هل تنطلق عجلة المصالحة بتوقيع حماس عليها في القاهرة والإعلان عن حل اللجنة الإدارية في غزة؟ وما الذي تغير في معادلة العلاقة الفلسطينية؟ وما حقيقة الدور العربي فيها؟ وهل يتقاطع مع العلاقة مع إسرائيل والدور الأميركي في ما أطلق عليه صفقة القرن؟
تساؤلات تدور في الذهن منذ الاختراق الذي وقع في القاهرة والذي رعته مخابرات السيسي .فهل تغيرت حماس أم تغير الموقف المصري والعربي من عملية التسوية، وما هو مصير هذه الأخيرة في ضوء مراوحتها مكانها منذ سنوات عديدة؟
حماس غيرت ومصر استفادت
لا شك أن حماس غيرت من موقفها تكتيكيا في محاولة لإنهاء الحصار المفروض على غزة من المصريين وإسرائيل وسلطة عباس التي أكملت ضغوط الحصار باتخاذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس سلسلة من الخطوات العقابية ضد قطاع غزة متحججا باللجنة الإدارية ومطالبته بحلها.
إلا أن هذا التغيير جاء برعاية مصر التي تدعم عضو اللجنة المركزية المفصول من فتح محمد دحلان، الذي كان قد أخذ ضوءا أخضر مصريا لفتح جزئي للمعبر وتوريد الوقود لقطاع غزة ردا على وقف عباس توريد القود لغزة ما تسبب بأزمة خانقة في الكهرباء بغزة.
وأدى ذلك لعودة قوية للدور المصري الذي كان بدأ يتلاشى في ظل سطوة الوضع الداخلي وتراجع الاقتصاد المصري وانشغال مصر بملفات أخرى من ضمنها المشاركة في حصار قطر.
ولا شك أن تعزيز العلاقة مع حماس يخدم الدور المصري من خلال محاولة فك ارتباط حماس بقطر وتركيا ويخدم الإمارات أيضا التي تسعى القاهرة لكسب ودها لاستجلاب المساعدات في مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب.
كما أن حماس تشكل رقما صعبا في المعادلة الفلسطينية لا يمكن تجاوزه، ولكنها تعاني وضعا ماليا صعبا في ظل تراجع علاقاتها السياسية مع إيران وتقلص المانحين لها واقتصارهم على الداعمين الأساسيين لها، وهما تركيا وقطر، وذلك في الوقت تتعاظم فيه حاجات قطاع غزة.
تدرك حماس المعادلة على الشكل التالي : القيادة المصرية لا زالت تسعى لتركيع حماس من خلال استمرار حصارها، وتحاول انتزاعها من دائرة التحالف مع تركيا وقطر، ولكنها أيضا بحاجة لها لتحجيم ومحاصرة داعش ومنع هذه الأخيرة من اتخاذ قطاع غزة ملجأ آمنا لها أو منطلقا لتنفيذ عمليات ضد الجيش المصري في سيناء.
ومن هذه الخلفية تدخل دحلان الذي يعمل لصالح الإمارات ويخدم مصر لتخفيف الحصار عن غزة محاولا العودة لها وجعلها منطلقا لمواجهة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتشكيل بديل عنه برعاية دول عربية رئيسية.
تفكيك العداء المصري
وحماس التي تدرك هذه المعادلة تعاملت معها وفق تكتيك تفكيك العداء المصري ومعاكسة ضغوط عباس على غزة، مع عدم الإضرار بعلاقاتها مع تركيا وقطر.
غير أن هذه المغامرة تظل محفوفة بالمخاطر، فمصر تريد جر حماس لمربعها، لتقود عملية العلاقة والتطبيع مع العدو في ظل تسكين حالة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. فها هو السيسي يغازل الإسرائيليين للمرة الثانية في الأمم المتحدة ساعيا لدعم مواقف حكومة نتنياهو التي لا تعد إلا بسلام إقليمي يقدم التطبيع على الحل السياسي للقضية الفلسطينية.
