قضايا وآراء

أم الجماهير

1300x600

لم تكُن عملية فدائية عابرة تستهدف العدو في عيلبون، بل إنها الرصاصة الأولى والبيان الأول لانطلاقة قوات العاصفة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، التي اتخذت من الكفاح المسلح طريقاً وخياراً لتحرير الوطن المغتصب، التحق فيها الشباب الثائر المؤمن بعدالة القضية وطهارة الهدف، لم تكن فتح فصيلا ذا طابع أيدلوجي مُحدد، فتح فيها من اليمين واليسار فيها تعددية وتوليفة غريبة استقطبت غالبية فئات الشعب، كل هؤلاء اجتمعوا على هدف واحد لهذا أطلقوا عليها أم الجماهير، هذه الحركة العملاقة التي أطلقت الشرارة الأولى بعد النكبة وأسست للعمل الكفاحي المسلح في اليوم الأول من عام 1965، قادت العمل الوطني ببسالة وعنفوان لسنوات طويلة نفذت خلالها عمليات بطولية أوجعت العدو وضربته في كل مكان، قدمت فتح على طريق الحرية قائمة طويلة من قوافل الشهداء والجرحى والأسرى، لكن وبعد كل هذا الإرث الكبير ما الذي تغيّر بعد أربع وخمسين عاماً على التأسيس.


هل ما زالت فتح هي نفسها؟ فتح الياسر والوزير وخلف والكمالين وصايل وأبو شرار وسلامة وكل القادة العِظام، بالتأكيد لم تعد كذلك لقد أصبحت محظورة ومُلاحقة في جزء غالٍ من الوطن نتيجة سياساتها وممارساتها الخاطئة، لقد صنعت خيراً حركة فتح في المحافظات الجنوبية عندما قررت إغلاق مكاتبها، لأنه لا قيمة ولا فعالية ولا نشاط لهذه المكاتب، فما الداعي لوجودها أصلًا والأجدر أن تعود الحركة لماضيها وتبدأ من الصفر وتبني خلاياها وأُطرها التنظيمية بشكل سري فنحن لا زلنا في مرحلة تحرر.

 

فتح كانت قوية عندما عملت في السر وضعفت وتآكلت عندما أصبح لها مقرات ومراكز، تحولت من حركة تحرر إلى حزب تابع للنظام بكل ما فيه من مطامع ومكاسب شخصية وشهوة للسلطة والمنصب والمال، لقد انتزعت السلطة خيرة شباب الفتح وقادتها في الانتفاضة الأولى وحولتهم من مُناضلين أوفياء لقضيتهم إلى مجرد موظفين مأسورين يلهثون وراء المناصب والترقيات والعلاوات.

 

نعم لقد أصبح الانتماء والولاء لهذا الجهاز وتلك المؤسسة أكبر بكثير من الانتماء للحركة ومبادئها، تم تفريغ التنظيم من المحتوى الذي تأسس من أجله ليصبح جسدًا بلا روح، يتصارعوا فيما بينهم على الغنائم ونسوا أنهم كانوا أبناء حركة واحدة جمعتهم في أحلك الظروف وأصعب المواقف، بعد أوسلو لم تعد فتح أول الرصاص وأول الحجارة كما يُقال، مفاتن السلطة خدعتهم وفرقتهم ورغم كل هذا التاريخ وهذه التضحيات العظيمة لم تحافظ فتح على قوتها وعلى إرثها الكبير، الشرفاء الذين ناضلوا وضحوا ودفعوا أثماناً باهظة على طريق الحرية تنحوا جانبًا لم نعد نسمع صوتهم والانتهازيون والمنافقون والمُسْتَجِدون والراقصون على الحبال صوتهم يُجلجل في كل مكان، هكذا تنهار حركات التحرر التي لا تُجدد من نفسها ولا تقوم بمراجعات حقيقية وشاملة لنهجها وسياساتها.

 

نعم لقد أثبتت الأيام أن أوسلو لم تكن إلا مؤامرة كبيرة على الشعب الفلسطيني وبالتحديد على عصب الثورة وعمودها الفقري المتمثل في حركة فتح، أم الجماهير شاخت وهَرِمت وأصبحت أم الموظفين والتنظيم أصبح مكتبًا لتوظيف العاطلين، لقد غابت روح المبادرة والمساهمة الفعالة والتعاون ما بين الكل الفتحاوي وعمت روح الأنانية والتفرد والإقصاء لكل من يخالف الرأي، كَتَبة التقارير تسيدوا الموقف أصبحوا يتحكمون في أرزاق الناس يصولون ويجولون بين أبناء تنظيمهم طمعًا في منصب أو ترقية هنا أو هناك، واأسفاه على حركة كانت في الطليعة غير قادرة على تنظيم مهرجان انطلاقتها ومُنقسمة فيما بينها بين هذا التيار وذاك، لقد آن الأون أن تنهض فتح وتفيق من غيبوبتها، وعلى الشرفاء فيها وهم كُثر أن يتحللوا من صمتهم ولتكُن الانطلاقة الثانية على أيديهم وبسواعدهم لتعود فتح كما كانت أم الجماهير، وإلى قيادة الحركة نقول إذا أردتم أكل العسل فلا تَرْكِلوا خلية النحل.

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع