بما أن المصالحة وصلت لطريق مسدود، وأصبحت صعبة المنال، ومن المُستحيل
تحقيقها في ظل التعنت الواضح من طرفي الانقسام، وتمسك كل طرف منهما بشروطه ومصالحه
الخاصة التي يسعى لتحقيقها بشتى الوسائل والطُرق، حتى وإن كانت على حساب الشعب
المغلوب على أمره، فالأجدر أن نصرخ وبصوتٍ عالٍ: تسقط المُصالحة، ولتذهب للجحيم، فنحن
لسنا بحاجة لها، ولا لمُخرجاتها واستحقاقاتها .
قد
يكون العنوان صادماً للبعض، لكنها حقيقة واقعة ومُؤلمة، علينا أن نعترف بها، وأن
نضغط بكل قوانا ونقول بأننا لا نريد من حماس وفتح المصالحة؛ لأنها وحسب المُعطيات
الملموسة لا تُفيدنا بشيء بِقدر ما تخدم أصحابها، فقط نرجو منهم ونتمنى عليهم
الجلوس معاً والتوافق على تهدئة أو هُدنة لجولات الردح الإعلامي والتخوين والتشكيك، حتى وإن كانت مُؤقتة فيما بينهم والحوار والنقاش الجاد والبناء؛ من أجل تقديم حلول
جذرية لمشاكل وهموم الناس البُسطاء المُحاصرين في غزة، وليس من أجل المُصالحة.
السلطة ومن ورائها فتح تسعى للتمكين وبسط نفوذها وسيطرتها على غزة وتستخدم كل
أوراق القوة لديها لتحقيق ذلك وهذا من حقها، وحماس تسعى للحفاظ على قوتها
الميدانية على الأرض وبنيتها العسكرية التي حققتها وأنجزتها طوال سنوات الانقسام
وهذا أيضاً من حقها، لكن ومع تحفظنا على هذه الحقوق نتساءل أين حق الناس ومن منهما
يبحث عن حلول عملية تداوي جراحاتهم وترحم عذاباتهم ومعاناتهم جراء الحصار الظالم
الذي يستهدفهم دون غيرهم، إن فرض العقوبات من قبل السلطة يؤذي الشعب أكثر من حماس،
وتمسك حماس بموقفها وسيطرتها على غزة يُدمر مُقومات الحياة ويُعطل مصالح العِباد.
إذن المُعضلة ليست في
المُصالحة إنما في حقوق الناس المهدورة وحاجاتهم اليومية التي يتلاعب بها الجميع
حسب المصالح والأهواء، إن طرفي الانقسام يبحثان عن المكاسب وتسجيل النقاط فقط لا
غير، وحتى الفصائل الأخرى تدور في الفلك ذاته بطريقة أو أُخرى، بالتالي الأجدر بهم
أن يتناقشوا ويتباحثوا في هموم البشر ولا ضير أن يبقوا متخاصمين، فالسواد الأعظم
من الشعب ليسوا من حماس أو فتح .
أكثر
من مليوني إنسان يعيشوا في ظروف إنسانية صعبة محرومين من أبسط حقوقهم، الفقر وصل
لمُستويات مُخيفة والبطالة حدث ولا حرج والعقول والكفاءات تهرب وتبحث لها عن ملجأ .
أوَ
بعد هذه السنوات هل أدركت الفصائل وفي مقدمتهم فتح وحماس أنهم يعبثون بشعبهم
ويتسببوا لهم بالمآسي والويلات؟ أما آن الأوان أن يُفكروا ولو قليلاً بالشعب !
الذي هو الوقود الحقيقي لأي ثورة أو حركة تحرر.
المطلوب من الطرفين اتخاذ إجراءات وقرارات عاجلة دون تأخير أو تسويف
والتي من شأنها رفع وطأة الحصار عن كاهل المواطن ودعم صموده، حتى لا نُمسي شعبٌ
يبحث عن رغيفِ خبزٍ يقتات منه أو يلهث وراء كُوبونة مُغلفة بالذُل أو يترقب وينتظر
حقيبة الدولارات التي تنتقص من هَيبته وكرامته وكِبريائه التي طالما اعتز بهم .
لا تجعلوا الشعب في مواجهة المجهول وانسداد الأُفق يبحث عن أرضٍ
يفترشها وسماءٍ يلتحفها ولكن وللأسف خارج حدود الوطن، قُوتكم الحقيقية ليست في
أحزابكم وأُطُركم التنظيمية وتشكيلاتُكم إنما هي في شعبكم، فإن استكان وهان هُنتُم
وأصبحتم بلا قيمة أو ثمن.