الندوة العالمية للشباب الإسلامي
كان أول معسكر عالمي للشباب المسلم في أبها بالسعودية، والثاني في قبرص التركية؛ وأنشأته الندوة بمساعدة المؤتمر الإسلامي وصندوق التضامن الإسلامي الذي كان يرأسه في ذلك الوقت الأخ الحبيب الدكتور عز الدين إبراهيم، وقمت بالإشراف على إنشائه واختيار مكانه. وأذكر أن رئيس قبرص الشمالية رؤوف دنكطاش؛ كان خير معين لنا على إنجاز هذا العمل الكبير، وكان صديقا عزيزا.
كانت لنا معسكرات في بلاد كثيرة، منها: قبرص والأردن والسعودية وماليزيا وبنجلاديش وباكستان وتركيا، وغرب أفريقيا ومالي، وفرنسا وبريطانيا.. وقمنا بعمل معسكرات على مستوى إسلامي متميز. وأعتقد أن معظم القيادات الإسلامية الحالية الموجود بعضها في الحكم وبعضها يقود جماعات إسلامية؛ كانت نتيجة لهذه المعسكرات الإسلامية الراقية.
كانت قمة العمل الإسلامي في تركيا في معسكر "جنق قلعة"، حيث طلب منا سليمان ديميريل (رئيس الوزراء ساعتها) أن نقوم بإعداد المعسكر وتنظيمه، فاشتركت الندوة العالمية للشباب الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي في تنظيم المعسكر سنة 1980، بمناسبة بداية القرن الهجري الجديد (1400هـ).
ومن الأمور التي أحب أن أذكرها، أننا أثناء الإعداد لحفل الافتتاح، حضر طلعت آصال (وزير الشباب التركي آنذاك)، وقدم لنا برنامجا؛ نظرت فيه فوجدته كله رقص، فقلت له: من غير المعقول يا طلعت بك أن نحضر لنكون ممثلين لأكبر هيئتين إسلاميتين، والشباب كله إسلامي، ثم يسمح بهذا الرقص في افتتاح معسكرنا. فقال لي: لا تنس يا أستاذ عاكف أننا دولة علمانية. فقلت له: ما جئت للدولة العلمانية؟! ولكني جئت لمسلمي تركيا.. وعندما قلت ذلك، رد طلعت آصال: إن برنامج الأستاذ عاكف هو الذي سينفذ، ولم أوافق على شيء من برنامجهم سوى رقصة عثمانية بالسيوف، وهي رقصة طريفة جدا كلها رجولة فوافقت عليها.
كنا نحاول أن تكون معظم معسكراتنا بالاتفاق بين الحكومات والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وكانت منظمة المؤتمر الإسلامي تشاركنا دائما، وكان الاتفاق مع الحكومات ومشاركتها لنا في العمل؛ يعطينا حماية وتسهيلات كثيرة، وأبرز مثال لذلك كان في تركيا وبنجلاديش.. فعندما كنا في بنجلاديش، كان الشيوعيون قد دخلوا أفغانستان والأوضاع متأزمة جدا بين الحكومة والشيوعيين. وقريبا من ذلك، عندما كنا في تركيا، كان الحزب الشيوعي يقوم بإضرابات ضخمة، فكانت الحكومة توفر لنا الحماية، وكنت - مثلا - إذا سرت في الشارع تحوطني حراسة ضخمة من سيارات وموتوسيكلات.
وأذكر أن وكيل وزارة الشباب في تركيا ويدعى بلجن؛ كان علمانيا لا يصلي، وفوجئت وأنا أنزل العلم في آخر يوم؛ أنه يبكي، وعندما سألته لم تبكِ، قال لي: لأنني سأفتقد هذا النظام وهذا الأدب الذي عشته معكم على مدى 15 يوما. فقلت له: إذا كان هذا إحساسك فلماذا لا تصلي؟ فقال لي: إن شاء الله سأصلي، فأعطيته منبها وسجادة هدية، وقلت له: ضعهما في سيارتك، وإذا سمعت الآذان فصل. وقد جاءني بعد انقلاب سنة 1980، (بعدما تم طردهم من الوزارات) ليزورني هو وطلعت آصال في جدة، وكان لقاء طيبا.
