كتاب عربي 21

سيناريو فيلم سوري بخمس كاميرات

1300x600
أرسلتُ قصة فيلم إلى صديق معروف ومشهور، يعمل رئيساً لتحرير جريدة عربية معروفة في لندن، ويشارك في المهرجانات السينمائية العالمية، أستغيث به في تحويله إلى فيلم، فطلب ملخّصاً، فأرسلته له: الفيلم عنوانه المؤقت "حواجز"، يحكي قصة سبعة ركاب في سيارة، يسافرون عبر عشرات الحواجز السورية المختلفة قاصدين تركيا. الركاب هم؛ شاب يحمل معه وثائق بحجم دليل الهاتف تحت الثياب، هي رسالة الثورة من تحت الدم يريد إبلاغها للعالم، وسندريلا هي قطعة من الجمال ومعها أخوها الصغير، وسيدة عجوز، ورجل مريض يحمل كيس المصل؛ يبغي العلاج في تركيا بعد تعطل المشافي ودمارها، وهرب الأطباء وقتلهم، وطالب جامعي يخفي في جرابه مبلغاً كبيراً من العملة الصعبة، هي ثمن بيته الذي باعه. السائق اشترط مبلغاً كبيراً أجرة للراكب؛ لأنه خبير بالطرق، والسفر مخاطرة، وهو ماهر في عمليات ماكياج السيارة بتزيينها بشعارات عقيدة الحاجز القادم.

الفيلم كوميديا سوداء لا تخلو من سحائب بيضاء مضحكة، يتقصى سلوك عناصر الحواجز مع السوريين: حواجز النظام والجماعات الإسلامية التي انتشرت كالفطر، وقصة الخوف وابتزاز المسافرين، وأسئلة: صلاة الجنازة؛ كم ركعة هي؟ تصل السيارة إلى الحدود براكب وحيد، هو الطفل وقد شاب شعره، ومعه الوثائق التي يبلغها المرسل إليه، لتصل إلى برلماني أوروبي تصيبه الصور بالذعر، لكن النتيجة أن كل حواجز الطريق هي من جماعة "منحبك". والفيلم يروي تحول ثورة الحرية إلى ثورة غايتها اغتصاب المرأة أو سبيها.

ذكرت للصديق أني سأروي تجربتي وتجارب أصدقاء في تخطي حواجز ألف ميل حرية، وسأشبعها بالتفاصيل الطريفة؛ منها أن رئيس الحاجز النظامي، وهو يفتش السيارة، يختلس من جملة الأمتعة المصادرة؛ حذاء السندريلا، ويشمّه بين الفينة والفينة كالماريغوانا، ذكرى من الأنثى الرائعة في تلك الفلاة الموحشة، ترويحا عن رائحة البوط العسكري. تضطر السندريلا لاحقاً إلى ارتداء بوط عسكري يجده السائق على الطريق. الفيلم قصة نعلين هما خلاصة الثورة السورية: بوط عسكري وخف نسائي.

جاءني رده بعد فترة، ذكر فيه أنه دفع بقصة الفيلم بعد أن كتب الملخص بالإنكليزية، إلى مخرج هندي ومنتج إيراني ومخرج أمريكي، وكانت الردود كالتالي:

الكاميرا الأمريكية:

وصلت قصة الفيلم إلى شركة أمريكية في هوليود، رحبتْ بالفكرة على أن تعيد صياغتها، وتصير كالتالي: السندريلا، لها أخ في واشنطن، تظاهر أمام الكونجرس أياماً معدودة، فلفت أنظار الصحافة العالمية، واضطر الرئيس الأمريكي إلى تكليف فرقة من خيالة البحرية الأمريكية بإنقاذ أخته وأخيه الصغير.. تطير الفرقة من أمريكا وتحط في سوريا، وبعد عمليات مطاردة وتشويق واستخبارات تصل إلى السيارة التي احتبستها داعش، وحوّلت السندريلا الى سبيّة، والركاب إلى عبيد، فيقتلونهم، وينقذون الركاب بعد مقتل ثلاثة من الأسرى، وينقذون السندريلا التي تقع في حب رامبو.. وفي الفيلم مشهد "حميم" بينهما. (وهكذا انقد الأمريكان السندريلا من جهاد النكاح ومن نكاح الوطنية، فوقعت في نكاح الفن). تنقذ الفرقة الوثائق التي تصل في ختام الفيلم إلى مكتب الرئيس الأمريكي.

الكاميرا الإيرانية:

السائق اسمه حسين، والركاب شيعة، وهم هاربون من اضطهاد السنّة، باتجاه الحدود العراقية للتوجه إلى إيران.. يتخطّون كثيراً من الحواجز بالتقية، لكن داعش يحاصرهم، فيلجأون أخيراً إلى ضريح دمره الدواعش بالمتفجرات، فيتعلق الجميع بأعتاب الضريح دعاء وتضرعاً.. وتصاب السندريلا، ويستغيثون جميعاً: ياااااااااااااااحوسين.

