كتب المسؤول السابق في البنتاغون والباحث في معهد "أمريكان إنتربرايز" مايكل روبن، مقالا عن الحسابات المخطئة للأكراد، وإساءة تقديرهم للموقف الأمريكي.
ويقول روبن إن "
الأكراد صوتوا في الأسبوع الماضي، وكما هو متوقع، لصالح الاستقلال، لكن بحماس أقل مما فعلوه قبل عقد من الزمان، وبالرغم مما تحدث عنه القادة الأكراد فيما يتعلق بحرية تقرير المصير، إلا أن الحكومة الأمريكية وقفت بشكل كامل ضد التحرك الكردي، ووصف وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الاستفتاء بغير الشرعي، فيما بدأت تركيا وإيران والعراق بسلسلة من العمليات الانتقامية ضد حكومة إقليم
كردستان اقتصاديا وبطرق أخرى، بشكل بدأ فيه الأكراد يشعرون فيه بأن الجميع تخلى عنهم".
ويضيف الكاتب: "بعيدا عن تعليق الرحلات الدولية إلى كردستان
العراق، والسيطرة على الحدود الدولية إليها، وإمكانية إغلاق تركيا خط تصدير النفط، وقيام قوات القدس الإيرانية بالتصرف بطريقة عنيفة، فإن السؤال الأوسع الذي يجب على قادة الأكراد مواجهته في هذه الساعة من الأزمة الدبلوماسية، هو السبب الذي قاد القيادة الكردية إلى إساءة فهم المزاج في العاصمة الأمريكية واشنطن".
ويشير روبن في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "التحذيرات الأمريكية كانت واضحة أثناء التحضيرات للاستفتاء، بأن الأكراد لن يحصلوا على دعم واشنطن، حيث أصدر البيت الأبيض ووزارة الخارجية والدفاع كل على حدة بيانات حثت الأكراد على عدم التعجل، وتأجيل الاستفتاء أو إلغائه، وعبرت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) في مواقف خاصة عن إحباطها من المسؤولين الأكراد".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم هذا كله، فإن المسؤولين في الإقليم قاموا بإخبار الأكراد والصحافيين الأكراد أن البيانات التي تعارض الاستفتاء هي شكلية، وأنهم حصلوا خلف الكواليس على ضمانات أمريكية، ولم يكن هذا سوى تعلل بالأماني، وفي أسوأ الأحوال كان كذبا".
ويتساءل روبن عن السبب الذي أدى إلى هذا الانفصام، و"بملايين الدولارات التي أنفقت على جماعات الضغط للحصول على دعم أمريكي لخطوتهم، فكيف لم تفهم القيادة الكردية وممثلوها الموقف والسياسة الأمريكية؟".
ويقول الكاتب إن "على المسؤولين في أربيل التوقف عن لوم إدارة
ترامب، ولم تكن إدارة برئاسة هيلاري كلينتون لتتصرف بطريقة مختلفة، رغم الخلافات الحزبية في واشنطن، ومن أجل فهم فشل الأكراد في تقييم السياسات الأمريكية، فإنه من الضروي أن يقوموا بمراجعة ذاتية للطريقة التي يتعاملون فيها مع السياسة الأمريكية ويديرون فيها الدبلوماسية".
ويعتقد روبن أن هناك ثلاثة أسباب قادت إلى سوء قراءة حكومة إقليم كردستان المزاج السياسي في واشنطن.
ويلفت الكاتب إلى أن "الأول هو ثقافة الفشل السياسي لحكومة كردستان، حيث كانت القيادة وممثلوها في غالب الأحيان غير عابئة بأهمية الخلافات الصادقة، وظلت تنسب الحقد والضغينة إلى المعارضة، وترفض الأصوات الحقيقية الناقدة، وتقول إنها تتلقى دعما من الأعداء، بالإضافة إلى أن القادة الأكراد خلطوا بين النقد الموجه للمسؤولين السياسيين وذلك الموجه لكردستان العراق، مع أن كردستان ليست
بارزاني والعكس غير صحيح، وعلى القادة الأكراد ألا يقعوا في المصيدة، والتصنيف بين من يتبع وجهة رأيهم بشكل كامل، ومن يصنف على أنه عدو بسبب خلافه معهم، ولا يستحق في هذه الحالة النقاش أو الاهتمام، فالقوائم السوداء، التي تحتفظ بها السلطات في أربيل والممثليات في الخارج، التي اعترف بوجودها المسؤولون الأكراد، وكذلك في الجامعات العامة، وتلك التي تعد خاصة بشكل اسمي، تعطي صورة عن قلة ثقة وانعدام الحرفية، فالقوائم السوداء هي ممارسة مرتبطة بالأنظمة الديكتاتورية لا بالأنظمة الديمقراطية، كما أنها لا تعكس إرادة الذين يلتزمون بها ولا تنفعهم، حيث تضيق من مسار الاتصال وتمرير الرسالة إلى الجمهور الذي يهم، وقد يختلف مع القيادة الكردية، لكنه منفتح على الحوار".
