأة تسير بهدوء في الشارع دون قلق، لأن تصرفاته لن يكون لها عواقب على المستوى الاجتماعي أو القانوني".
وبالتالي، فإن "الافتقار إلى العقوبات هو سبب تفشي هذه الظاهرة. "وعلى سبيل المثال، يقال إن النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب فقط يتعرضن للتحرش الجنسي أو أن التحرش الجنسي يحدث في المناطق الفقيرة، لكن ذلك بعيد كل البعد عن الواقع".
ونقل الكاتب أيضا أن "المجتمع المصري يجب أن يخضع لتغيير ثقافي تدريجي إلى أن يعترف بالكامل بقيمة المرأة. كما يستوجب الأمر ضرورة تعزيز الوعي في المدارس حول التحرش الجنسي". ويقول المسؤولون أيضا إن "التمييز الجنسي سيتلاشى مع إرساء نظام يندد بهذه التصرفات وسياسة مضادة للتحرش الجنسي في المؤسسات ذات النهج التشاركي، حيث يشارك الناس في رفع الوعي وكيف يتم التعامل مع القوانين".
وفي الختام، نقل الكاتب أن "التحرش الجنسي ليس مسألة تتعلق بالمرأة. وصحيح أن غالبية من يعانون في مصر هم من النساء والفتيات، لكن الرجال يتعرضون أيضا للمضايقة. لذلك، من الضروري تعليم كل منهم حقوقه وأهمية المساواة بين الجنسين".