وفي مالي، عندما ذهبنا لنبحث عن مكان نقيم فيه المعسكر، أرسلونا إلى بيت الشباب، فوجدنا البيت مليئا بالمهازل الأخلاقية، فالبنات نائمات مع الشباب بصورة بشعة جدا.. الخ.. فقلت لرئيس المركز: إن هذا يخالف القانون الدولي لبيوت الشباب، فالمفروض أن يكون هناك بيت للفتيات وآخر للشباب. وأخذني وزير الشباب (وكان هو المسلم الوحيد في الوزارة)، وذهب بي إلى مدرسة تم بناؤها بواسطة المجموعة الأوروبية على أرقى مستوى، تصلح لأن تكون جامعة، ولكن القذارة بها لا تتصورها، ولكنها مكان يصلح لأن يكون معسكرا دوليا ممتازا. واستقر بنا الأمر على ذلك المكان، وكانت الحرارة هناك شديدة جدا، والمطر مستمرا، واخترنا العنابر التي سنأخذها، وقام مجموعة من الإخوان بتنظيف المكان نظافة رائعة قبل بدء المعسكر بأسبوع، لدرجة أن وزير الشباب عندما حضر ليرى المعسكر لم يصدق أن هذا هو المكان نفسه.
وفي نهاية المعسكر، كان الأولاد الشيوعيون متربصين بنا لكي يستولوا على كل ممتلكات المعسكر، فأنهيت المعسكر قبل موعده بأربع وعشرين ساعة، وأمرت كل طالب أن يأخذ الأشياء التي قمت بتسليمها له في بداية المعسكر (المرتبة والبطانية والمخدة وسائر هذه الأشياء)، فجنت وزارة الشباب، وثارت لذلك، وكانوا يريدون قتلي، وذهبوا لشكايتي إلى السفير المصري والسفير السعودي. وكان السفير السعودي رجلا عاقلا، فعندما قال لي إن الوزارة ثائرة لأنك سلمت هذه الأشياء للطلبة، بيّنت له الأمور، وقلت له: إنني صاحب الحق في ذلك، وعندي تفويض كامل من رئيس الندوة، ومن منظمة المؤتمر الإسلامي، بأن أفعل ما أشاء.. وهؤلاء الناس فقراء، وهذه الأشياء تساعدهم في حياتهم، وماذا ستفعل بها الوزارة؟! لقد كان سيأخذها اللصوص المتربصون للحصول عليها، وهم لم يؤدوا لنا أي خدمة. وعند ذلك قال لي السفير: جزاك الله خيرا، ونعم الرأي رأيك. ومن وقتها حددوا لي حرسا يسير ورائي حتى ركبت الطائرة ورحلت.
تركت الندوة العالمية
هذه بعض الذكريات عن معسكرات الندوة العالمية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكانت فرصة طيبة جدا امتدت من عام 1977 وحتى 1982 تقريبا.. ثم هبط فيها النشاط بعد ذلك، وكادت تنتهي تماما؛ لأن الحكومات الغربية تنبهت لها، وإذا أردنا أن نقوم بعمل معسكر في مكان ما يقابل بالرفض. وفي الحقيقة، كان أي تحرك أو نشاط عالمي يعقبه محاولة من الأعداء لإحباطه، وبقدر قدراتنا وسرعة تحركنا؛ يكون المكسب أو الخسارة.
وفي عام 1983 تركت الندوة لهذا السبب، ولأنهم بدأوا يسعودونها (أي يحولونها إلى مؤسسة سعودية). وكان الدكتور توفيق القصير أمينا عاما لها، وكان طالبا يدرس في أمريكا، وكنت أستعين به قبل أن يتخرج من الجامعة، فقلت له: يا دكتور توفيق أنا ما جئت للندوة إلا لأنها ندوة عالمية، وليست سعودية، ولكن ما دمتم تريدون أن تسعودوها، فلن أستمر معكم. وللأسف، فقد أصبحت تلك الندوة جثة هامدة؛ كل أعمالها تقريبا عبارة عن نشاطات إغاثية، أما الأنشطة التربوية الإيجابية فقد اختفت، وتركت أيضا المدارس، حيث كنت أعمل في المدارس وأتقاضى راتبي من الندوة، وليس من المدارس. وبدأت أسير في خط آخر، إلى أن ذهبت إلى ألمانيا.
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (25)
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (24)
صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (24)
صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (23)
صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (22)