رثى
صحفيون وسياسيون مصريون واقع نقابة الصحفيين، التي شهدت الشرارة الأولى لانطلاق
ثورة 25 يناير، وتحولت إلى محطة لتجمع الثوار من كل المحافظات والمهن والطبقات، وعلى رأسهم لفيف من أعضاء النقابة وأبناء المهنة حتى انقلاب تموز/ يوليو 2013 وما
بعده.
وأكدوا
في تصريحات لـ"عربي21" أن مقر "صاحبة الجلالة" ظل محطة
للمعارضين حتى بعد انقلاب تموز/ يوليو، وتولي عبد الفتاح السيسي سدة الحكم.
وارتبطت
نقابة الصحفيين بأذهان العالم والمصريين، بعد أن تحولت إلى نقطة انطلاق لموجات ثورة
يناير وما بعدها من حراك ثوري، ثم معارض منذ حكومة أحمد شفيق بعد تنحي مبارك، ثم
حكم المجلس العسكري، مرورا بحكم الرئيس مرسي، ثم الرئيس المؤقت عدلي منصور، وصولا لحكم
السيسي.
ومع
اشتداد القبضة الأمنية ومطاردة الصحفيين واعتقالهم، وفرض حراسة أمنية مشددة، تقلصت
الوقفات الاحتجاجية أمام وفي محيط نقابة الصحفيين يوما تلو الآخر، كانت آخرها في
كانون الأول/ ديسمبر عام 2017، الذي شهد وقفة احتجاجية على نقل واشنطن سفارتها من
تل أبيب للقدس، وقبلها وقفة منتصف العام ذاته؛ رفضا لتسليم جزيرتي تيران وصنافير
للسعودية.
وتعد مصر إحدى أسوأ الدول في سجن الصحفيين
على مستوى العالم بوجود 25 صحفيا على الأقل وراء القضبان، وفق لجنة حماية الصحفيين
الدولية، كما تحتل المرتبة 161 من بين 180 دولة في حرية الصحافة، بحسب التصنيف
الدولي لحرية الصحافة للعام 2018.
"النقابة
ضمير الشعب"
يقول
عضو نقابة الصحفيين الحالي، عامر شماخ، إن "النقابة كانت نقطة انطلاق لثوار
يناير، استكمالا لدورها في الإصلاح قبل الثورة بسنوات؛ فمنذ عام 2000 وسلم النقابة
يشهد العديد من فعاليات المعارضة، فضلا عن أن قاعاتها كانت ملتقى للأحزاب
والنقابات الأخرى"، مشيرا في حديث لـ"عربي21" إلى أن "الثورة
عندما قامت كان طبيعيا أن تكون الانطلاقة من سلمها، الذي لم يخل يوما قبلها من نشاط
سياسي".
وأضاف:
"تحولت النقابة إلى خيال مآتة بعد الانقلاب وبعد إحكام السيطرة على مجالسها
الثلاثة التي جاءت بعد عام 2013، خصوصا المجلس الأول (مجلس ضياء رشوان) الذي بايع
العسكر، وقد انتقل إليهم ومجلسه لتهنئتهم بالانقلاب، لتتطور الأوضاع بعدها حتى يتم
القبض على الصحفيين من داخل نقابتهم".
"سلم
كل المصريين"
وأثنى
الكاتب الصحفي، خالد بركات، على دور نقابة الصحفيين في الحراك السياسي، قائلا:
"نقابة الصحفيين وتحديدا سلم مدخل النقابة كان على مدار عقود طويلة منبرا
لتجمعات الأحرار من كل أطياف المجتمع المصري في العديد من القضايا، سواء التي كانت
تخص الصحفيين أو غيرهم من أبناء الوطن".
مضيفا
لـ"عربي21" أن "النظام السياسي في مصر نجح في أن يقضي على حرية
التعبير، ويمنع أي نشاط للمجتمع المدني، ومارس كل أنواع البطش ضد الصحفيين
والنشطاء، حتى أصبح الخوف من التنكيل والإخفاء القسري خطرا يهدد حياة الجميع".
وذهب
إلى القول بأن "اختفاء مظاهر التعبير عن الرأي التي كانت موجودة حتى في أيام
الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك تدل على مدى القمع الذي يعيشه المجتمع المدني في
مصر حاليا"، مشيرا إلى أنه "لا يوجد أي نشاط للمجتمع المدني عموما تحت
حكم عسكري متسلط، ويعتبر حرية الرأي جريمة، لذلك يمكن أن نقول إن العمل النقابي في
مصر مات".
"دار
مناسبات"
من
جهته، أكد السياسي المصري والنائب السابق، نزار محمود غراب، أن "نقابة
الصحفيين كانت أكثر من غيرها كنقابتي المحامين والأطباء نشاطاً في الدفاع عن
الحريات السياسية وحرية إبداء الرأي، حتى كان دورها في الثورة الذي جاء ليتوج
تاريخ نضالها السياسي والحقوقي، وربما يرجع هذا لطبيعة المهنة التي تمثلها، وهي كشف
الحقائق والرقابة على السلطة والمجتمع".
وأضاف
لـ"عربي21": "طبيعة هذا الدور متعارض مع طبيعة حكم الفرد المستبد
الذي يقوم على الغموض والنشاط السري، وإدارة النظام السياسي بطريقة إدارة الغرف
المظلمة، ورفض أي رأي مخالف للسياسات الحاكمة. وبالتالي كان لا بد من تأميم نقابة
الصحفيين عبر صحفيين موالين للنظام مؤمنين بتطبيق نهجه الإعلامي في التأثير على
الرأي العام وتضليله، وتوجيهه باتجاه الخنوع للنظام، وتحويل نقابة مهنية لدار
مناسبات".