لأجل
"تحرير" قس أمريكي، أو هكذا يبدو، فرض دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على
حليف استراتيجي تاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بشكل صار يهدد بتقويض العلاقات
بين الولايات المتحدة وتركيا. ولأجل مواطن مختطف بليبيا، أرسلت كوريا الجنوبية
بارجة حربية مخصصة لمكافحة عمليات القرصنة وحماية السفن بخليج عدن إلى السواحل
الليبية.
أما في الرياض، فقد
طالبت السلطات السعودية السفير الكندي بمغادرة أراضيها وقررت تجميد كافة التعاملات
التجارية والاستثمارية بين المملكة وبلاده واستدعاء المبتعثين والمرضى السعوديين
بالجامعات الكندية ومستشفياتها بعد ما اعتبرته "تدخلا صريحا وسافرا ومخالفا
لأبسط الأعراف الدولية وجميع المواثيق التي تحكم العلاقات بين الدول".
لم يأت الإجراء
السعودي دفاعا عن حق مواطنين سعوديين، تعرضوا للتضييق أو التعنيف أو الاضطهاد
بالديار الكندية، بل دفاعا عن حق الأجهزة الأمنية بالمملكة في اعتقال وسجن
"مواطنيها" و"مواطناتها" عقابا على نشاطهم الحقوقي أو الدعوي
"المعارض" للتوجهات الرسمية الجديدة دون مساءلة أو نقد من المجتمع
الدولي. جريرة كندا أنها، وعكس الصمت الدولي المريب حول الانتهاكات المسجلة
بالمملكة، طالبت ب"الإفراج الفوري" عن بعض من المنتقين منهم دونا عن
الآخرين. هذا بالضبط واقع يظهر الاختلاف في مفاهيم وتطبيقات مبدأ المواطنة بالعالم
ودول العالم "العربي".
وفي المؤتمر السادس
للشباب، لم يمنع السيسي نفسه من القهقهة عاليا، إمعانا في إذلاله المستمر
للمصريين، وهو يتحدث عن احتراف "رعيته" رقصة الكيكي رغم كل ما عانته ولا
تزال من استبداده واستبداد جماعته من العسكر والأجهزة الأمنية والسيادية طوال
سنين، قبل أن يدعو وزيره للبترول إلى رفع الأسعار دون خوف أو اكتراث، وبنبرة
استهزاء لا تخطئها أذن أو عين. يأتي هذا في الذكرى الخامسة لمجزرة ميدان رابعة
التي أرخت لهزيمة مدوية لطموحات شعوب فشلت في تكريس حقها في التحرر من ربقة
الاستبداد والديكتاتورية، وسقطت في مطحنة عسكر جعلوا من الإبادة والقتل الجماعي
منهاجا للتخويف والعودة إلى الإمساك برقاب البلاد والعباد بدعم دولي وإقليمي. ولم
يكن الدعم الدولي والإقليمي كفيلا بتدعيم أسس الاستبداد السيساوي لولا خروج جزء من
الشعب زرافات للرقص على جثث جزء آخر اعتبروه خائنا ووصموه بالعمالة والإرهاب. بعد
خمس سنوات، خرج علينا بعض من نظروا للانقلاب العسكري بمصر للحديث عن "نادمين
على 30 يونيو" دون إبداء أي ندم حقيقي على أرواح من سحلوا وأحرقوا وأخفيت
جثثهم دون عنوان.
كان منتظرا أن تشكل
الذكرى الخامسة للمجزرة مناسبة لتقديم قراءات أكثر عدلا للأحداث تقود لتحديد
المسؤوليات وما يستتبعه من توقيع جزاءات ومحاسبات. واقع الحال كما صورته منظمة
العفو الدولية يأكد حرص النظام العسكري بمصر على "محو كل ذكرى تخص
الفض"، بل تجاوز الأمر إلى إصدار
أحكام بالجملة على من اعتقلوا بالميدان مقابل استصدار قانون يمنح الحصانة القضائية
لكبار الضباط ولقادة القوات المسلحة على ما ارتكبوه من جرائم ليست مجزرة رابعة إلا
واحدة منها.
في فرنسا، أقرت محكمة بتسليم جثة مهاجر مغربي
مسلم لزوجته الفرنسية المسيحية قصد إحراقها وهو ما تم فعلا رغم وعود الحكومة
المغربية التي لم تتوان عن التأكيد على أنها لن تسمح لهذه السابقة أن تقع. أُحرِق
حسن النبيري ولم تنفعه طلبات عائلته المرفوعة لملك المغرب وللرئيس الفرنسي. سيبقى
حسن بلا قبر تزوره الأم المكلومة لقراءة الفاتحة والدعاء وبلا رفات تطالب
باسترجاعه يوما ما.
في تطبيقات بعض
اتفاقات تبادل الأسرى التي وقعتها المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال، يقابل
"تحرير" جندي صهيوني أو استعادة رفات بلائحة مطولة من جثامين أو أسرى
يعرف الكيان الصهيوني قدرته على اعتقالهم مجددا أو تصفيتهم دون وازع أخلاقي أو
رادع عسكري. ليس في الأمر استنقاصا
للشهداء أوالأسرى بل هي معادلة تظهر أن قيمة الفرد/المواطن بقيمة دولته وكيانه ولو
كان محتلا غاصبا. قوة البلدان سمو ورفعة للأفراد.
وفي عوالم
الاستبداد، "المواطن" مجرد زبون بلا حقوق تفرض عليه البضاعة والثمن
ومواعيد التسليم وشروطه. للسيسي، ومن ماثله من الحكام، منطقه في العملية مبدأه
"ادفع بقا.. مفيش حاجة ببلاش خلاص". بالمقابل، لم يجد الحاكم العسكري
لمصر غير الانصياع لأمر دونالد ترامب وهو يطالبه، العام الماضي، بالإفراج عن
الناشطة آية حجازي التي كانت تقضي عقوبة حبس نافذة بسجون الانقلاب. يومها قال
ترامب وهو يستقبل الفتاة بالبيت الأبيض "نحن سعداء جدا جدا لأن آية عادت
للوطن، وإنه لشرف عظيم أن تكون هنا في المكتب البيضاوي مع شقيقها". اليوم
يستكثر عبد الفتاح السيسي، وغيره من حكام المنطقة وأبواقهم الدعائية الفاشلة، صمود
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في مواجهة عنجهية ترامب وعقوبات أمريكا الساعية لإعادة
أندرو للوطن بما يحرم الرئيس الأمريكي من التقاط الصور التذكارية قبل انتخابات
التجديد النصفي للكونغرس.
أندرو برونسون وكيم
إيو كيوم وآية حجازي وحسن النبيري وسمر بدوي ورفيقاتها ولائحة شهداء رابعة
ومعتقليها، أسماء طبعت أخبار العالم نماذج تظهر بجلاء قيمة الفرد/المواطن في
البلدان الديمقراطية التي يحتفظ بها ذات الفرد/المواطن بالحق في اختيار حاكميه أو
إخراجهم عن دائرة الحكم وفق مبدأ محاسبة يتكرر خلال كل اقتراع، وقيمة
الفرد/المنتمي للرعية في ظل أنظمة حكم استبدادية يتصرف فيها الحكام وأنجالهم كملاك
ضيعات موروثة عن الأسلاف وفق منطق العطايا والمكرمات مقابل الصمت عن حقوق آدمية
متعارف عليها دوليا
يخبرنا التاريخ
أننا من خلف أمة وامعتصمااااه. للتاريخ أخباره وحكاياه، ولكن للواقع معطيات
وحقائق.