انعكست أزمة هبوط الليرة التركية إلى مستويات قياسية، على عدد من الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية وكذلك الأمريكية.
ومع وصول هبوط العملة التركية إلى مستوى تاريخي منخفض، ليلة الأحد الماضي، بعد أن سجلت 7.24 ليرة مقابل الدولار، تراجعت أسهم البنوك الكبرى في أوروبا خلال تعاملات الإثنين.
ونزل مؤشر أسهم بنوك منطقة اليورو 1.2 بالمئة وحام قرب أقل مستوى منذ أواخر /يونيو حزيران الماضي ونزل للجلسة الرابعة على التوالي.
وفي ختام جلسة الأربعاء، سجلت الأسهم الأوروبية هبوطا حادا بعد أن زادت تركيا الرسوم الجمركية على بعض الواردات من الولايات المتحدة إلى المثلين، وسجلت شركات التعدين أسوأ أداء منذ التصويت في عام 2016 لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بفعل هبوط أسعار السلع الأولية.
وأنهى المؤشر ستوكس 600 الأوروبي جلسة تعاملات الأربعاء منخفضا 1.4%، وجاءت أسهم قطاع السيارات بين الأسهم الأسوأ أداء، وهو ما قاد المؤشر داكس الألماني إلى الانخفاض إلى أدنى مستوى في 6 أسابيع وهبط 1.6في المئة.
وانخفض مؤشر قطاع السيارات 1.9% مقتربا من مستويات منخفضة كان قد سجلها عندما انتشرت المخاوف من نشوب حرب تجارية في الأسواق في بداية يوليو/تموز.
اقرأ أيضا: أزمة الليرة التركية تضرب أسواق الأسهم الأوروبية
وهبطت مؤشرات الأسهم الأمريكية في نهاية تعاملات الأربعاء، مع تراجع قطاع التكنولوجيا، واستمرار القلق بشأن الأزمة التركية.
وكانت أسهم التكنولوجيا من أكبر الخاسرين في "وول ستريت" حيث تراجع القطاع بأكثر من 1% بقيادة "فيسبوك"، و"آبل".
وجاءت خسائر التكنولوجيا بعدما أعلنت شركة "تينسنت" الصينية تراجع أرباحها للمرة الأولى في 13 عاماً خلال الربع الثاني من 2018. كما هبط سهم "مايسيز" نحو 16% بعد تراجع مبيعاتها خلال الفترة من أبريل حتى يونيو الماضي.
وتأثرت البورصة الأمريكية سلبيا بالمخاوف المستمرة بشأن الوضع في تركيا، في الوقت الذي أعلنت فيه أنقرة زيادة التعريفات الجمركية على سلع أمريكية.
وعند نهاية تعاملات الأربعاء، هبط مؤشر "داو جونز" الصناعي بنحو 0.5% إلى 25162.4 نقطة، ليفقد 137.5 نقطة. كما تراجع "ستاندر آند بورز" بنسبة 0.8% إلى 2818.3 نقطة، وهبط "ناسداك" بنحو 1.2% إلى 7774.1 نقطة.
اقرأ أيضا: الأسهم الأمريكية تتراجع بفعل هزة العملة التركية
وفي اليابان، تدنى المؤشر "نيكي" في جلسة الاثنين بنسبة 2 بالمئة ليبلغ أدنى مستوى له في خمسة أسابيع ببورصة طوكيو، حيث أثار هبوط عملات الأسواق الناشئة قلق المستثمرين في الأسهم فيما أضر ارتفاع الين بالمعنويات ودفع السوق للهبوط بشكل عام.
وكان أداء أسهم شركات السلع الأولية أضعف من السوق بعد أن نزل "الراند" الجنوب أفريقي أكثر من عشرة بالمئة مقابل الدولار الأمريكي، إذ أدى هبوط الليرة التركية لموجة بيع لعملات أخرى. وتراجع نيكي 440,65 نقطة إلى 21857,43 نقطة، وهو أقل مستوى إغلاق منذ 6 تموز/يوليو.
وأدى هبوط الليرة التركية إلى اضطراب عملات أسواق ناشئة أخرى، مثل الراند الجنوب أفريقي والبيزو المكسيكي، وكذلك الدولار الأسترالي.
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير لها تحت عنوان: "مخاوف من أزمة عالمية بينما تكافح تركيا لكبح انحدار عملتها"، إن تدهور الليرة التركية تسبب في هزات ارتدادية إلى الأسواق المالية العالمية، يوم الإثنين.
وأكدت أن عملات دولية منها؛ البيزو الأرجنتيني، والراند الجنوب أفريقي، تضررت في يوم التعاملات النقدية التي شهدت الليرة التركية انخفاضاً بنسبة 8% مقابل الدولار.
وفي تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال الاقتصادي التركي غزوان مصري: "عندما تهبط أسهم البورصات الأوربية والآسيوية نتيجة هبوط الليرة التركية، من هنا يجب أن نعلم حجم ومكانة وقوة الاقتصاد التركي عالميا".
ومن ناحيته اعتبر أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة صباح الدين زعيم، أشرف دوابة، أن تأثر أسواق المال العالمية بأزمة الليرة التركية يعود في الأساس إلى قوة الاقتصاد التركي، وتشابك المصالح الاقتصادية والاستثمارية بين تركيا وكثير من دول العالم خاصة في أوروبا وأمريكا.
