قدّم الباحث الفرنسي الشهير، أوليفيه روا، قراءة عميقة مهمة للكتاب الجديد
"إعادة تفكير في الإسلام السياسي" للباحثين شادي حميد وويليام ماكانتس، وذلك
في مقالته المطوّلة في العدد الأخير من مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs، بعنوان
"الإسلام السياسي بعد الربيع العربي" (قام بترجمتها لـ"الغد" الزميل
علاء الدين أبو زينة).
ما قدّمه روا محللا الكتاب ومضمونه مهم جدا لنا في العالم العربي؛ كي
ندرك الاتجاهات والتحولات التي تسير من خلالها الحركات الإسلامية، والاحتمالات المتوقعة.
من أهم الجدليات التي يناقشها الكتاب هي تقسيم الموقف من الإسلاميين -عموما- بين الباحثين
والسياسيين إلى اتجاهين رئيسين؛ الاتجاه الأول هو السياقي، الذي يرى في أيديولوجيا
الإسلاميين انعكاسا للسياقات السياسية والتاريخية التي يوضعون فيها، والثاني هو الجوهراني،
الذي يرى أنّ أيديولوجيا الإسلاميين ثابتة، وهم مهما تباينوا فيتفقون في النهاية على
أهداف واحدة.
الكاتب روا وكاتب هذه السطور
ننحاز جميعا إلى الاتجاه السياقي في تفسير الإسلام السياسي ودراسته، وهو الاتجاه نفسه،
الذي يتبنى نظرية الإدماج يؤدي إلى الاعتدال، ونفسه الذي نظّر له الباحث الأميركي المتميز
ناثان براون Nathan Brown، في كتابه المهم When victory is not an option (الذي
ترجم إلى العربية بعنوان "المشاركة لا المغالبة")، ويرى فيه أن أيديولوجيات
الإسلاميين هي أقرب إلى ردود فعل منها إلى أفعال، على السياق الذي يوضعون فيه، فهم
في أغلب الأوقات في حالة دفاع عن النفس ومحاولة حفاظ على الحركة.
المهم أنّ الكتاب يقرأ التجارب الإسلامية بعد الربيع العربي ويقسمها بحسب
الدول، ويرى بأنّ تلك التجارب تؤكّد على الفرضية السياقية وليست الجوهرية، بدراسة مفصّلة
عن حزب النهضة التونسي، الذي بدأ عملية التحول نحو حزب سياسي ديمقراطي، يخرج من رحم
الإسلام السياسي، ويفصل الدعوي عن السياسي، وحتى في مصر يرى الباحثون أنّ العسكر هم
من انقلب على المعادلة الديمقراطية 2013، لا الإسلاميين، بالرغم من أخطائهم.
بالمناسبة مثل هذه النتائج توصل لها كتاب (لا يقل أهمية من وجهة نظري)
سيصدر قريبا عن مؤسسة فريدريش أيبرت في عمّان يتناول آفاق الإسلام السياسي وتحولات
الإسلاميين بعد الربيع العربي (وكان في الأصل أبحاثا ووقائع لمؤتمر إقليمي عقدته المؤسسة
في عمان قبل أشهر قليلة)، إذ يتوصل الباحثون إلى أنّ هنالك اتجاها صاعدا لدى حركات
إسلامية بالفصل بين الدعوي والسياسي، وهو فصل مهم جدا في ترسيم تطوّر الحياة السياسية
العربية والحركات الإسلامية ذاتها لتدخل في مرحلة ما بعد الإسلام السياسي، كما حدث
مع حزب العدالة التركي، فتترك الجانب الدعوي والإسلامي إلى "المجتمع المدني"،
وتتفرغ الأحزاب السياسية للعبة السياسية بصورة محترفة، كما أنّ هنالك اتجاها لتعويم
الإخوان والابتعاد عن الجماعة الأم في مصر، من قبل أغلب الإسلاميين العرب.
هذا التطور نحو صيغة الأحزاب المسيحية الديمقراطية (كما ينظر له في الكتب
الثلاثة؛ إعادة التفكير في الإسلام السياسي، كتاب ناثان براون، وكتاب فريدريش أيبرت)
ليس سلسا أو سهلا إلى هذه الدرجة، وأمامه صعوبات، لكنّ هنالك اتجاها يسير بهذا الخط
الفكري والسياسي، يتكرس مع ثيمة الفصل بين الدعوي والسياسي.
لكن، في الوقت نفسه تطرح تلك المقاربات أسئلة جوهرية، في حال تخلّى الإسلاميون
عن أيديولوجيتهم الإسلامية في جوهرها (إقامة الدولة الإسلامية)، فأيّ هوية سيمتلكون؟
بماذا سيتميزون أولا؟ وثانيا تطرح هاجس من يملأ الفراغ محل الإسلاميين، ويجيب روا على
الأغلب هم الجهاديون الذين يمتلكون نقاء أيديولوجيا مقارنة بالإخوان والإسلاميين الديمقراطيين!
الغد الأردنية