كان لإعلان السلطات الألمانية؛ عن اعتقال اثنين من ضباط المخابرات السورية السابقين، ثم ثالث في فرنسا، صدى واسع، لكن سرعان ما ثار جدل حول هوية هؤلاء الضباط المعتقلين ودورهم في قمع المتظاهرين في سوريا، أو في الانتهاكات التي ارتكبت في الفرع الأمني الذي كانوا ينتسبون إليه حتى انشقاقهم في عامي 2012 و2013.
وأعلنت سلطات التحقيق الألمانية الأربعاء الماضي؛ اعتقال العقيد أنور رسلان (56 عاما)، الذي كان يرأس قسم التحقيق في الفرع 251 في دمشق، والضابط إياد جدعان الغريب (42 عاما)، وهو كان رئيس دورية تابعة للفرع. واعتقل الأول في برلين، بينما اعتقل الثاني في مقاطعة راينلادفلاز. وبينما كانت مهمة إياد مع عناصره هي تنفيذ مداهمات واعتقالات وجلب المعتقلين من المتهمين بالمشاركة في التظاهرات أو دعمها؛ إلى الفرع، فإن مسؤولية الضابط أنور رسلان هي التحقيق مع المعتقلين الذي يتعرضون للتعذيب تحت "إشرافه" أو "بعلمه". وقد وصلا إلى ألمانيا عام 2015.
أما الثالث الذي اعتقل في فرنسا ولم يتم الكشف عن هويته، فيبلغ من العمر 30 عاما، وانشق عام 2013. وُوجهت للثلاثة اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا قبل انشقاقهم.
اقرأ أيضا: اعتقال ضابطين وعنصر مخابرات بنظام الأسد في ألمانيا وفرنسا
والفرع 251 يتبع جهاز المخابرات العامة، ويُسمى "الفرع الداخلي"، ويُعرف عادة باسم فرع أمن الدولة. وكان حين عمل الضباط الثلاثة تحت رئاسة حافظ مخلوف، ابن خال بشار الأسد.
ورغم أن ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات في سوريا تمثل مطلبا لقطاع واسع من السوريين، وفي حين رحّب حقوقيون ومعتقلون سابقون باعتقال هؤلاء الضباط، تساءل البعض، وخصوصا من بين الضباط المنشقين في وقت مبكر، عن الرسالة التي ترسلها هذه الاعتقالات للمنشقين، في حين أن الموالين للنظام لا يزالون في مأمن، وهو ما عبّر عنه محققون ألمان؛ قالوا إنهم يشعرون بالإحباط بسبب ذلك، بحسب مجلة "دير شبيغل" الألمانية في تقرير لها نشر الجمعة.
وأوردت المجلة شهادة اثنين من المعتقلين السابقين في هذا الفرع، وهما حسين الغرير وشادي الحضري، اللاجئان في ألمانيا حاليا، حيث تحدثا عن التعذيب الذي تعرضا له مع باقي المعتلقين خلال اعتقالهما في الفرع الذي كان يرأسه العقيد رسلان.
وسبق أن ذكرت وسائل إعلام ألمانية أن نحو 2000 معتقل قد جرى تعذيبهم في الفرع خلال عمل رسلان، منذ انطلاق المظاهرات في آذار/ مارس 2011 وحتى خروجه. وقد تقدم عدد من المعتقلين السابقين بشكوى لدى السلطات الألمانية.
اقرأ أيضا: في ألمانيا.. لاجئون يساعدون على تعقب قتلة الحرب السورية
"تبرير للمجرم"
ويُقر المحامي والحقوقي السوري أنور البني، وهو أحد الذين ينشطون في مثل ملاحقة المتهمين بارتكاب الانتهاكات، بأن هؤلاء الضباط "قد تركوا سوريا وغادروا مواقعهم بوقت مبكر (2012)، لكنه يضيف لـ"عربي21": "إذا كنت أتفهم، ولا أبرر، أسباب هذه التساؤلات، فإنني أريد توضيح نقطة مهمة، تغيير موقف أو موقع أي شخص لا يعفيه أبدا من الملاحقة عن الجرائم التي ارتكبها، وخاصة عندما تكون جرائم ضد الإنسانية؛ تغيير موقفه يعنيه وحده ولا يعني الضحايا بأي شكل"، لافتا إلى أن "هناك ضحايا" يُتهم هؤلاء الضباط بالمسؤولية عنهم.
ويرى البني أنه "إذا كنا نريد حماية المجرمين الذين يقولون إنهم بجانب الثورة، فإننا نبرر للمجرم بشار الأسد حمايته للمجرمين الذين في صفه"، كما قال.
