حقوق وحريات

هكذا يعيش رافضو الانقلاب العسكري غربة العيد بعيدا عن مصر

يحرص غالبية المصريين المقيمين في تركيا على صلاة العيد بمسجد السلطان أحمد- فيسبوك
 
 أن تعيش بعيدا عن تراب الوطن فهو أمر صعب قد تتحمله لبعض الوقت، أما أن يمر عليك عيد تلو عيد لا ترى فيه وجوها أحببتها لا يمكنك رؤيتها أو أرضا عشت فيها أجمل الذكريات ولا تستطيع العودة إليها، فهو "مر" و"حنظل" لا يتحمله أحد.

 ويعيش عشرات الآلاف من رافضي الانقلاب العسكري في مصر منذ منتصف عام 2013، الغربة والعزلة والاغتراب في عدد من دول العالم بعيدا عن الوطن، حيث لا يمكن لكثير منهم العودة إلى مصر خوفا من بطش السلطات أو تلفيق الاتهامات أو الزج بهم في السجون والمعتقلات.

فرحٌ يدفع للصمود

يرى الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة ورئيس المرصد العربي لحرية الإعلام، قطب العربي، المقيم في اسطنبول أن "رافضي الانقلاب هم أصحاب قضية كبرى بالأساس؛ وبالتالي تصغر أمامها أي مظاهر أخرى مثل فرحة العيد أو الفرحة بزواج ابن أو ابنة أو أخ أو أخت".

 وأضاف العربي لـ"عربي 21": "ومع ذلك يحرص هؤلاء المهاجرون على أن يعيشوا لحظات الفرح بهذه المناسبات باعتبار ذلك نوعا من المقاومة والصمود لإدراكهم أن سلطة الانقلاب تستهدف أيضا ضرب معنوياتهم ولذلك هم يفوتون الفرصة عليها".
 
وحول كيفية قضاء رافضي الانقلاب يوم العيد في الغربة قال العربي: "لقد خرجنا هذا العيد وقبله الأعياد السابقة لنصلي معا في أكبر المساجد (السلطان أحمد)، ثم التقينا عقب الصلاة وتصالحنا وتمازحنا وتذكرنا أهلنا ومعتقلينا ومطاردينا وتواصينا بالحق والخير والاستمرار في مقاومة الظلم".

 وأضاف: "وتواصلنا هاتفيا مع الأهل في مصر وتبادلتا التهاني بالعيد معهم، والكثير منا كانت لهم أضاحي، نحروا ووزعوا اللحوم على غيرهم، بينما فضل آخرون أن يتبرعوا بقيمة الأضحية لأسر الشهداء والمعتقلين وكانت الأولوية طبعا للأقربين".


غربة قاتلة 

ووصف الأستاذ المساعد بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية، بماليزيا، ياسر محمد، شعوره في عيد الغربة وكيف قضى ذلك اليوم بعيدا عن الأهل والوطن، بقوله: "الوصف غريب والشعور بالوحدة وعدم وجود الأهل والأحباب والأصدقاء سيطر علي طوال اليوم".

 وأكد محمد لـ"عربي 21" أن مشاعر الاغتراب في يوم العيد ذكرتني بشعور من هم في المعتقلات والسجون في مصر وكيف أبعدهم القهر عن أهليهم وذويهم وحرمهم من الفرحة بالعيد؛ وآلمتني تلك المشاعر كثيرا.

 وأضاف: "أعيش وسط مسلمين في مدينة "بندر سري" بماليزيا، ورغم أنني صليت العيد بينهم؛ إلا أنني لم أشعر أبدا بتلك المشاعر الدافئة التي عشتها في مصر بين الأهل والأصحاب والجيران"، موضحا أنه لا توجد أية طقوس أو علامات للفرحة بعيد الأضحى الذي لا يصل لأهمية عيد الفطر لدى الماليزيين، كما أن الدولة تمنح يوما واحدا فقط كإجازة للعيد.

