قضايا وآراء

من شبه الدولة نمضي إلى اللا دولة.. "الحصاد السيساوي"

1300x600

أعترف لحضراتكم بأنني لم أشعر يوما بصعوبة في كتابة مقال بمثل هذا المقال. فالأصل في الموضوع الحيادية والموضوعية، خصوصا عندما تقيم مسؤولا أو وزيرا أو رئيسا أنت في خصومة مع نظامه، فما بالكم وأنا أتعرض لسرد واقعي وكشف حساب لأحد أشهر المكروهين من الرؤساء لدى الشعب المصرى في تاريخ مصر الحديث؟!

 

كشف حساب للفترة الرئاسية الأولى التي قاربت على الانتهاء، وقبل فترة رئاسية جديدة يمضي إليها الجنرال "سيسي"

أتحدث في مقالي هذا عن كشف حساب للفترة الرئاسية الأولى التي قاربت على الانتهاء، وقبل فترة رئاسية جديدة يمضي إليها الجنرال "سيسي" من خلال هيئة وطنية للانتخابات، وقد دشنها أخيرا، مهمتها الوحيدة الطهي الآمن لهذه المسرحية المرتقبة، في دلالة واضحة لعقد "الفوبيا السيساوية".

لنبدأ في إحصاء جانبا بسيطا من الحصادر المر والحديث عن العلقم: 

- فشل تفريعة قناة السويس الجديدة، وأصبحت مليارات المصريين في مهب الريح، بل وتراكمت الديون على القناة الأصلية، فالمشروع بضمان البنك الدولي.. كل ذلك من أجل فقط رفع الروح المعنوية، كما صرح في أحد أشهر خطاباته التي نتابعها ونفهمها بالكاد. ألهذا الحد نحن أباطرة وأغنياء؟!

- أين الوحدات المصرية الإمارتية (داماك) التي قد أعلن عنها في بداية فترته الرئاسية؟

- أين مليارات المؤتمر الاقتصادي؟

- أين المليون ونصف فدان؟

- أين السياحة؟ برغم إقامته خمسة مؤتمرات للشباب قيل إن أحد أهم أهدافها الجذب السياحي؟.. فمتى ستأتي السياحة، مع إنفاق مئات الملايين من أجل مكلمة واستعراض لعُقد النقص، وخطابات موجهه للمصريين؛ تارة تهديد ووعيد وتارة أخرى نرى دموع التماسيح؟

- أين القضاء على الإرهاب الذي كان محتملا فأصبح منتشرا؛ بفضل إدارة كارثية من جيش أسكره الاقتصاد بعد أن احتل السياسة، وشرطة هي أسد باطش جبار على المواطنين ونعامة أو دجاجة في مواجهة الإرهاب؟

- لقد ارتفع الدين الخارجي ليصل إلى 81 مليار دولار الآن، وبنهاية الفترة الرئاسية يكون قد اقترب من 87 مليارا، ودين داخلي يبلغ 2.3 تريليون جنيه، وسيصل إلى 5.3 بنهاية هذة الفترة.

- التفريط في تراب الوطن جزيرتي تيران وصنافير للكفيل السعودي.

- التفريط في حقول الغاز لقبرص واليونان، والتنازل عن الحقوق التاريخية لمصر في المياه باتفاق الخرطوم، وأصبح الجميع مُهددا بشبح العطش.

- الموافقة والشروع في تنفيذ صفقة القرن بسيناء. ومن أجل ذلك تُمارس أحط وأوضع الآليات المافياوية الممنهجة للإخلاء الكامل لأهالينا من هناك، من أجل الإسراع بالتنفيذ كرشوة للمجتمع الدولي لغض البصر عن ما يحدث من قمع وحبس واعتقال وقتل خارج القانون واختفاء قسري.

- الإتيان بمجلس شعب؛ برعاية وصناعة الأجهزة الأمنية، حاملا لأختام الصك والموافقة على أسوأ تشريعات ومشروعات للقوانين في تاريخ الحياة النيابية في مصر.

- تفصيل قانون لاختيار رؤساء الهيئات القضائية لضمان التطويع الكامل لها، في عصف بأي استقلالية، ولتتحول السلطة القضائية إلى تابع للسلطة التنفيذية.

