نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للصحافية رجاء عبدالرحيم، تقول فيه إن حكومة بشار الأسد تحاول فرض سلطتها ثانية من خلال البيروقراطية.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى قصة مريم، وهي أم سورية لثلاثة أطفال، قضت حوالي عام تحاول تسجيل ولادة طفليها الصغيرين، لكن العقبة الوحشية التي على الأم أن تتجاوزها هي إثبات هوية الأب للحكومة التي قتلته.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حكومة بشار الأسد تحاول بعد استيلائها على المناطق التي كان يسيطر عليها الثوار، بعد حملات وحشية، فرض سلطتها ثانية من خلال البيروقراطية، لافتا إلى أن إحدى الأدوات الرئيسية لذلك هي "دفتر العائلة"، وهو وثيقة بحجم جواز السفر، يستخدم لتسجيل الأحداث المهمة في حياة الشخص، من ولادة وزواج ووفاة.
وتقول الصحيفة إنه بالنسبة للدولة، فإن السوري غير المسجل في دفتر العائلة غير موجود رسميا، ولن يسمح له بدخول مدرسة أو مستشفى أو الاستفادة من أي من الخدمات، مشيرة إلى قول المحامية نورة غازي صفدي، التي ستبدأ بالعمل مع منظمة غير ربحية لمساعدة العائلات السورية في القضايا القانونية: "كأن الشخص غير موجود".
وتبين عبد الرحيم أن الصعوبة بالنسبة لمريم وغيرها من المواطنين الذين كانوا يعيشون في مناطق كان يسيطر عليها الثوار في الحصول على الوثائق الضرورية تبرز معاناة السوريين بسبب انتصار نظام الأسد وعملية المصالحة بالإكراه التي تبعت ذلك الانتصار، "وعلى السوريين أن يتحملوا عودة ظهور دولة الأسد بأشكالها كلها".
ويلفت التقرير إلى أن كون الشخص غير مسجل في دفتر العائلة يعني عدم إمكانية الحصول على هوية شخصية، فهاتان الوثيقتان تحددان سبل الحياة كلها في سوريا، فحتى التنقل مقيد: فهناك حاجة لإثبات الهوية للتنقل من منطقة إلى أخرى عبر الحواجز الكثيرة في انحاء البلاد، مشيرا إلى أن الخروج من مناطق يسيطر عليها الثوار دون تلك الوثائق يمكن أن يكون خطيرا.
وتقول الصحيفة أن السوريين عاشوا خلال الأعوام الثمانية للصراع متعدد الأطراف تحت هياكل حكم موازية أشرفت على الزواج والمدارس والصحة، مشيرة إلى أنه بالنسبة للكثير من الذين عاشوا في بلدات كان يديرها الثوار، وأصبحت اليوم في يد الحكومة، الذين تقدر أعدادهم بمئات الآلاف إلى الملايين، فإنه يجب على معظمهم استخراج دفاتر عائلة بدل تلك التي ضاعت بالحصول على دفاتر جديدة، وإن كانت لا تزال موجودة فيجب إضافة ما استجد خلال الحرب من مواليد جديدة ووفيات إليها، وبالنسبة للملايين الذين فروا من سوريا فإن تحدي الوصول إلى البيروقراطية السورية سيكون أصعب.
وتنقل الكاتبة عن مدير برنامج سوريا في شركة أبحاث (سينابس) ومقرها بيروت، أليكس سايمون، قوله: "النتيجة ستكون مجموعة دائمة من المواطنين من الدرجة الثانية، محدودين في الحصول على عمل والخدمات العامة والسفر للخارج وحتى الزواج".
ويفيد التقرير بأن زوج مريم قتل في هجوم صاروخي للنظام، تاركا إياها أما وحيدة لثلاثة أطفال، أعمارهم 9 و6 و4 سنوات، مشيرا إلى أن مريم، التي تعيش في الغوطة الشرقية، التي كانت تحت سيطرة الثوار حتى العام الماضي، قامت بجمع شهادات من شهود لإثبات أن الأطفال أطفالها، ووكلت محاميا دفعت له مئات الدولارات أجرا له ولتغطية رسوم التأخير.
