في مثل هذا الوقت منذ 5 سنوات ارتفعت درجة حرارة الحيز السياسي في مصر، وكان مقدراً في موعد تالٍ أن تمطر السماء علباً من العصير فوق ميدان التحرير وأن تقوم الطائرات بالتجوال راسمة قلوباً ولم يكن المتظاهرون العاديون الملوحون بالأعلام، يدركون أنه بينما كانت ابتساماتهم تتسع فرحاً بذلك الجو الكرنفالي كانت هناك سحابة سوداء تكشر عن أنيابها وأن صنابير من الدماء على وشك أن تنفتح فتغرق مصر وما حولها.
المعركة وإن كانت في باطنها معركة سياسية بين تيارات أوغر صدرها لفشلها في الحصول على ظهير شعبي يؤهلها للمنافسة السياسية وبين تيار بدا ناجحاً فحصد عدة نجاحات، إلا أنها كانت تخفي خلفها انقلاباً عسكرياً وشيكاً. بعض من استدعوا الدبابات إلى ميدان التحرير وهم يدعون إلى انتخابات رئاسية مبكرة لم يفطنوا إلى ما وراء ظهورهم، وربما لم يفهموا نتيجة التمرد على ما اتفق عليه الجميع من قواعد بعد 25 يناير.
كان الاتفاق غير المكتوب بين الجميع هو أن يعود الشعب إلى مقعد السلطة. أن يعود الشعب حاكماً من جديد وأن يختار حكامه بنفسه. كان التمرد على هذا الاتفاق غير المكتوب والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة يعني إعادة الشعب إلى المربع صفر. إلى زمن ما قبل 25 يناير حيث لم يكن يسمح لك بالاختيار.
وبالتدريج سُلبت الحريات من الجميع, وبدأ العسكر بعد الانقلاب بسلب أول حق اكتسبه الشعب وهو حق التظاهر أو حق الاعتراض ورفع الصوت والرفض. بعض من استدعوا العسكر لم يدركوا هذا في حينه بكل تأكيد، لكن البعض الآخر كانوا يتصرفون وهم يعلمون أنهم يعيدون السلطة للعسكر.
كانت نتائج 30 يونيو كارثية، فقد بدأ الانقلاب بوقف القنوات ومنع التظاهر. ثم كانت رسالة اعتقال وزير الشعب دكتور باسم عودة والذي رفض المشاركة في أول حكومة انقلابية.
ثم جاءت مرحلة رابعة والنهضة. كانت الثورة المضادة الآن تكشف وجهها بلا خجل ولم يتوقف تأثير دوامة 30 يونيو على مجزرة رابعة، فقد ارتكب سفاح سوريا مجزرة الكيماوي في الغوطة في 2013 بعد مجزرة رابعة بأيام ولم يخف على أحد أن هذه كانت صدى لتلك.
لقد سلمت مظاهرات 30 يونيو مصر والمنطقة من حولها لموجة من الكوارث لم تتعاف منها المنطقة حتى الآن. ودفعت سوريا ثمناً باهظاً بلا شك للثورة المضادة في مصر, فما إن ظهر الرئيس مرسي كحليف إقليمي للثورة السورية وبدا الطريق ممهداً لانتصارها في لحظة ما وقف فيها الرئيس مرسي ليقول (لبيك سوريا)، حتى وقع الانقلاب لتهب على سوريا أولى عواصف الثورة المضادة بعد أن اكتسحت ميدان رابعة مخلفة وراءها جثامين عدة آلاف من الشهداء وفالقاً اجتماعياً وسياسياً لم تعد الحياة بعده كما كانت.
ورغم هذه المشاهد الدامية إلا أن الأمر لا يخلو من الفكاهة وأنت تقارن الآن بين تلك العجرفة البادية على وجوه من طالبوا بانتخابات مبكرة قبل 30 يونيو وبين قلة الحيلة البادية على ملامحهم الآن وهم يتابعون التصريحات التليفزيونية لعسكري الانقلاب الذي جاء به تظاهرهم في 30 يونيو 2013.
الباعث على الدهشة حقاً هو إصرار بعض هؤلاء على أن ما فعلوه في 30 يونيو كان أمراً صحيحاً. بل إن بعضهم يتمادى ويطالب المُصرين على شرعية الرئيس مرسي بالتراجع عن موقفهم.
والحقيقة أن التمسك بشرعية الرئيس مرسي (حتى في ظل حالة السكون والركود الحالية) هو الحل الوحيد المتاح للحفاظ على تماسك المعسكر المناهض للانقلاب.
والحقيقة أن أقوى سلاح امتلكه المعسكر الرافض للانقلاب وفي ظل غياب قيادة للحراك هو وجود الرئيس مرسي كرمز والحديث عن التنازل عن شرعية الرئيس مرسي أو محاولة النيل منها بأي طريقة هو دعوة للاستسلام. وهي دعوة لتكرار 30 يونيو من جديد وكأنما لم تكفهم نتائج 30 يونيو 2013.