قضايا وآراء

ثامر السبهان.. هُزم في العراق وخسر الرهان!

1300x600
دافعنا عنه عندما تعرض لهجمة شرسة شنّتها عليه مليشيات الحشد الشيعي أيام كان سفيرا لبلاده في بغداد، وهددت باغتياله، ليس حبا به أو تقربا منه أو تزلفا إليه، وإنما كانت دوافعنا قومية في الذود عنه، بصفته يمثل دولة عربية ليس إلا.. ولكن ثامر السبهان ظهر على حقيقته العدوانية، عندما رقّاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من سفير مبعد إلى وزير، وكلفه بمسؤولية الملف العراقي، رغم أنه عمل لمدة قصيرة في العاصمة العراقية (من مطلع حزيران/ يونيو 2015 إلى منتصف كانون الثاني/ يناير 2016) قضاها في التغريدات الفيسبوكية والسفرات السياحية.

ولسنا معنيين باختيارات ابن سلمان وتكليفاته المزاجية لهذا أو ذاك من موظفيه، فهو حر وصاحب قرار في بلاده، ولكن أن يعيّن ثامر السبهان مسؤولا عن الملف العراقي، ويخوله دفع ملايين الدولارات لقيادات شيعية نكلت بالسنّة العرب في العراق، وقتلت عشرات الآلاف منهم برصاص مليشياتها، فمسألة يجب التوقف عندها، خصوصا أن السبهان ثبت بالتجربة أنه لا يفهم في الأوضاع العراقية وليست له خبرات سياسية، وكل كفاءته أنه من التابعين لولي العهد السعودي، وهذه الصفة قد تنفع في السعودية وليس في العراق.

ونعرف مسبقا أن القيادة السعودية الحالية، انقلبت تماما على سياسات عاهلها الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز، الذي كان يرفض التطبيع مع الحكومات العراقية المتعاقبة ما دامت طائفية النهج والمسار والخطاب، رغم ضغوط بوش الابن وكوندليزا رايس وتشيني وأوباما وهيلاري كلنتون. ولكن أن يصل خيال ابن سلمان وأوهام وزيره السبهان؛ إلى تصديق أنهما قادران على اختراق الكتل والتيارات الشيعية في العراق، وتشكيل "لوبي" سعودي ينشط في الوسط الشيعي بالضد من إيران، فالقضية هنا ليست عبثية فحسب، وإنما لها آثار خطرة على النظام السعودي ذاته، من حيث استنزافه ماليا وخداعه سياسيا؛ لأن الأحزاب الشيعية، مهما اختلفت في ما بينها، ومهما اشتد عراك قادتها، فإنها تُبقي على جسرها الواصل إلى طهران مفتوحا وسالكا، وفي الوقت نفسه تظل تمارس "التقية" مع السعودية؛ تتقرب إليها ظاهريا، وتتهمها بالوهابية والإرهاب باطنيا.

وقد توهم ابن السبهان أن إنشاء "لوبي" شيعي يوالي السعودية في العراق؛ أمر سهل، ويتحقق بدعوة مقتدى الصدر إلى الرياض ومنحه مكافآت كبيرة وهدايا من الوزن الثقيل؛ قال عنها الأخير إنها مجرد صناديق "بخور"، واستقطاب حيدر العبادي ودعمه سياسيا وماليا، قبل الانتخابات الأخيرة، من دون أن يدرك الوزير السعودي أنه يسير في طريق بدايته مطبات ونهايته انحدارات، وكانت النتيجة أنه خسر الرهان على من بنى عليهم آمالا عريضة. صحيح أن التيار الصدري وتحالف العبادي فازا بمقاعد نيابية، ولكن الصحيح أيضا أنهما لم يصلا إلى سقف الأغلبية، كما توقع الوزير السعودي ورفيقه في الأوهام المبعوث الأمريكي بريت ماكغورك، وقد تبع ذلك ما هو أكثر دراماتيكية؛ عندما تعانق الصدر (صديق السبهان) مع غريمه اللدود هادي العامري في حنانة النجف، وتفاهما على إبعاد العبادي عن الولاية الثانية، التي كان الوزير السعودي يقول عنها إنها في جيب دشداشته، كما كان صاحبه الأمريكي بريت يظنّ أيضا، وخرج الاثنان من المولد بلا حمص.