وتقول الصحيفة إن مريم الآن تخشى ما قد يحصل لها عندما تحاول أن تمر من حاجز تفتيش رسمي للوصول إلى المكاتب الحكومية في العاصمة، لافتة إلى أنها لم ترغب في أن يتم نشر اسمها كاملا؛ خوفا من انتقام الحكومة.
وتذكر عبد الرحيم أن بعض السوريين يتخلون تماما عن التسجيل؛ بسبب قلقهم من التعامل مع الحكومة السورية، فهم يخشون من الذهاب إلى المكاتب الحكومية حيث قد يتم اعتقالهم -وما هو أسوأ من ذلك- بسبب نشاط معاد للحكومة في السابق، أو مجرد التصور أنهم معارضون.
وينقل التقرير عن مريم، قولها: "أنا أعلم أننا نحتاج للذهاب إلى دمشق لإنهاء معاملاتنا كلها؛ ليستطيع أبنائي أن يعيشوا حياة عادية، والمشكلة الرئيسية هي للأطفال الذين فقدوا والدهم وليس لديهم ما يثبت هويتهم".
وبحسب الصحيفة، فإن أي رجل وامرأة يتزوجان عليهما أن يستخرجا دفتر عائلة، أما بالنسبة للأشخاص الذين تزوجوا خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام، فإن الأمر قد يتطلب شهودا ومحامين ورسوما خارجة في كثير من الأحيان عن إمكانيات الأفراد، مشيرة إلى قول المحامين إن تسجيل الأبوة وإثباتها شكل معظم عملهم العام الماضي.
وتقول الكاتبة إن الدول المتحالفة مع المعارضة السورية شجعت لسنوات عديدة على إقامة سجلات مدنية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، لكن حكومة الأسد ترفض الاعتراف بتلك الوثائق، وتنظر إليها على أنها وثائق سياسية صادرة عن مؤسسات إدارية معارضة للنظام، بحسب مؤسسة إغاثية تعمل في سوريا.
وينوه التقرير إلى أن الحكومة السورية رفضت الرد على أسئلة مكتوبة وطلبات أخرى للتعليق، مشيرا إلى أنها أصدرت العام الماضي قانونا يجرم الزواج دون تسجيله رسميا.
وتبين الصحيفة أن البعض الذين لا يملكون دفتر عائلة، مثل فاطمة البالغة من العمر 25 عاما، عليهم أن يثبتوا الزواج لزوج مات، لافتة إلى أن فاطمة عندما تزوجت كانت بلدتها يلدا في جنوب العاصمة دمشق، واقعة تحت سيطرة الثوار، فقامت بعقد قرانها على زوجها عند شيخ محلي، لكنها لم تسجل الزواج لدى مجلس المعارضة المحلي، وقتل زوجها في 2017 في هجوم صاروخي للنظام على يلدا.
وتفيد عبد الرحيم بأنه بعد أشهر من الصراع مع البيروقراطية، وإنفاق 400 دولار على محام والغرامات للتسجيل المتأخر، فإن الأم لطفلين استطاعت أن تستصدر دفتر عائلة، وتسجل طفليها فيه.
ويورد التقرير نقلا عن فاطمة، التي رفضت إعطاء اسمها الكامل خشية من الحكومة، قولها بأنها شعرت بأن الإجراءات هي عقوبة إضافية للأشخاص الذين عاشوا في المناطق التي يسيطر عليها الثوار.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى قول مريم: "الكثير من الناس في دمشق لا يفهمون التعقيدات التي نحتاج المرور بها لنصبح (مواطنين) عاديين".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
كونفرسيشن: الحرب السورية لم تنته بل تتخذ مسارا جديدا
فايننشال تايمز: نقص الرجال يدفع المرأة السورية لسوق العمل
فايننشال تايمز: لهذا ستفشل جهود الدول العربية لتأهيل الأسد