ويبين روبن أن "السبب الثاني يتعلق بمن تعتمد عليهم حكومة إقليم كردستان، فمعظم الذين تتعامل معهم الحكومة إما يتلقون رواتب مباشرة منها، أو يتعاملون معها تجاريا، أو من أحزابها السياسية المهيمنة، أو من السياسيين المؤثرين، وبطريقة واعية أو غير واعية فمن لهم علاقات مادية مع حكومة إقليم كردستان، ويريدون الحفاظ على صلاتهم معها، عادة ما يخبرون قيادتها بما تحب أن تسمعه منهم، وفي بعض الأحيان يحاول الآخرون التقرب منها عبر مهاجمة من لا تحبهم القيادة، وسمحت مراكز البحث الأمريكية، وتلك التي تتلقى الدعم من حكومة إقليم كردستان، للممثلين الأكراد بإملاء من يدعون إلى المناسبات، بل حذف الأسئلة التي تعد ناقدة بحضور القائد الفعلي للإقليم مسعود بارزاني، وحاولت حكومة إقليم كردستان بدورها إدارة الدراسات وما تحتوي عليه من أجل التحكم في نتائجها، ودراسات كهذه ربما منحت كردستان عناوين أخبار جيدة، لكنها على المدى البعيد لا تخدم المصلحة الكردية، بل إنها تقنع القيادة الكردية بأن المديح الذي تحتوي عليه هذه الدراسات يعبر عن رأي عام".
وينوه الكاتب إلى أن "السبب الثالث هو أن الخبراء الذي يزورون أربيل وليس بغداد والعكس، عادة لا يحصلون على منظور متوازن، أو يتحققون مما يقوله طرف عن الطرف الآخر، فعندما يقوم الأكراد بالحديث عن دورهم في هزيمة تنظيم الدولة واستقبال النازحين، فإنهم ينسون أن الجيش العراقي والمليشيات الشيعية لديها السجل ذاته، وفي السياق ذاته فشلت القوات الموالية لبغداد وتلك لأربيل أمام صعود تنظيم الدولة، لكنها تعافت بعد الصدمة، واستطاعت القتال من جديد، والرواية ذاتها تنطبق على الجانب الآخر، فالكثير من الذين شردهم تنظيم الدولة قالوا إنهم عوملوا جيدا في كربلاء والنجف والسليمانية، فمن السهل تغيير موقف الحكومة الأمريكية، وحتى يحصل هذا فإن على الأكراد التوقف عن مطالبتها بالتخلي عن بغداد، أو مطالبتها بأفكار سحرية حول كيفية حل الاستقلال مشكلات الإقليم كلها، فشيطنة بغداد، والهجوم المبطن على الشيعة، لن يخدما الموقف الكردي".
ويختم روبن مقاله بالقول إن "الأكراد قد يحققون يوما أحلامهم، وأحلام من صوتوا للاستقلال قد تتحقق، لكنهم إن كانوا يتوقعون دعما من الولايات، فبدلا من تجاهل أو شيطنة الرأي الآخر، فإن عليهم التعامل معه، ويجب أن يكون موقف حكومة كردستان قويا بدرجة كبيرة؛ ليجذب المستقلين والمتشككين، بدلا من الذين لديهم مصلحة مادية في تحققه، وببساطة فإن الداعمين المتحمسين لحكومة إقليم كردستان في واشنطن فشلوا؛ لأنهم غلفوا أنفسهم في فقاعة، وسواء كانوا قادرين على التحرر منها أم لا، فإن هذا أمر ننتظر مشاهدته".