لكن العقيد فاتح حسون، "القائد العام لحركة تحرير الوطن"، وهو ضابط منشق عن قوات النظام السوري، حاول التقليل من مسؤولية الضباط الذين تم اعتقالهم في ألمانيا وفرنسا، وقال لـ"عربي21" إن "أغلب الضباط المنشقين عن النظام قبل انشقاقهم كانوا مجبرين على تنفيذ أوامر قادتهم، وقد كانت هناك العديد من الحالات التي رفض فيها الضباط أوامر النظام في قمع المتظاهرين، فتمت تصفيتهم ميدانيا أو اعتقالهم، ليحكم عليهم بالإعدام لاحقا، وما أن أتيحت الفرصة للبعض منهم حتى انشقوا عن نظام الأسد المجرم، متكبدين كل المصاعب والويلات التي يمكن أن تنتج عن ذلك"، بحسب العقيد حسون.
اقرا أيضا: تسليم 27 ألف صورة مسربة للتعذيب من سوريا للقضاء الألماني
المحققون الألمان
وبحسب دير شبيغل، فإن المحققين الألمان يعتقدون أن أنور رسلان لم يقم شخصيا بأعمال التعذيب، ولكنه كان على علم بالتعذيب وربما القتل، وفي بعض الحالات قد يكون أمر بالتعذيب، فيما ذكر معتقلون سابقون أنه كان يحضر في أثناء التحقيق في الفرع، وأحيانا كانوا يتعرضون للضرب أمامه.
وتنقل المجلة عن رسلان قوله للمحققين، إن مهمته كانت هي استجواب المعتقلين، وأنه كان "في موقف حساس جدا، فلم أكن قادرا بشكل دائم على التعامل باللين مع المعتقلين، فقد كان هناك المئات من العاملين معي".
وسبق أن أجرت المجلة حوارا مع رسلان خلال وجوده في الأردن عام 2013، حيث تحدث حينها عن خدمته في المخابرات، ابتداء من عام 2005، وقال إنه حقق مع الإسلاميين "الذين دربتهم أجهزة أمنية تابعة لنظام الأسد لنشر الإرهاب، حيث قام نظام الأسد بتجميع الإسلاميين المتطرفين وتهيئتهم، ليتمكن من سحق المعارضة التي يسعى لتصويرها أمام العالم بوصفها مجموعات إرهابية".
وأبلغ رسلان المجلة حينها أن انشقاقه بعد تفجير جرى بالقرب من الفرع الذي كان يعمل فيه، ثم طُلب منه وقف التحقيق في العملية، متهما النظام بالوقوف وراء التفجير. لكن المحققين الألمان يعتقدون أنه قرر الانشقاق بسبب خطف مقاتلين لصهره وتهديد حياة ابنته وابنه، في حين يؤكد إياد الغريب أن انشقاقه جاء لأنه لا يريد قتل المدنيين في سوريا. وينفي الاثنان مسؤوليتهما عن التعذيب ووفاة معتقلين، متذرعين بأنهما انشقا عن النظام ورفضا تصرفاته.
اقرأ أيضا: ألمانيا تصدر مذكرة اعتقال دولية بحق أحد كبار مساعدي الأسد
من المستهدف؟
ويُعلق العقيد حسون بأنه "على ضوء الحالات التي يتم من خلالها اعتقال ضباط منشقين على خلفية قيامهم بأعمال في أثناء وجودهم قي قوات النظام قبل انشقاقهم، نرى أن المستهدف من ذلك سلبيا هم الضباط المنشقون، إلا إذا تبين أن هؤلاء الضباط ما زالوا مرتبطين بأجهزة أمن النظام، وموكلة لهم مهام (..) لاختراق صفوف الثوار ولتنفيذ أعمال تفيده". وأشار إلى العقيد أنور رسلان بشكل خاص، ونقل عن "بعض الثقات" أنه كان يتمتع "بأخلاق وسلوك جيد قبل انشقاقه، واستبعدوا فكرة عمالته للنظام، حيث كان منصبه حين انشقاقه أكبر من أن يكلف بمهمة الاندساس في صفوف الثورة"، وفق تقديره.
ودعا حسون، في حديثه لـ"عربي21"، إلى "تقصي الحقائق قبل الحكم على المنشقين، وملاحقة الضباط وعناصر المخابرات التي مارست وما زالت تمارس أعمالها الإجرامية بحق السوريين اللاجئين في بلدان اللجوء"، مضيفا: "العدالة مطلوبة، والمطالبة بها غاية وهدف من أهداف الثورة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نترك الآمر ونلاحق المأمور، أم علينا أن نلاحق الاثنين معا؟".
واستبعد حسون أن تؤثر هذه الاعتقالات على الضباط المنشقين بشكل عام، "لكنها قد تفتح الباب على ضرورة معرفة سلوك كل ضابط منشق قبل انشقاقه، وتدوين ذلك لدى مؤسسات الثورة المختصة، كي لا يتسرب بعض السيئين إلى صفوفها القيادية"، بحسب تعبيره.
