صحافة دولية

فايننشال تايمز: هذه ركائز عقيدة ترامب المتطرفة والخطيرة

فايننشال تايمز: عقيدة ترامب متطرفة خطيرة وخاطئة- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للصحافي جدعون راتشمان، يقول فيه إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كان هناك توافق لافت للنظر داخل المؤسسة الأمريكية، ودعم كل من الحزب الجمهوري والديمقراطي شبكة عالمية من التحالفات التي تقودها أمريكا والضمانات الأمنية. 

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن كبار الحزبين -من جون كينيدي إلى رونالد ريغان ومن بوش وابنه إلى كلينتون- اتفقوا على أن تشجيع التجارة الحرة والديمقراطية في أنحاء العالم يخدم المصالح الأمريكية.

 

ويستدرك راتشمان بأن "دونالد ترامب أخذ فأسا ودمر ذلك التوافق في واشنطن، فتخلي الرئيس عن المبادئ الراسخة للسياسة الخارجية الأمريكية متطرف إلى درجة يقول عنها الكثير من ناقديه إن أفكاره هي نتاج عقل مرتبك، لكن ذلك خطأ، فهناك عقيدة ترامبية تتكشف تتبع منطقا داخليا، وهناك أربعة مبادئ هي ركائز هذه السياسة".

 

ويلفت الكاتب إلى أن هذه الركائز هي:

 

-الاقتصاد أولا: عرف ترامب من خطاب التنصيب، الذي شجب فيه "المجزرة" و"المصانع الصدئة" في وسط غرب الولايات المتحدة، أن جعل أمريكا "عظيمة ثانية" سيكون من ناحية اقتصادية، ولهذا ركز على البلدان التي يعتقد أن لديها فوائض تجارية كبيرة.  

 

ويعلق راتشمان قائلا إن "هذا التركيز على التجارة والاقتصاد أدى إلى التشويش على الفرق بين الحلفاء والأعداء، وكثير من الدول التي لها فائض تجاري مع أمريكا لها أيضا علاقات أمنية قوية معها، مثل اليابان وألمانيا، وهذا هو السبب الذي جعل ترامب يصف الاتحاد الأوروبي بالعدو هذا الأسبوع، ونظرته إلى الاقتصاد على أنه أولوية تجعله يشكك في قيمة التحالفات الأمنية، حيث يرى فيها دعما لمنافسين اقتصاديين".

 

-البلدان لا المؤسسات: أبدى معظم الرؤساء الأمريكيين إحباطهم من وقت لآخر من المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة السبع العظام.

 

ويستدرك الكاتب بأن "ترامب رفع معارضته لمستوى آخر، فهو يعد المؤسسات قلاعا (للياقة السياسية) في القضايا المختلفة، مثل التغير المناخي، ولذلك هو يفضل التعامل مع كل بلد على حدة، حيث يمكن استخدام ميزة حجم أمريكا، أما المؤسسات متعددة الأطراف، التي يمكن ألا تكون الأصوات لصالح أمريكا، فمن الأفضل تجنبها، أما (النظام العالمي القائم على قواعد محددة)، الذي رعاه الرؤساء السابقون بعناية، فإن إدارة ترامب تقوم بهدمه وبشكل متعمد".

 

-الثقافة لا القيم: كان الرؤساء الأمريكيون كلهم، الذين جاءوا بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الواقعي ريتشارد نيكسون، يعتقدون أن دورهم هو الحفاظ على قيم عامة معينة، وكان من السهل على منتقدي أمريكا أن يشيروا إلى التناقضات، وأحيانا النفاق في تسويق أمريكا للديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن على الأقل شكل الالتزام الشفوي لتلك القيم جزءا أساسيا للسياسة الأمريكية. 

 

وينوه راتشمان إلى أن "ترامب في المقابل أبدى القليل من الاهتمام في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فنظرته للغرب لا تقوم على القيم المشتركة، بل على الثقافة، أو حتى على العرق، وهذا ما أدى إلى ولعه بالسيطرة على الهجرة، التي يعتقد أنها تشكل التهديد الحقيقي للغرب، وكرر موقفه هذا خلال رحلته الحالية إلى أوروبا، حيث قال إن الهجرة (سيئة لأوروبا، فهي تغير الثقافة)".

 

-مناطق نفوذ: لا يؤمن ترامب بقيم وقواعد عالمية، ولذلك فمن الأسهل له أن يقبل بفكرة أنه يمكن أو يجب تقسيم العالم إلى "مناطق نفوذ"، تسيطر فيه القوى الكبيرة، مثل أمريكا وروسيا والصين على مناطقها، ولم يقل الرئيس الأمريكي ذلك صراحة، لكنه ألمح إليه في إشارته إلى أن القرم جزء من روسيا بشكل طبيعي، وكذلك في تشكيكه المتكرر بقيمة التحالفات العالمية لأمريكا.

 

ويجد الكاتب أن "حماس ترامب للتعامل مع الزعماء الأقوياء، مثل شي جين بينغ في الصين وفلاديمير بوتين في روسيا، قد يجعله يميل أيضا لأن يحل الخلافات بصفته مدير شركة يقتسم السوق مع شركة منافسة، أما القيم التي يحاول الصينيون أو الروس نشرها في مناطقهم فهي أمر لا يهم ترامب".

 

ويفيد راتشمان بأن "مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية منزعجة من هذا التحول الراديكالي من المبادئ المبجلة التي تمت المحافظة عليها لعقود، لكن هناك حاجة لإعادة النظر في السياسة الخارجية التي تم تشكيلها بعد عام 1945 تحت ظروف مختلفة، ففي ذلك الوقت كانت الحرب الباردة في أوجها، وكان التفوق الاقتصادي الأمريكي مسألة ليس فيها شك".

 

ويرى الكاتب أن "المشكلة أن سياسات ترامب ليست راديكالية فحسب، إنما هي خطيرة ومشكوك في أخلاقيتها، أمريكا تحتاج لحلفاء، وتقويض نظام التحالفات الذي تقوده أمريكا، وتشجيع (مناطق النفوذ) سيشجعان على تمدد النفوذ الصيني والروسي". 

 

ويعتقد راتشمان أنه "حتى إن كان هم إدارة ترامب الوحيد هو مصالح أمريكا الاقتصادية، فليست تلك فكرة جيدة، فقد فهمت الأجيال السابقة من صناع القرار الأمريكيين أن المخازف الأمنية والهموم الاقتصادية مترابطة بشكل وثيق، وليست متناقضة، بالإضافة إلى أن نظرة ترامب إلى مصالح أمريكا الاقتصادية نظره سطحية، حيث يبدو الفائض التجاري بحسب تلك الرؤية هو الأمر الوحيد المهم". 

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "أخيرا، هناك جانب أخلاقي، فالكثير من الناس سيندبون وفاة أمريكا، التي طمحت لأن تكون قوة لأجل الخير، خلال الحرب الباردة وبعدها كان من المهم أن تكون الدولة الأقوى في العالم دولة تؤمن بالحرية السياسية والاقتصادية، وسيدفع العالم كله الثمن إن لم يعد ذلك صحيحا".