على الرغم من مرور أكثر من أربعة أعوام على مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 آب/ أغسطس 2013، والتي راح ضحيتها نحو ألف قتيل، إلا أن مئات
المصريين ما زالوا أسرى
الاختفاء القسري أو يقبعون في المعتقلات دون محاكمة، حتى الآن.
وأثار هذا الأمر تساؤلات عديدة حول الأسباب التي تدفع نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لرفض تحديد مصير هؤلاء الأشخاص رغم مرور هذه المدة الطويلة، سواء بإظهار مكان إخفائهم أم بتقديمهم لمحاكمة جنائية؟
وفي ظل غياب أي إحصائيات رسمية، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إنها وثقت أكثر من 400 حالة اختفاء قسري لأشخاص كانوا في الميدان وقت الفض، وأشارت إلى وجود مئات الحالات الأخرى التي لا يعرف مصيرها حتى الآن لكن ذويهم فشلوا في إثبات وجودهم في الميدان.
وظل مئات المعتقلين رهن الحبس الاحتياطي منذ ذلك الوقت، بعد أن أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور تعديلا على قانون الحبس الاحتياطي عام 2014، ألغى بموجبه إلزام السلطات بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا بعد مرور عامين على حبسهم.
وتم تقديم مئات المعتقلين الآخرين للمحاكمة أمام محكمة الجنايات بتهمة التجمهر والتخريب وتعطيل المرافق العامة والاعتداء على قوات الأمن، في محاكمة أكدت المنظمات الحقوقية الدولية، مثل "هيومن رايتس ووتش"، أنها تفتقر إلى أدنى معايير النزاهة والعدالة.
وفي هذا السياق، استكملت محكمة جنايات القاهرة الأسبوع الماضي محاكمة 739 معتقلا من رافضي الانقلاب في قضية فض اعتصام رابعة على رأسهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، والعديد من قيادات الجماعة والإسلاميين منهم عصام العريان ومحمد البلتاجي وعصام سلطان وباسم عودة وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر.
رهائن لدى السيسي
وتعليقا على هذا الموضوع قال المحامي الحقوقي إسلام مصطفى إن النظام الحالي في مصر يتعامل مع المختفين قسريا والمعتقلين، باعتبارهم رهائن أو أسرى حرب، ويتخذهم كورقة ضغط يستخدمها ضد معارضيه أو ضد أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في الخارج.
وأكد مصطفى، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن السيسي يستمتع بوجود هذا الكم الهائل من المعتقلين في سجونه ليقوم بالإفراج عن أعداد ضئيلة منهم كل فترة حينما يشعر بضغوط داخلية أو خارجية بسبب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية أو ملف الحريات في البلاد كي يظهر للرأي العام في صورة الزعيم الرحيم بمعارضيه، وهو الأمر الذي فعله عندما اتخذ قرارات العفو الرئاسي عن المسجونين في المرة الأولى والثانية.
وتابع بأنه على الجانب الآخر، هناك جناح داخل النظام يمارس التهور السياسي والأمني فيقوم بالتصفية الجسدية لأعضاء الإخوان والمعارضين من التيارات الأخرى وقتلهم بدم بارد على أيدي قوات الشرطة، بالإضافة إلى إخفاء مئات النشطاء قسريا ومن ثم تلفيق قضايا الإرهاب للكثيرين غيرهم.
وحول تأثير الضغوط السياسية أو الحقوقية على تحسين ملف الحريات في مصر، استبعد إسلام مصطفى أن ينجح أي ضغط من قبل منظمات حقوق الإنسان الداخلية أو الخارجية في تغيير سلوك النظام الحالي، مؤكدا أن مجال الدفاع عن حقوق الإنسان تم تدميره تماما بإقرار قانون الجمعيات الأهلية الجديد، والذي جعل منظمات المجتمع المدني غير قادرة على الضغط على السلطة أو مراقبتها، كما أن المنظمات الأجنبية لم يعد لها هي الأخرى أي تأثير على النظام لأنه يمارس انتهاكاته دون اعتبار لأي جهة خارجية، متذرعا بحجة محاربة الإرهاب.
"المعارضة تساوي الإرهاب"
من جانبه قال الباحث السياسي عبد الخبير عطية إن حالة حقوق الإنسان في مصر سوف تظل متدهورة لفترة طويلة طالما ظل النظام يعتمد على شماعة "محاربة الإرهاب"، مؤكدا أن النظام أصبح يستبيح كل شيء بدءا من الاعتقال مروراً بالاختفاء القسري وانتهاء بالتصفية الجسدية للمعارضين.
وأضاف عطية، في تصريح لـ"
عربي21"، أن النظام يتعامل مع كل من يعارضه باعتباره إرهابيا يجوز قتله أو اعتقاله دون محاكمة عادلة، وهذا ما حدث مع الآلاف من الشباب الذين تم اتهامهم في قضايا إرهاب أو حوكموا عسكريا أو صدرت ضدهم أحكام بالإعدام ولم يستطع أي شخص، للأسف، أن يعارض تلك القرارات.
وتابع: "الجهات الحكومية التي من المفترض أن تدافع عن المظلومين ليس لها أي تأثير ولا تمارس دورها، ولا يهتم النظام - الذي عين أعضاءها - بقراراتها، مشيرا إلى أن أقصى ما يفعله المجلس القومي لحقوق الإنسان هو زيارة بعض السجون بتنسيق مسبق مع وزارة الداخلية، ثم يصدر بيانات ينفي فيها وجود أي تجاوزات أو حالات تعذيب، أما لجنة حقوق الإنسان في البرلمان فيكفي أن رئيسها ضابط شرطة سابق متهم بالتورط في قضايا تعذيب، وهو ما يؤكد أن النظام يحكم سيطرته الكاملة على الدولة ويعصف بملف الحريات وحقوق الإنسان معتمدا على فزاعة وجود إرهاب يهدد الدولة وتجب محاربته".