ولئن وافقت حكومة عباس على التحاور مع حماس لإنجاز المصالحة، وحددت موعدا لاجتماع هذه الحكومة في قطاع غزة، فإن ذلك لا يعني بحال حدوث اختراق حقيقي في العلاقة بين فتح وحماس. فمجرد سيطرة قوات الأمن على معبر رفح ستفتح معها مطالبات بضبط سلاح المقاومة ومصادرة السلاح غير الشرعي، وهو ما ترفضه فصائل المقاومة، كما أن ملفات المصالحة كثيرة ومتشعبة ما بين مشكلة الانتخابات وتشكيل حكومة الوحدة وصلاحية هذه الحكومة وسيطرتها على ملفات السياسة والأمن والعسكر، الأمر الذي يعني أنه حتى لو خلصت النيات فإن المصالحة تبقى صعبة دون تقديم تنازلات من كل من فتح وحماس، وهو أمر مشكوك في حصوله بسبب انعدام الثقة بين الطرفين.
محور حماس الإقليمي
من زاوية ثانية أغضبت حماس حليفيها عندما التقى قائد قطاع غزة يحيى السنوار مع دحلان في محاولة لعقد اتفاق معه يتيح تخفيف الحصار عن قطاع غزة. ورغم كل التبريرات التي قدمتها الحركة عبر رسائل زعيمها إسماعيل هنية للقيادتين التركية والقطرية، إلا أن مخاوفهما استمرت من هذه العلاقة مع شخص غير مأمون الجانب ويشكل مخلب قط للإمارات وتآمر على تركيا في محاولة الانقلاب عام 2016 وعلى حصار قطر عام 2017.
وتتشكك الدولتان في مدى قدرة حماس على التعامل مع هذا الشخص الذي يريد الاستفادة من العلاقة مع حماس لتعزيز دوره في المنطقة وليس في غزة وحدها.
لم تكن حماس في وارد التخلي عن حليفيها ولكنها وأمام ضغط الحصار وتآمر عباس عليها وجدت نفسها مضطرة للقاء دحلان في القاهرة دون أن تعطيه نفوذا في غزة، ودون أن تفضله على عباس.
وترى الحركة أن علاقاتها في هذا الإطار لا يمكن التفريط بها لقاء مصلحة مؤقتة خصوصا وأن دور قطر في إعادة إعمار غزة لا تخطئه العين ولا تنافسها فيها أي دولة في العالم.
وتشكل العلاقة بين الدولتين وحماس عامل قوة لهما أيضا في تعزيز دورهما ومكانتهما في المنطقة حتى مع الخلافات حول سبل التعامل مع دحلان.
مخطط تطويع غير ناجع
وترى تقديرات أن المصالحة باتت رغبة أميركية لبسط السلطة الفلسطينية نفوذها في غزة تمهيدا لتأهيل هذه الأخيرة في عملية التسوية القادمة ضمن مخطط السلام الإقليمي (صفقة القرن). ولهذا فإن إطلاق يد دحلان في غزة ستمهد لتغيير في السلطة وإزاحة عباس استعدادا لإنجاز هذه التسوية. ولكن عباس وسلطته يحاولون استباق الأمور، حيث أعلن عن لقاء الاثنين في غزة لحكومة رامي الحمد الله، دون أن يعرف ما إذا كان سيتبع ذلك التراجع عن الإجراءات التي اتخذها عباس ضد غزة.
ويدور الصراع في المنطقة على أساس تهيئة الأجواء لعملية تسوية قادمة، إلا أنه لا يوجد في الأفق ما يشير إلى ذلك، فصفقة القرن التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا تزال مجرد تصريحات، وترمب مهتم أصلا بمواجهة إيران وكوريا الشمالية وجل همه أن يجمع الدول العربية على ما يسمى محاربة الإرهاب.
أما في داخل السلطة الفلسطينية فتدعم دولا عربية دحلان في مواجهة عباس الذي ترى إسرائيل أنه بات يقف عثرة أمام التسوية السياسية. ويناط بدحلان ترتيب الساحة الفلسطينية لعملية تسوية لا تحظى بموافقة من حماس التي يجري محاولة تطبيعها بعد أن فشلت محاولات إنهائها أو إضعافها في الحروب التي شنت عليها.
إلا أن استمرار المقاومة على الأرض الفلسطينية يحبط مشروع التسوية المزعوم، ويخلط أوراق المنطقة التي تعدها دول وزعامات تريد استكمال إحباط الربيع العربي بمحاولة تركيع دول وزعامات لا زالت تغرد خارج سرب الاستسلام للولايات المتحدة ومخططاتها في المنطقة، أو تشكل حالة مغايرة في المنطقة.