 الرحلات الجماعية

ويقول الكاتب الصحفي، رأفت رجب، إن "العيد بعيدا عن الوطن والأهل بلا طعم ولا لون؛ فهذا العيد السادس لي خارج مصر بعيدا عن أمي وإخوتي وأقاربي".

 وأضاف رجب لـ"عربي 21"، أن "ما يخفف وحشة الغربة هو تجمعات المصريين لصلاة العيد في مكان واحد (مسجد السلطان أحمد باسطنبول)"، مؤكدا أن "هذا هو أحد أهم مظاهر العيد أو تكاد تكون الوحيدة التي نشعر بها في الغربة".

 وتابع: "لكن مظاهر العيد التي نعرفها كمصريين وتعودنا عليها سنين لا وجود لها في المجتمعات الغربية باعتبار تركيا جزءا من أوروبا".

 وأكد أن "المصريين هنا يستعيضون عن الزيارات العائلية التي حرموا منها برحلات جماعية حيث تم تنظيم رحلة عقب صلاة العيد على متن باخرة جمعت مئات العائلات المصرية الذين تبادلوا التهاني وتم إدخال السرور على قلوب الأطفال وتوزيع الهدايا والحلوى عليهم".

 مذاق الألم

 "هذا ما أفكر فيه كلما داهمني ألم الغربة مع توالي الأحداث وتقلب الأيام سواء في العيد أو غيره، إما أن تعيش مقاوما أو تعيش دور المطارد المعزول المكلوم، عليك أن تقرر، وشتان بين الاثنين"، كانت تلك كلمات أحد المصريين المقيمين في تركيا من الرافضين للانقلاب العسكري في يوم عيد الأضحى.

 ويقول (أ.غ) حول غربة العيد بعيدا عن الوطن: "لكل ما نمر به في حياتنا وجهان وأنت من تقرر مع أيهما تتعامل؛ ليس العيد فقط بل كثير من الأحداث التي تمر بهؤلاء المغتربين من رافضي الانقلاب، كزواج أخ أو أخت أو ابن أو ابنة أو فقد عزيز أو غير ذلك".

 ووصف (أ.غ) المصري المقيم بأسرته في مدينة اسطنبول منذ أربع سنوات، مشاعر الغربة يوم العيد بقوله: "سواء كانت أحداثا مؤلمة أو مبهجة، وسواء ذكريات تفقد أو أحلاما جديدة تولد وتنمو وأنت بعيد عن أحبابك؛ كلها تتحول لمذاق واحد هو مذاق الألم، وتحمل معنى واحدا: أنك في غربة".

 وأضاف: "لكن كما قلت في البداية كل شيء له وجهان وربما عدة أوجه؛ ففي الأساس الألم جزء من حياة البشر، كل البشر، ولكن كلما حاول هذا الألم أن يتغول على حياتنا علينا أن نوقفه ونتذكر أنه ضريبة ندفعها برضا دفاعا عن وطن وشرف وأمة وحلم وثورة"، موضحا: "ولقد كان في من سبقنا من دفع أضعافا مضاعفة".

 وتابع (أ.غ) بقوله: "ومن جانب آخر: إذا كان ولابد من دفع هذا الثمن المؤلم فلابد أن يكون العائد يستحق، وهذا العائد لن يكون أقل من كسر الانقلاب ونهضة الوطن مجددا، وهذه كلمات وإن كانت تكتب في جزء من الثانية فإن تحقيقها تبذل في سبيله أعمار بين مقاومة مستميتة على كافة الأصعدة بالتوازي مع تنمية وتكوين وتطوير".

 وأردف: "إذا كان الألم واقعا لا محالة، وبالتالي لابد أن يكون العائد يستحق وهو تحرير وطننا ونهضته، فإن هذا يستوجب عملا دؤوبا، يبدأ عمليا من النظر حولنا في هذا الوضع الجديد والاستفادة من كل ما يتيحه من فرص للتعلم والتطور وإعادة بناء الذات والانفتاح على العالم واستلهام تجارب الأمم وحشد الطاقات خلف القضية المصرية وإعادة تقديمها للعالم وغيرها من الفرص التي تصب في الهدفين (كسر الانقلاب- ونهضة الوطن)".