كما يفعل جميع، او معظم كتاب المقالات الصحفية، فإنني أتابع ما يرد في الصحف من أنباء ومقالات، من باب مواكبة الأحداث، ومن باب استلهام فكرة تصبح مادة لمقال، وفي مطلع الأسبوع الماضي، لفت انتباهي مقال في "عربي 21" يحمل عنوان "محمد صلاح ليس محمد علي كلاي"، للأستاذ أحمد عمر.
قرأت المقال من طقطق لسلام عليكم، وصحت "فكرة المقال مسروقة مني"، بمعنى أنني فكرت في الكتابة حول موضوع المقال، فإذا بأحمد عمر يسبقني إلى ذلك، ثم يجعلني أحس بهزال قدرتي ككاتب صحفي، لأنه طرح الفكرة باقتدار، وبأسلوب شديد العذوبة، يجعل القارئ يحار بين الابتسام والبكاء
وإذا أقوم اليوم باقتباسات بالجملة مما ورد في المقال الأحمدي العمري، فإنني أفعل ذلك لأنني اعتقد أنه يستحق إعادة القراءة، دون أن يعني ذلك أنني أحسب أن إعادة تدوير بعض ما جاء في مقاله قرين اسمي، سيجعله أكثر "مقروئية".
يبدأ الأستاذ أحمد عمر المقال بعبارات مفتاحية، مؤداها أن المخدرات البصرية أسوأ من تلك التي تؤخذ عن بالشم أو الاستنشاق "لأنها تسبب الإدمان، ونحن جميعاً نتناول الحشيش من الملاعب، ومصابون بالإدمان، وسلام الله على الأغنام."
ثم يستعرض لطم الخدود وشق الجيوب الذي أعقب إصابة لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح، الذي سطع نجمه مع فريق ليفربول الإنجليزي، قبل أسابيع قليلة، بعد أن ارتطم به المجرم السفاح (النعتان من عندي) سيرجيو راموس، خلال مباراة على بطولة أندية أوربا بين ليفربول وريال مدريد، "مما أدى إلى انكشاف ظهر أمة ليفربول وربما أمة العرب".
ويمنعني الحياء من الاستمرار في الاقتباس من مقال الأستاذ أحمد عمر، ولهذا سأكف عن ذلك، ولكن بعد أن أعرض له هذه الفقرة كاملة:
"حقدت العرب يوم المباراة في وقعة عمورية الثانية بين الروم والروم، على عدو العرب الأوحد سيرجيو راموس، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالشتائم واللعنات، كأن راموس شيطان رجيم، ونسي العرب إسرائيل وأمريكا (والإخوان المسلمين)، وعمل مذيع النظام الأشهر، أحمد موسى، شرطياً لمرور المشاعر المقدسة، يوحدها، ويوّجه عواطف الشعب العربي والمصري المسجونة، ويحرضهم على كراهية راموس، ويطالبهم بلعنه. فهو استثمار سياسي، وله غلال وطنية وفرعونية وفيرة، ولم أسمعه يدّعي أن راموس من الإخوان، وهذا غريب".
ما يأخذه كل ذي عقل سليم وفكر مستقيم على من نصبوا سرادقات العزاء في فقد ميادين الكرة لخدمات محمد صلاح القومية، ضمن منتخب مصر في أم المعارك/ كأس العالم في روسيا بعد أيام قليلة، هو حالة الانسطال الوبائية بكرة القدم، وجعل الانتصارات فيها على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، أكثر أهمية من الحرية والتنمية البشرية والاقتصادية إلخ.
والأمر الآخر، هو أن حالة الحزن المقيم، للفقد الأليم لمحمد صلاح في ميادين كرة القدم، يذكرنا بتقليد عام في حياتنا أخذناه عن مصر يوم كانت رائدة في العديد من المجالات، والمتمثل في صنع صنم واحد في كل مجال: الأدب والسياسة والرياضة والعلوم والطبخ، فجمال عبد الناصر زعيم الأمة، وطه حسين عميد الأدب، وأحمد شوقي أمير الشعراء، وأم كلثوم كوكب الشرق، وحافظ إبراهيم شاعر النيل
وهكذا صارت فيروز سفيرتنا الى النجوم، وصار هناك شاعر للجبل وآخر للجبلين، ورابع لـ"الوادي" ولمع نجم الملاكم نعيم سعيد في بريطانيا، فصار بطلا عربيا لأن والداه من اليمن.
ولا شك في أن ناديي الزمالك والأهلي يحظيان بجماهيرية لم يحظ بها من حكموا مصر منذ خمسينات القرن الماضي مجتمعين، وعندنا في السودان قد يغيِّر المواطنون ولاءاتهم السياسية بل حتى الزوجية، ولكن الولاء لناديي الهلال والمريخ لا يتزعزع، وقس على ذلك في الدول العربية ومثيلاتها من الدول الفاشلة، أو التي في طريقها إلى الفشل.
ولا شك أيضا في أنه من حق المصريين والعرب عموما أن يفخروا بنجومية محمد صلاح المستحقة، فهو لاعب كرة فنان يعزف بقدميه أعذب الألحان، ولكن وبلا أدنى شك فإنه ليس أيقونة بأي معيار، وليس – كما قال الأستاذ احمد عمر- في قامة محمد علي كلاي، صاحب المواقف السياسية والإنسانية المشهود لها في جميع الأمم، ثم أنه "عيب" أن يكون أمل أمة كاملة معقودا على شخص واحد سواء في السياسة أم الرياضة أم الأدب أم الطب أو أي مجال.
هل تريدون دليلا قاطعا وساطعا على أن إصابة محمد صلاح، بسبب تحرش راموس به صار قضية قومية؟ جاء السؤال التالي قبل أيام في امتحان مادة قانون العقوبات بكلية الحقوق بجامعة دمشق، للسنة الأولى: تسبب سيرجيو راموس بإصابة محمد صلاح، خلال نهائي أبطال أوروبا 2018، وبطبيعة الحال لا يمكن مساءلة راموس على فعله هذا من الناحية الجزائية، وذلك لعلة توافر أربعة شروط تجعل باجتماعها استعمال العنف مبررًا في الألعاب الرياضية، عدد هذه الشروط".
وأنا لن أفسِّر، وأنت عزيزي القارئ لن "تُقصِّر" وبالتالي أترك لك أن تستنتج ما يعنُّ لك من استنتاجات.