- تفصيل قانون لعزل رؤساء الأجهزة الرقابية (معروف شعبيا باسم قانون جنينة)، كي يتحول رؤساء تلك الهيئات إلى عرائس ماريونت في يد الجنرال المتغطرس.

- تحول جغرافيا مصر إلى أماكن ملتهبة (سيناء - الواحات - الحدود مع السودان – الصعيد)، والفتن الطائفية، والحكم لأهل الفته والفتنة، وجلسات المصاطب العرفية، وسط غضب يملأ الصدور ودهس للقانون بالأقدام.

تحولت المؤسسات الدينية من أماكن للعبادة إلى مباني ممسوخة وُصمت بعار التملق والابتذال؛ لتقديم فتاوي تحظى بالرضا الجنرالي لشرعنة الاستبداد والقمع، وخروج لرجال اللا دين من وقت إلى آخر للتبشير عن الرضا الآلهي للعارف بدين الله "سيسي".

- أصبح الإعلام الحكومي والمستقل هو إعلام الفكر الواحد، والصوت الواحد، والرأي الواحد، لتبرير الفشل والتدني والسقوط، ونسج القصص عن مؤامرات كونية فكاهية على مصر والجنرال؛ الذي اختزل مصر في شخصة، وسط حجب أكثر من 500 موقع الكتروني لتحتل مصر الصدارة في الدول حجبا للمواقع وبطشا بكل صاحب رأي حر، لدرجة تحول كل أصحاب الآراء الحرة لسجناء تحت الطلب.

- أصبحت مصر أكبر "حكول" لشراء الأسلحة الراكدة التي ليس لها أي قيمة، فقط من أجل تسويق ورعاية للنظام، وضمان الفيتو الفرنسي أو الروسي وقت العوز.

- لا توجد إحصائية دقيقة إلى الآن عن معدل الاقتراض الخرافي بفوائد لا تصدق على كاهل الأجيال القادمة، وأيضا من أجل الشرعية النظامية، والتسويق لنظام ساقط دستوريا وشعبيا وأخلاقيا من فرط تدنياته وسقوطه.

- وأحدثكم عن السجون التي دشنت وشيدت مقرات جديدة لها منذ أن جاء هذا السيسي.. 19 سجنا (فيها أكثر من 70 ألف معتقل من خيرة شباب مصر)، وفي المقابل لا أتذكر أن هناك مدرسة أو مستشفى واحدة تم بناؤها في عهده المظلم. لا أتذكر، وليس للتذكر قيمة، فقد قال نصا بآخر زيارة له لفرنسا: "معنديش تعليم، ولا علاج، ولا إسكان، ولا توظيف، ولا وعي؛ باعتراف منه شخصيا بالفشل الذريع خلال فترته الأولى، فإلى ماذا ستأخذنا بفترة حكمك الثانية؟

 

لو نظرنا نظرة أخيرة إلى وضع ومكانة مصر الدولية على يديه، فقد تقزمت وتدنت لدرجة لم يكن أشد المتشائمين يتخيلها

- ولو نظرنا نظرة أخيرة إلى وضع ومكانة مصر الدولية على يديه، فقد تقزمت وتدنت لدرجة لم يكن أشد المتشائمين يتخيلها، فقد وصلت إلى الحضيض، بالإضافة لهزل نزول من هم على طائرته الرئاسية كي يستقبلوه، ومعهم أعضاء البعثات الدبلوماسية في العواصم التي يجوبها ليل نهار؛ محققا رقما قياسيا للزيارات الخارجية من أموال الشعب "الفقير أوي".

- وقبل أن أنهي مقالي، تدور الآن الحملة الميمونة في مؤسسات المحروسة لإجبار العاملين للتوقيع على استمارة "علشان تبنيها"، في تهديد واضح للمواطنين في أرزاقهم وأكل عيشهم.. تخيلوا "عشان يبنيها".. الاسم فقط أحد المساخر لما قد فعلوا بمصر!

هذا جزء مختزل من حصاد مؤلم ومرير وبائس لفترة حكم "السيسي" الأولى. وقد تحولت مصر فيها من دولة إلى شبه دولة، ونمضي معة إلى فترته الثانية؛ ليصل إلى ما يخطط له بأن تتحول شبه الدولة إلى "اللا دولة". فإلى متى سنبقى صامتين؟؟