اقرأ أيضا: مذكرات توقيف فرنسية لمسؤولين بنظام الأسد بينهم مملوك
مبادئ وقيم
وفي هذا السياق، يشدد البني على أن "الثورة لا يشرفها انضمام مجرمين سابقين لصفوفها، هذا إذا تأكدنا أنهم فعلا يريدون الانضمام أو أنهم مؤمنون بها"، مشيرا إلى أن "الثورة هي مبادئ وقيم، والتنازل عنها تنازل عن كل الثورة"، بحسب قوله لـ"عربي21".
وشدد البني على أن "الثورة لا تعطي براءة ذمة لأحد عن جرائم ارتكبها، ولا تمنع الضحايا من الوصول لحقهم". ورأى أنه "ربما من الجيد أن يخسر خصوم الثورة مؤيدا، وربما من الجيد أن يتم تحييد بعض المجرمين، ولكن لا أسمح لنفسي بالانتماء أو أن ينتمي لي مجرم ضد الإنسانية أو مجرم حرب إذا كنا مؤمنين بالعدالة وبوطن تسوده العدالة، فالعدالة لا تتجزأ، ولا تكون موجهة أو انتقائية أو انتقامية".
ويقول الحقوقي السوري عبيدة فارس، إن "اعتقال أي متورط في جرائم ضد الإنسانية في سوريا يمثّل إنجازا حقوقيا يستحق التقدير، حيث يشجّع مثل هذا الاعتقال الكثير من الضحايا للتحرك في المسار القانوني في أوروبا تحديدا، بغية رفع دعاوى حضورية وغيابية على الجناة، كما تمثّل مثل هذه الخطوات العمليّة تعزيزا لمبدأ المحاسبة ومنع الجناة من الإفلات من العقاب، حتى لو بعد سنوات من ارتكاب جرائمهم"، كما قال لـ"عربي21".
وأوضح فارس أنه "ينبغي أن تُشكّل هذه الخطوة حافزا للمنظمات الحقوقية السورية كافة، للتحرك في مجالات التوثيق الحقوقي ومجالات التحرك القانوني، كما ينبغي أن تدفع الضحايا وذويهم لتسجيل وتوثيق الانتهاكات التي تعرّضوا لها، حيث تساعد أعمال التوثيق على تسهيل عمل المنظمات الحقوقية، وتساعد في كشف الجناة، وبناء لوائح الاتهام ضدهم"، وفق تقديره.
عدالة.. ولكن
ويبدو أن التساؤلات حول هذه القضية، قد تثير نقاشا حول النهج الذي يجب اتباعه في مواجهة مرتكبي الانتهاكات.
اقرأ أيضا: لوموند تكشف عن زيارة رئيس استخبارات الأسد لإيطاليا سرا
ورغم القناعة لدى كثيرين بأن هذه الحالات تؤسس لمبدأ أن الجرائم لا تموت بالتقادم، وتشجع ضحايا آخرين على التحرك، إلا أنه من المفترض إقامة دعاوى ضد قيادات من الأجهزة الأمنية السورية، يقال إنها تزور أوروبا، مثل اللواء علي مملوك واللواء ديب زيتون، أو متهمين بمجازر سابقة، مثل رفعت الأسد.
وقال ناشط سوري، رفض التعليق علنا على المسألة، لـ"عربي21"، إن الضباط المعتقلين في ألمانيا وفرنسا "متورطون بطبيعة الحال، كونهم كانوا في هذه الأجهزة، ومن الصعب أن تكون فيها دون أن تتورط، حتى لو كنت محاسبا. لكن لا يمكن النظر إلى هذا الاعتقال باعتباره خطوة نوعية لمحاسبة المجرمين، كما تم تصوير الأمر، فهؤلاء انشقوا منذ عام 2012، ومن ثم لم يوجدوا لفترات طويلة في أثناء سنوات الدم، كما أن اعتقالهم دون غيرهم فيه استهداف للمنشقين أكثر مما فيه استهداف للنظام".
اقرأ أيضا: "الأخبار": علي مملوك حلقة الاتصال بين دمشق والأوروبيين
اقرأ أيضا: تلغراف: قريبة للأسد تعيش سرا في بريطانيا.. وهؤلاء معها
اقرا أيضا: علي مملوك يلتقي مسؤولا أمريكيا رفيعا بدمشق
هذه جنسيات المقاتلين الأجانب الأسرى بسوريا وتعدادهم (ملف)
لجنة الدستور السورية.. إعلان قريب أم تأجيل آخر؟
تصاعد خلاف "تحرير الشام" و"حراس الدين" هل يصل لمواجهة؟