اقرأ أيضا: هل تكسر تركيا هيمنة الدولار بفرض نظام نقدي جديد؟
وقال دوابة في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، إن تركيا رغم بنية اقتصادها القوي، إلا أنها تعتمد في مشاريعها على قروض أجنبية تقدر بنحو 224 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك الدولي للتسويات، مشيرا إلى أن تلك الديون في جلها قصيرة الأجل، وهو ما يمثل قيدا على تلك الشركات، ويجعلها تحت رحمة تقلبات سعر العملة.
وأضاف: "انخفاض الليرة يعني زيادة أعباء القروض على القطاع الخاص وهو ما قد يعوق قدرتها على السداد، وقد ظهر أثر تلك القروض في انخفاض اليورو إلى أدنى مستوى في أكثر من عام نتيجة لانكشاف بنوك منطقة اليورو على تركيا (لا سيما في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا)، والقلق من أن المقترضين ربما يكونون غير متحوطين في مواجهة انخفاض الليرة"، لافتا إلى أنه في حالة عجز المقترضون عن سداد ديونهم، ستتكبد البنوك الأجنبية، خاصة في أوروبا، خسائر كبيرة.
وقال بنك التسويات الدولية في مدينة بازل بسويسرا، وفقا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إن المصارف الإسبانية الكبرى لها ديون مستحقة بأكثر من 82 مليار دولار، في حين أن البنوك الفرنسية لديها قروض مستحقة الدفع قيمتها 38 مليار دولار.
وحول تقديره للحرب الاقتصادية على تركيا وتداعيات أزمة الليرة التركية وانعكاسها على الأسواق، طرح دوابة، ثلاثة سيناريوهات، السيناريو الأول: التصعيد: ومن خلاله تقوم الولايات المتحدة بتصعيد الحرب الاقتصادية على تركيا وبالطبع لن تقف تركيا مكتوفة الأيدي بل سترد بتصعيد مماثل أو أكبر، لافتا إلى أن هذا السيناريو لن تقتصر خسارته على تركيا وأمريكا فقط بل ستمتد خسارته إلى العالم أجمع ولاسيما دول الاتحاد الأوربي والصين وغيرها وقد ينذر بأزمة مالية عالمية.
وأضاف: "السيناريو الثاني؛ الهدوء التام ورجوع الأمور الاقتصادية بين تركيا وأمريكا إلى وضعها السابق، بينما يتمثل السيناريو الثالث في هدنة اقتصادية بين الطرفين".
ورجح دوابة أن يكون السيناريو الأخير هو المرشح للتطبيق لتعاظم المخاطر التي تلحق بتركيا وأمريكا والدول الكبرى لاسيما في ظل رفض العديد من رجال الأعمال الأمريكان للسياسة العدائية الاقتصادية لترامب ضد العديد من دول العالم والخوف على مصالحهم وكذلك رفض العديد من قادة أوربا لسياسة ترامب الاقتصادية وقوة إرادة الرئيس التركي ووجود حاضنة شعبية قوية تقف معه ضد أمريكا، بحسب قوله.
وأوضح دوابة أن "هذه الهدنة لن تخلو من تآمر الأمريكان على فترات للنيل من الاقتصاد التركي لمنع تقدمه"، مستطردا: "وهو ما يحتم على الحكومة التركية بناء تحالفات جديدة وتعزيز التنوع داخل اقتصادها وبناء اقتصاد نقدي قوي لا أهمية فيه للدولار وفتح أسواق جديدة وإيلاء أولوية لمعالجة مشكلة الديون وعجز الميزان التجاري وعجز الموازنة".
وقال الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، في تصريحات سابقة لـ"عربي21"، إن مؤشرات الأسواق الأوروبية وكذلك البورصة الأمريكية، تراجعت بنسب تراوحت بين 3% و5%، مضيفا: "الجميع أصبح ضاغطا في اتجاه أن استمرار هبوط الليرة التركية ومن ورائها الاقتصاد التركي بصفة عامة سيسبب خسائر لهم وليس لتركيا فقط".
وأضاف: "هؤلاء أدركوا أن الحرب التي يقودها ترامب على النظام التجاري العالمي سيتضرر منها الجميع وأن الأمر إذا بدأ بالصين أو إيران ثم انتقل إلى تركيا في مرحلة لاحقة، فما هي إلا مسألة وقت حتى ينتقل إلى ألمانيا ومن بعدها إيطاليا ثم فرنسا وبالتالي اقتنع الجميع الآن أن هذه مشكلة لا تخص تركيا وحدها".
وأعلن وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، اليوم الخميس، أن الولايات المتحدة مستعدة لفرض عقوبات إضافية على تركيا إذا لم تفرج عن القس الأمريكي المحتجز لديها أندرو برانسون.
وقال منوتشين خلال اجتماع لمجلس الوزراء: "لدينا المزيد الذي نخطط للقيام به إذا لم يفرجوا عنه سريعا".
وفور تصريح منوتشين، عادت العملة التركية إلى الهبوط بعد التحسن الذي شهدته على مدار الثلاثة أيام الماضية، وسجل سعر صرف الليرة مساء الخميس 5.85 للدولار الواحد، مقابل 5.65 للدولار الواحد قبيل التهديد الأمريكي لوزير الخزانة الأمريكي.
وفقدت الليرة نحو 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي، وهوت إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند 7.24 ليرة للدولار يوم الاثنين، على خلفية تدهور العلاقات التركية الأمريكية.
ترامب يهاجم تركيا ويهدد بمزيد من العقوبات
الصين تتجه إلى تركيا بحثا عن نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلا
مستشار للبيت الأبيض: الإدارة تراقب وضع تركيا "عن كثب"