عندما انقسم إخوة الدم والمصير الواحد في وطني، تكالب علينا الجميع،
وانكشف اللثام عن وجوه اللئام، والنَكِرة أصبح مُعَرَفا، وكأنهم كانوا ينتظرون
ويعدون العدة ليبيعوا ويشتروا فينا بأثمانٍ رخيصة، وكأن أقدارنا أن نكون سلعة بين
أيديهم، أصبحنا على الهوامش ننتظر صفقاتهم المشبوهة، دون أن يكون لنا أي فعل حقيقي
قد يؤثر على مجريات الأحداث، بعدما كنّا ركنا أساسيا لا يجرؤ أحدا كائنا من كان أن
يتجاوزنا، نعم لقد كنّا رقما صعبا في كل المعادلات الإقليمية والدولية، ولكن أين
نحن الآن؟
بعدما أسقطنا أوراق قوتنا، والتي تتجسد في الوحدة الوطنية بمعناها
الحقيقي، وليس شعارا نردده في المناسبات، ومن فوق المنابر، وعبر الشاشات، كل يوم
يمر علينا ونحن منقسمون نزداد ضعفا على ضعف، تشتتنا بين الرايات والفصائل، فاختلطت
علينا الألوان، بِتنا لا نفرق بين النصر والهزيمة، فكل منا يراه بعين حزبه لا بعين
الوطن، وأصبح شعارنا لا صوت يعلو فوق صوت الحزب، صوت الحق خافت وصوت الباطل جهور،
حتى المُستقلين والأُدباء والكُتاب نال الانقسام منهم، كُلٌ منهم يُناور ويمسك
العصا من المنتصف؛ حتى لا يغضب منه أحد فيُتهم بعدم الاستقلالية، فلا قانون واضحا
ولا شرعية كاملة ولا سياسي مُقتنعا بما يخرج من لسانه، فالكل يُغني على ليلاه،
ويعزف بآلته المكسورة ألحان الحقد والكراهية.
الكل غارق في مصالحه، وتناسوا أن الوطن يغرق ويستغيث بمن تبقى لديه
شرف وضمير عله يمد يده وينقذ ما تبقى من بقايا الوطن، بعدما كان تحرير الوطن
بوصلتنا وهدفنا المشروع نناضل من أجله، أصبحت المعابر والكهرباء والرواتب والموظفون
والحكومة والوزارات هي كل أهدافنا، وسقف تطلعاتنا وآمالنا يتهاوى بسرعة رهيبة
ويسقط على رؤوسنا، ويكتم على أنفاسنا، ويكاد أن يخنقنا.
نعم، تغيرت المفاهيم والمصطلحات والشعارات والمواقف، والذي كان حراما
في الماضي أصبح حلالا، وتُهنا في بحر الانقسام الهائج، وموانئنا غرقت فليس لنا
ملجأ نحتمي به أو مكانا نرسو فيه، أيدينا ترتجف، وأقلامنا تنكسر، وأحبارنا جفت
حسرة على حالنا، ليس إفراطا في التشاؤم بقدر ما هو ترجمة للواقع الأليم الذي
نشهده، ومع ذلك فالأمل لم ولن ينقطع يوما، فأشد ساعات الليل حلكة هي الساعة التي
تسبق بزوغ الفجر، رحم الله من قضوا نحبهم من أجل الوطن وحريته وكرامته ووحدته، ولا
سامح الله من فرط بنا وبأحلامنا وبالوطن ومن ساهم وشارك وأسس لهذا الضياع.