لا يذهبن بكم الخيال المريض إلى الطائفية، فنحن أبرياء منها، فهم ينادون السائق الذي أصيب بعشرات الطلقات، والذي تعود الروح إليه، ويزحف إلى السندريلا المقيّدة ويفك وثاقها، ثم يلفظ أنفاسه الأخيرة. يطلق الدواعش النار على السندريلا، واسمها سكينة، فتلفظ الروح، وتقول في نهاية الفيلم إنها سعيدة بالشهادة مع ولي الضريح، كأنهما عاشقان. ملاحظة: كدت أقبل بالقصة لو أن المنتج رضي بأن أختم الفيلم بصورة على قاعدة الضريح تظهر أنه الحجر الأساس لشركة بترول، وليست ضريحاً لولي من أولياء الله.

الكاميرا الهندية:

رأى المنتج الهندي أنها قصة جيدة، الشاب الوسيم صاحب الوثائق اسمه جمال؛ يقع في حب السندريلا لاتيكا، وتنقطع السيارة في غابة، ويهجم عليهم الدواعش، فيتفرق الركاب شذر مذر، ويلجأ الشاب جمال والصبية لاتيكا إلى مغارة بعد هطول عاصفة مطرية، ويتزوجان أمام الإله كرشنا، وفي صباح العرس ينهض الشاب ليحضر الخبز من الفرن، فيداهمه الدواعش.. فداعش حل لجميع المشاكل الدرامية في العالم.. ويقع في الأسر وتُخطف العروس، لكنه يفك وثاقه، ويقضي على الجميع بعملية بطولية، ويهرب إلى تركيا وحيدا، ومن هناك يتوجه إلى ألمانيا. ثم نجد الشاب وقد صار عجوزاً، مسافراً في قطار، فينتبه إلى أن عروسه تجلس أمامه، وقد شابت قليلاً، ومعها ابنها الذي صار شاباً، فيناديها بعد تحقيق النظر: لاتيكا، فتقول: جمال، ويتعانقان جميعاً وسط العبرات، ثم أغنية النهاية.

الكاميرا السورية:

أخبرني صديقي أنه عرضها على مخرج سوري "منحبكجي" شفهيا، فعرض أن يخرجها، مع أن السينما شبه معدومة في سوريا، وسيكون الفيلم كالتالي: الركاب هاربون من بطش الجماعات الإرهابية بعد أن ضعفت سلطة الأمن والاستقرار المركزية، بسبب المؤامرة الكونية، فيصلون إلى حاجز سوري رسمي، ليس عليه صورة لبشار الأسد، ولا عبارات "الأسد أو نحرق البلد".. وعناصر الحاجز يرتدون ثيابا بيضاء مثل الملائكة؛ أحدهم يقضي وقته في الرسم، والثاني يكتب رسالة إلى حبيبته البعيدة، والثالث يتأمل حوضاً للسمك، وهو يشرب المتة بلذّة، والرابع يحمل تابليت، ويراسل الأصدقاء ويضع اللايكات للموالين والمعارضين، ويدعوهم إلى حضن الوطن. الحاجز يعامل المسافرين كأنه حاجز سويسري من الصليب الأحمر الدولي.. العناصر يطلبون البطاقات الشخصية من الركاب بلطفِ مضيفات الطيران وممرضات المشافي العالمية، ويحذرونهم من الحواجز الإرهابية، ولولا أن الحرية مقدسة في الوطن لمنعوهم من العبور. يودعونهم بعد توزيع بطانيات وعلب متة، وبطاطا ديربي، خوفاً من غدر الطبيعة والزمان.

ثم تصل السيارة إلى حاجز جماعة إسلامية، فتصادر السيارة من أجل تنفيذ هواية تفجير الأضرحة، ويتم اتخاذ الصبيّة سبيّة جهاد نكاح لجميع أفراد الجماعة؛ الذين يقتلون الجميع تحت التعذيب، إلا الطفل الذي يتعرض إلى أشد العذاب، وينجو بفضل فرقة من المظليين السوريين الذين لم يركبوا طائرة قط.. تأتي لتنقذ السندريلا والطفل، ثم نراهما في مقابلة مع أمل حويجة على تلفزيون آخر الدنيا.

ملاحظة: في النص الأصلي تفاصيل كوميدية، منها أن السيارة تعبر حاجزاً كردياً، ويمرون بسلاسة بعد أن يخرج الطالب الجامعي رأسه، ويسلم على العناصر قائلاً: "روش باش" (طاب يومكم)، فيسألونه: إلى أين؟ فيقول لهم: "سري كانيه" (اسم رأس العين الكردي) فيُسرّون، ويُخلون لهم الطريق، وكأنها كلمة سحرية، ويلحّون على الطالب الكردي أن ينزل ويؤدي دبكة كردية، فيفعل!