صحافة دولية

فايننشال تايمز: اعتقالات السعودية تسبب الفزع للمستثمرين

بعد حملة مكافحة الفساد تحول المزاج العام من التفاؤل إلى القلق
كشفت صحيفة افايننشال تايمز البريطانية عن حجم "الفزع" الذي أصاب المستثمرين الأجانب جراء "خطوات مكافحة الفساد" التي أقدم عليها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي تمثلت باعتقال أمراء ووزراء ورجال أعمال كبار في المملكة.

وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إن المستثمرين ما زالوا تحت "وطأة الصدمة" من سرعة حملة ابن سلمان والتي شكلت لهم مخاوف كبيرة لدرجة أن أحدهم قال إنه "من الاستحالة أن استثمر هناك فكل المال الذي كان سيدخل إلى المملكة تبخر الآن".

ولفتت إلى تغير مزاج المستثمرين الاجانب بعد تحويل فندق الريتز كارلتون إلى سجن فخم بعدما كان ملتقى للاختلاط بالنخبة السياسية وكبار رجال الأعمال في المملكة.

وفيما يلي النص الكامل لتقرير الصحيفة:

مستثمرو السعودية "يغادرون"  بعد تحويل فندق إلى سجن فخم

حينما كانوا يختلطون برجال الأعمال وبالنخبة السياسية في المملكة العربية السعودية داخل أروقة فندق ريتز كارلتون في الرياض الشهر الماضي، لم يتردد كبار الممولين في العالم في كيل المديح لرؤية ولي العهد محمد بن سلمان لتحديث المملكة المحافظة.

ولكن بعد عشرة أيام فقط، وعلى إثر تحويل الفندق إلى سجن فاخر يحتجز فيه مئات الأمراء ورجال الأعمال الذين ألقي القبض عليهم ضمن إجراءات غير عادية بحجة مكافحة الفساد، تحول مزاج كثير من الأجانب الذين كانوا يفكرون بالاستثمار في أكبر مصدر للنفط في العالم من الحماسة إلى الفزع.

يقول أحد كبار المستثمرين: "نصف من أتعامل معهم محتجزون الآن داخل الريتز، ويريدونني أن أستثمر هناك؟ هذا محال. كل المال الذي كان سيدخل إلى المملكة تبخر الآن."

ما من شك في أن حملة التطهير ضد الفساد، التي استهدفت بعض أغنى الأثرياء في المملكة وكبار رجال الأعمال، بمن فيهم الأمير الملياردير الوليد بن طلال، استقبلت بالترحاب من قبل عامة السعوديين الذين يرونها خطوة طال انتظارها لاستعادة ما يعتقدون أنها مكاسب غير شرعية جناها هؤلاء. إلا أن المستثمرين الأجانب مازالوا تحت وطأة الصدمة التي سببتها لهم سرعة وحجم الحملة التي يشنها الأمير محمد بن سلمان. فقد أثار ذلك المخاوف لديهم إزاء الإجراءات القانونية المتبعة داخل المملكة، وخاصة أن الحملة جاءت بينما كان مدراء المؤسسات المالية الكبرى يدرسون مقترحات للاستثمار في بعض المشاريع الكبيرة التي أعلن عنها ولي العهد، ومنها المدينة التي ستقام بتكلفة خمسمائة مليار دولار في الصحراء.

يقول أحد المستثمرين من داخل المنطقة: "في يوم نكون نائمين في ريتز كارلتون، نشعر بالحماسة لما يجلبه العهد الجديد، وإذا بهم في اليوم التالي قد حولوا الفندق إلى سجن – ما هي الرسالة التي يبعثون بها إلينا؟ نحتاج إلى بعض من الاستقرار."

كشفت فايننشال تايمز النقاب هذا الأسبوع عن أن السلطات السعودية تتفاوض مع نزلاء الريتز كارلتون من أجل الدخول معهم في تسويات، وتقترح عليهم صفقات يدفعون بموجبها ثمن حريتهم. في بعض الحالات تسعى الحكومة للاستيلاء على ما يصل إلى سبعين بالمائة من ثروة المتهمين، بحسب ما صرح به شخصان على اطلاع بما يجري من نقاشات.