وعلى الصعيد السني، فقد مني الوزير السعودي وزميله الموظف الأمريكي ماكغورك؛ بخيبة كان الجميع يتوقعها باستثاء الاثنين اللذين اعتمدا على عناصر سنية ضعيفة لا تمتلك الخبرة السياسية الكافية. وكانت النتيجة أن مبلغ العشرين مليون دولار، التي أعطيت لبعض المرشحين السنة المتعاونين، ذهب يبكي ويندب حظه، رغم أنه دُفع بصفة مذلة وبموجب إيصالات موقعّة، على عكس المنح التي تلقتها الكتل الشيعية، سواء في حجمها أم في طريقة دفعها. ولعل التسريب الصوتي الذي انتشر على صفحات "فيسبوك" وشبكة "يوتيوب" بين رئيس كتلة سنية، هو وضاح الصديد، ومفتاح انتخابي تمثل بالنائبة السابقة شذى العبوسي؛ يشكل فضيحة بـ"جلاجل" (على رأي إخواننا المصريين) لابن السبهان، حيث لم ينل مرشحه السني الأثير إلا ألفي صوت فقط، رغم أنه صرف بحدود مليونين وثلاثمئة ألف دولار؛ أملا في الحصول على خمسة آلاف صوت، كان يؤهله للعبور إلى قبة البرلمان.

وعندما شعر السبهان وصاحبه مستر بريت بأن السـنّة غير المتعاونين معهما، حسب وصفهما، قد فازوا بأكبر عدد من النواب، وشكلوا كتلة "المحور الوطني"، سعى الاثنان إلى تفتيتها، ومارسا ضغوطا وتهديدات على قادتها بضرورة الاصطفاف مع مقتدى الصدر وعمار الحكيم وإياد علاوي، ودعم حيدر العبادي لولاية ثانية، وإلا فإن التأييد الأمريكي والدعم السعودي سيحجبان عنهم، الأمر الذي أثار قادة ونواب الكتلة الذين رفضوا الإملاءات السعودية والأمريكية، وتساءلوا بسخرية: أين هذا التأييد الأمريكي المقدم إلينا؟ وكيف هو شكل "البخور" السعودي المخصص إلينا؟ وسكت بريت وهو يمسح عرق وجهه الأحمر من شدة توتره، فيما توارى مندوب السبهان، القائم بأعمال السفارة السعودية في بغداد عبد العزيز الشمري، وهو يلملم أطراف عباءته.

لقد بات واضحا أن ثامر السبهان قد أخفق تماما في تعاطيه مع الحالة العراقية، وفشل في التعامل مع إشكالياتها، وظهر أنه فقير في وعيه السياسي، ومحدود الفكر والثقافة، وغير مؤهل لإدارة الملف العراقي بتعقيداته وملابساته. فبغداد غير بيروت التي اشتغل فيها ضابط مخابرات قبل سنوات، وفات ولي العهد السعودي، الذي أوكل إليه مسؤولية هذا الملف، أن العمل في العراق، بعد ربع قرن من القطيعة معه والانقطاع عنه، يتطلب رجلا رصينا، يفهم في السياسة والدبلوماسية والعلاقات العامة، ويتعاطى مع العراقيين باتزان وتوازن، وهذه المواصفات لا تتوافر عند ابن السبهان، الذي راح يتخبط في سلوكه ويتصرف بنرجسية. فهو يمول تيارات وقيادات شيعية يعتقد أنها تؤيد بلاده، في حين تجاهل عن عمد، شخصيات سنية عربية أرادت نصحه وتحذيره من مغبة أفعاله، وقد صبت سذاجة السبهان وعنجهية ماكغورك، في خدمة إيران، التي أفرحها مجيء صاحبها القديم الجديد عادل عبد المهدي على رأس الحكومة بترشيح من مقتدى ودعمه.

ورغم هزيمة مشروع ابن السبهان في العراق، أمام خطط قاسم سليماني، الذي لم يصرف قرشا واحدا في الانتخابات الأخيرة، لأنه يُمسك أصلا بخيوط مرئية تارة وخفية تارة أخرى مع جميع قادة الكتل الشيعية، إلا أن المسؤول السعودي ما زال يتمسك بطروحاته، ويبالغ في ادعاءاته. وفي جلسة ضمته مع نواب وسياسيين سنّة عراقيين في عاصمة عربية مجاورة قبل مدة، تحدث ثامر عن هزائم إيران أمام بلاده في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، وقبل أن يسترسل في حديثه، قاطعه أحد الحاضرين (وهو نائب برلماني) مستفهما، وقال له باللهجة العراقية: "أنت صدك تحجي"! فرد عليه السبهان: طبعا.. ألا ترى الانتصارات السعودية المتتالية على إيران؟ صعق النائب العراقي وقال: أتمنى ذلك، ولكن "ماكو هذا الشي!".