أصبح آلاف
المصريين، وربما الملايين، عرضة لسحب
الجنسية منهم في أي لحظة إذا أراد النظام ذلك، بعد إقرار الحكومة قانونا جديدا يسمح بسحب الجنسية من أي شخص إذا أدين بارتكاب اتهامات "مطاطة"، مثل الانتماء إلى جماعة تهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي للبلاد.
وأثار هذا القانون، الذي وافق عليه مجلس الوزراء الأربعاء، حالة من الغضب والارتباك لدى الكثير من السياسيين والنشطاء الذين أكدوا أن أي مصري قد تسحب جنسيته؛ إذا كان ناشطا يعبر عن رأيه أو عاملا يطالب بحقوقه.
وبعد موافقة مجلس النواب على مشروع القانون ومصادقة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عليه، كما هو متوقع، يصبح القانون ساريا، ويمكن للسلطات أن تستخدمه لإسقاط الجنسية عن المنتمين إلى قوى المعارضة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر منظمة إرهابية وفقا للقانون المصري.
حقوق أساسية
وتعليقا على هذا القانون، أكد المحامي والناشط الحقوقي، إسلام مصطفى، أن مصر تعيش الآن أسوأ مراحلها التاريخية على الإطلاق؛ بسبب سياسة القمع التي يتبعها النظام ضد معارضيه.
وقال إن "النظام يقضي بهذه الطريقة على كل صور الحياة الطبيعية في البلاد، وينتهك أبسط قواعد حقوق الإنسان، وأصبح أي مواطن يتجرأ على معارضة النظام مهددا إما بالسجن أو بسحب الجنسية منه ونفيه خارج البلاد"، وفق قوله.
وحول مصير الأشخاص الذين ستسحب منهم الجنسية المصرية أشار مصطفى، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أنهم سيعيشون بدون جنسية أو ما يطلق عليهم "البدون"، وهي فئات موجودة في بعض الدول الخليجية، وهناك بعضهم يعيش في سيناء وحلايب وشلاتين والحدود الغربية، مضيفا أن "هذه الفئات تعامل داخل البلاد معاملة غير المصريين، ولن يحصلوا على أي خدمات يحصل عليها المواطنون مثل التعليم أو الصحة أو العمل، كما يمكن للسلطات أن ترفض إقامتهم في مصر وتطردهم خارج البلاد"، وفق تقديره.
من جانبه، شدد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، على أن الجنسية المصرية ليست منحة من أحد ولا تستطيع أي جهة سحبها من المواطن لمجرد اتهامه بتهم "فضفاضة"، مؤكدا، في تصريحات لصحيفة "التحرير" الخميس، أن هذا القانون يتعارض مع حقوق الإنسان شكلا وموضوعا.
نكاية في قطر!
من جانبه، رأى الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع؛ أن قانون إسقاط الجنسية "ليس فيه مشكلة إذا تم تطبيقه في أضيق الحدود" كما تفعل كثير من الدول، لكن المشكلة في مصر دائما هي استخدام القانون لقمع المعارضين السياسيين والتنكيل بهم"، كما قال.
وأكد ربيع، لـ"
عربي21"، أن "التعديل الجديد على القانون وإجراءات تنفيذه يشوبها عوار شديد؛ لأن المشرع وضع أسبابا مطاطة تجيز للسلطات إسقاط الجنسية عن أي شخص وفق أمور لا يمكن قياسها أو القطع بوقوعها".
ورجح ربيع أن يكون هذا القانون قد صدر خصيصا في إطار التصعيد المصري ضد دولة قطر، مشيرا إلى أن النظام يريد أن يبطش بأي شخص يقف في صف قطر، خاصة شخصيات مثل الشيخ يوسف القرضاوي أو وجدي غنيم، وغيرهما من الشخصيات التي تم رفع اسمها من قائمة الإنتربول الدولي الأسبوع الماضي، "وربما يكون قانون سحب الجنسية من المعارضين هو أول رد من النظام على هذه الخطوة، وقد تتبعه قرارات أخرى في هذا الاتجاه"، على حد قوله.
وأكد المحامي والناشط الحقوقي أمير سالم؛ أنه لو أقام أحد المتضررين من هذا القانون دعوى أمام المحكمة الدستورية فسيتم الحكم بعدم دستوريته وبطلان الإجراءات التي ترتبت عليه، موضحا أن قانون
العقوبات ينص على أن الجريمة يجب أن تكون محددة وواضحة وقطعية "ولا يمكن معاقبة المواطنين بمثل هذه العبارات التقديرية والمطاطة".
هل يمكن استعادة الجنسية؟
وفي المقابل، رأى الفقيه القانوني والدستوري، شوقي السيد، المؤيد للنظام، أن "الجنسية قائمة على الميلاد في الدولة وأساسها الانتماء للوطن وفي حالة اشتراك المواطن في جماعة تعمل ضد الدولة؛ فهو بذلك ينسف فكرة الولاء ويكون مستحقا لسحب الجنسية منه"، بحسب تعبيره.
وأكد في تصريحات صحفية؛ أنه لا يمكن أن يستعيد الشخص جنسيته مرة أخرى، طالما سحبت منه بحكم قضائي، إلا إذا أتاح القانون الجديد تلك الإمكانية ووضع لها شروطا وإجراءات.
من ناحيته، أوضح الفقيه الدستوري نور فرحات أن الدستور منح المشرع سلطة تنظيم التجنس فقط، أي منح الجنسية المكتسبة، وليس سحب الجنسية الأصيلة.
مخالف للمواثيق الدولية
كما أكد عضو المجلس القومd لحقوق الإنسان، حافظ أبوسعدة، أن القانون الجديد مخالف لجميع المواثيق الدولية، لا سيما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وأوضح في تصريحات لصحيفة "الشروق" الخميس؛ أن الدستور المصري أقر بأن الجنسية حق لا يجوز انتزاعه، كما لا يجوز سحب الجنسية من الأشخاص كعقوبة على ارتكاب جرائم جنائية.
وأوضح أبو سعدة أن القانون الأصلي الصادر عام 1975 حدد ثلاث حالات فقط يتم فيها سحب الجنسية من المواطن، وهي اتصافه بالصهيونية أو التحاقه بجيش دولة تحارب مصر أو التجنس بجنسية أجنبية دون إخطار السلطات المصرية، مؤكدا أن المجلس القومي لحقوق الإنسان لن يوافق على هذا القانون.