تستقطب لعبة كرة القدم اهتمام ملايين البشر حول العالم، يستوي في ذلك العالم الأول والعالم الثالث، ولكنها تملك سحرا خاصا للعالم الثالث نظرا لأنها الشيء الوحيد الذي يمكن من خلاله أن تضع الدولة أو الشعب اسمه ومكانه بين "كبار" العالم، كذلك لما تحققه من تعويض نفسي ومعنوي لدى شعوب العالم الثالث تحديدا، تجاه العالم الأول المتقدم والمتفوق والأكثر تحضرا وسبقا في كل ما يتعلق بجودة الحياة، حيث غالبا ما تكون تلك الشعوب مفتقدة لكل تلك المقومات الإيجابية لحياة جيدة.
اليوم استقبل
الرئيس عبد الفتاح السيسي بعثة المنتخب الوطني المصري التي ستشارك في بطولة كأس العالم
بعد أيام، وهي أهم بطولة للعبة كرة القدم على الإطلاق، بالنسبة للدول، وهذه هي المرة
الثالثة التي يستقبل فيها الرئيس بعثة المنتخب الوطني لكرة القدم، وهو موقف مفهوم ومنتظر
من رئيس الجمهورية كدعم لقطاع شعبي ووطني حيوي وحث له على تحقيق إنجاز في البطولة،
وأيضا تأكيد للفريق وإدارته على أن الدولة لن تتأخر عن دعمه وأن الشعب يعلق عليه آمالا
لتحقيق الإنجازات.
غير أن المشكلة
الأساسية في ذلك المشهد الذي تكرر ثلاث مرات في عهد السيسي، أنه يمثل حالة استثنائية
من نشاط الرئيس تجاه المجتمع بشكل عام، فلكي يكون هذا الموقف معبرا عن اهتمامات الرئيس
بقطاعات المجتمع المختلفة والحرص على تطوير المجتمع والارتقاء بفعالياته المختلفة،
فإن المنتظر أن يكون هذا السلوك هو ثقافة مؤسسة، وليس مجرد عمل احتفالي أو استعراضي
للتسويق الإعلامي، أو كما يذهب البعض إلى أنه نوع من الاستفادة السياسية من الحضور
الدولي للفريق وبعض لاعبيه.
يصعب أن نستوعب
قيمة تلك المقابلة، أو أن نستوعب أنها ثقافة مؤسسة الرئاسة حاليا، أو توجه دولة، عندما
نتذكر أن الرئيس الذي قابل لاعبي كرة القدم ثلاث مرات في أربع سنوات لم يقابل أساتذة
الجامعة ولو مرة واحدة طوال تلك الفترة، لكي يطلع منهم على هموم أحد أخطر قطاعات الوطن،
وصانعة مستقبله المفترضة، على الرغم مما يعانيه أساتذة الجامعات من مشكلات كثيرة للغاية
خلال السنوات الماضية، ولديهم ـ كما يصلني عبر البريد دائما ـ تلال من الهموم والمشكلات،
بعضها مادية تعرضهم للهوان والإذلال في المجتمع وحتى أمام طلابهم، وبعضها يتعلق بالبحث
العلمي وغياب الدولة عن دعمه، وبعضها يتعلق بالخنق المعنوي الذي تمارسه أجهزة الأمن
التي تتسابق فيما بينها لفرض سيطرتها على الحياة الجامعية وكل حركات وسكنات الأستاذ
الجامعي وحتى تواصله مع مراكز البحث الخارجية والندوات والدورات التي يشارك فيها في
الخارج، وهو خنق مدمر للحياة العلمية وكارثي على الوطن، لم يفكر الرئيس ولو مرة واحدة
في أن يجتمع مع ممثلي الجامعة وليس مع ممثلي الأمن في الجامعة.
أيضا، تمر النقابات
الطبية بتحديات كثيرة خلال السنوات الماضية، خاصة نقابتي الأطباء والصيادلة، ولديهم
ـ أيضا ـ تلال من الهموم، في قطاع يتعلق به مصير ملايين المصريين وأسرهم، لم يفكر الرئيس
مرة واحدة، وليس ثلاث مرات، في أن يلتقي بهم ويسمع شكواهم ويتحاور معهم حول تلك المشكلات
ويسمع اقتراحاتهم ويؤكد ـ أمام كل الأجهزة والإدارات ـ دعمه المباشر لهم وتوجيهه بحل
مشكلاتهم، من أجل تحفيزهم على تطوير خدمات قطاعاتهم التي تقدم لعشرات الملايين من المواطنين.
أنا هنا لم أتحدث
عن السياسة والشأن السياسي، لأن السياسة ماتت تقريبا في مصر، فالجهة الوحيدة التي تتعامل
مع الأحزاب السياسية وقياداتها وكوادرها الآن هي الجهات الأمنية، فالنظام الجديد يبدو
أنه يصنف الأحزاب كحالة أمنية وليس حالة سياسية، ولم يحدث أن اجتمع الرئيس مع قيادات
حزب سياسي مثلا للتشاور وسماع تقديراته للشأن المحلي والدولي، والمشكلات التي تواجه
الحياة السياسية، ولم يحدث أن التقى الرئيس بمجلس نقابة الصحفيين أو المحامين مثلا،
وهما النقابتان اللتان كان يحرص من قبله على الالتقاء بهما بصفة شبه دوريه، لأنهما
نقابتا الرأي العام في البلاد، وترمومتر الحياة السياسية فيها، لم يحدث، بل ترك الأجهزة
تدير عمليات تأديب وهيمنة واحتواء للنقابتين وتهميش دورهما في المجتمع بل وحتى في داخل
القطاع المهني الذي ترعيانه.
ليست المشكلة
في أن يخصص الرئيس وقته لمقابلة لاعبي كرة القدم ثلاث مرات، وإنما المشكلة هي في تلك
الثقافة الاحتفالية التي ندير بها شئون الدولة، ونتعامل بها مع مشكلات الوطن، ثقافة
الصورة والاستعراض، ثقافة اللقطة، وطي الصفحة بعدها.
المصريون المصرية