تتزامن حملة القمع هذه مع ظروف طال فيها أمد انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي دفع بالاقتصاد نحو الركود، فوجدت الرياض نفسها في مواجهة عجز في الميزانية وصل في العام الماضي إلى تسعة وسبعين مليار دولار.

يشعر الأمير محمد بن سلمان أنه في أمس الحاجة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية حتى يدعم خططه لفطم الاقتصاد عن إدمانه على النفط، ومن هذه الخطط خصخصة أملاك الدولة بما في ذلك شركة النفط أرامكو وإيجاد مئات الآلاف من الوظائف للشباب السعودي في القطاع الخاص. ولهذا يصر المسؤولون السعوديون بأن الحملة على الفساد سوف تحسن من المناخ الاستثماري.

إلا أن ثقة المستثمرين تزعزعت بسبب المخاوف من أن تكون الحملة الحالية جزءا من الجهد، الذي يبذل لإسكات أي صوت يعارض ارتقاء الأمير بشكل سريع هذا العام إلى منصب ولي العهد أو يعارض برنامجه الإصلاحي الطموح.

وكان أداء ولي العهد الكاريزمي في مؤتمر المستثمرين الشهر الماضي، حيث أماط اللثام عن خطط لإقامة مدينة كبرى تعرف باسم "نيوم"، قد حمس المستثمرين الأجانب وعزز ثقتهم بشأن الفرص المتاحة في المملكة العربية السعودية. كما تعهد في المؤتمر نفسه بأن يرفض التطرف، وأن يتبنى إسلاما معتدلا سعيا منه لإغراء مئات المصرفيين والمدراء الذي اجتمعوا في تلك المناسبة ولتقديم صورة جديدة للمملكة.

يقول أحد المصرفيين الغربيين الكبار: "عندما عاد المدير كان يمتلئ حماسة. أما الآن، فهو يتساءل ما الذي يجري هناك بحق الجحيم."


يقول المصرفيون إن المستثمرين بحاجة إلى ضمانات تطمئنهم إلى أن رأس المال الذي سيستثمر داخل المملكة سيكون في أمان. ويقول أصحاب البنوك الخاصة إن المال العربي يتدفق الآن على سويسرا بأسرع معدل له منذ عام 2011 حينما اجتاحت الانتفاضات الشعبية مختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط. فالعائلات المحلية البارزة التي لم تتأثر بعد بحملة القمع تحرص على الحفاظ على أموالها؛ خشية أن تتسع دائرة عمليات التطهير فتشملها.

يقول أحد المصرفيين الآسيويين إن أحد الأثرياء الذين يقرضونه كان يسعى للحصول على "خطاب تطمينات" من الديوان الملكي، أو غير ذلك من الكيانات الحكومية الأخرى قبل أن يدخل في أي مشاريع أو يقوم بإقراض أي من الشركات السعودية.

في العادة يدخل المستثمرون الأجانب إلى السوق السعودية من خلال شراكات يبرمونها مع مؤسسات تجارية قائمة أو مع أمراء حتى يستفيدوا من نفوذهم المحلي، لكي يتمكنوا من تجاوز العقبات الكثيرة التي قد تعترض سبيلهم في الوضع البيروقراطي المعقد.

يقول مدير أحد صناديق الاستثمار المساهمة إنه كان على وشك إتمام صفقة لشراء مؤسسة تورد مواد العناية الصحية، وأن شريكه السعودي رجل أعمال غير بارز ومن غير المحتمل أن تطاله حملة مكافحة الإرهاب، إلا أن المدير قال إن الصفقة ستؤجل وستبقى مجمدة "إلى أن تتضح الأمور ويتبين كيف ستعمل الأشياء من الآن فصاعدا."

ورغم ذلك، يعتقد ناصر سعيدي، وهو مستشار ووزير اقتصاد لبناني سابق، أن الصدمة التي نالت من ثقة المستثمرين، سوف تتلاشى آثارها مع الزمن حينما يسود مناخ استثماري أفضل.

ويقول في ذلك: "يغلب على المستثمرين الآن الانتظار والترقب ليروا ما الذي ستؤول إليه الأمور. ولكن هناك دوما تكاليف على المدى القصير حينما تشن حملة على الفساد، التي هي أمر ضروري ومرحب به. فأنت بحاجة إلى شفافية وإلى أنظمة تجارية نظيفة."