انعقدت بالأمس القريب القمة العربية التاسعة والعشرون التي جمعت قادة وممثلين عن الدول العربية من أجل مناقشة الراهن العربي وبحث الأوضاع المشتركة وغيرها من الشعارات التي سئمتها الجماهير العربية منذ تأسيس الجامعة العربية نفسها. القمة تنعقد في سياق واقع عربي مشتعل على كل الجبهات بل وتشهد الدولة المضيفة أي السعودية أزمات كبيرة وتحولات محورية في الداخل والخارج.
لكن رغم كل ذلك مرت القمة على الجماهير العربية مرور الكرام ولم يكد يلتفت إليها أحد لولا بعض التهريج اللفظي الذي صاحب كلمة الرئيس الانقلابي المصري وخلطه بين الصواريخ البالستية والبلاستيكية.
القمة نفسها كانت موضوع تهديدات لمكان انعقادها وهو ما دفع المنظمين إلى تحويل المكان من العاصمة الرياض إلى منطقة الظهران من أجل تفادي صواريخ الحوثي. لكن المشاكل الأساسية التي طغت على القمة لم تكن تتعلق بالمضمون وبالقضايا المطروحة والتحديات المشتركة كما تعلن عن ذلك عادة البيانات الختامية لهذه القمم.
كانت القضايا المتعلقة بالشكل مثل مكان الانعقاد وعدد الحضور وطبيعتهم وسياق الانعقاد والملفات المسكوت عنها أهم بكثير مما طُرح ونوقش خلال القمة. لقد فرضت الدولة المضيفة إلغاء الملفات الحارقة من تهويد للقدس وصفقة القرن والحرب في اليمن وحصار قطر وثورات الربيع العربي واكتفت بالتركيز على التهديد الإيراني باعتباره الملف المحبب للنظام في السعودية.
لقد تعمدت القمة إذن إغلاق الملفات الحارقة ونبش الملفات الفارغة أو الإيهام بجدية الملفات المرفوعة والمطروحة للنقاش وهو ما يسمح بإبداء جملة من الملاحظات الهامة :
ليست القمة العربية الأخيرة إلا إعلانا آخر عن نهاية ما يسمى العمل العربي المشترك باعتباره أكذوبة بالغ النظام الرسمي العربي في الترويج لها
إن العزوف عن تتبع القمة العربية وعن تتبع أشغالها يكشف بوضوح التطور الحاصل في الوعي العربي الجماهيري بعد موجة الثورات بأن أصبح الفرد العربي مدركا لكون هذه القمم لا تمثل في الحقيقة مشاغله ولا تعكس طموحاته وإنما هي ناد خاص للحكام العرب.
ليست القمة العربية الأخيرة إلا إعلانا آخر عن نهاية ما يسمى العمل العربي المشترك باعتباره أكذوبة بالغ النظام الرسمي العربي في الترويج لها.
إن عجز البيت العربي عن حلّ أبسط المشاكل التي تطرح بين أعضائه هو دليل آخر على أن بنية النظام السياسي العربي قد وصلت إلى منتهاها وأن مرحلة جديدة بصدد التشكل والظهور.