يفتح إطلاق "
إسرائيل" قمرين صناعيين، وكذلك إطلاق إيران بنجاح صاروخا قادرا على حمل قمر صناعي ووضعه في المدار، الباب أمام سؤال مهم حول مكانة الدول
العربية ذات الإمكانات البشرية والمادية الكبيرة من
تكنولوجيا الأقمار الصناعية؛ السلمية والعسكرية.
التقاط تفاصيل دقيقة
ومن محطة الفضاء الفرنسية "غويانا"، أطلقت "إسرائيل" أمس، قمرين صناعيين من تصميم وتطوير إسرائيلي؛ أحدهما القمر "OPTSAT 3000"، وصمم "لأغراض المراقبة والرصد، ويزن 400 كيلوغرام"، وفق ما أورده موقع "i24" الإسرائيلي.
وأوضح الموقع أن "وزن القمر الخفيف يميزه عن باقي الأقمار المشابهة، حيث استخدمت فيه تكنولوجيا تصغير متقدمة، طورت من خلال الصناعات الجوية الإسرائيلية".
وأما القمر الثاني، فيطلق عليه "فينوس"، وهو متخصص في "رصد الجوانب الزراعية والبيئية، ويعدّ أهم مشروع لوكالتي الفضاء الإسرائيلية والفرنسية، ويحمل كاميرا خاصة قادرة على التقاط تفاصيل دقيقة وغير مرئية على وجه الأرض".
وأشار الموقع إلى أن "فينوس" "سيصور مناطق ثابتة في إسرائيل (فلسطين المحتلة) وحول العالم، وسيوفر للعلماء عشرات الصور التي ستغطي كل واحدة منها مساحة 760 كيلومترا بشكل يومي".
ويستطيع "فينوس"، وهو مشروع مشترك بين "تل أبيب" وباريس، أن يغطي الكرة الأرضية 29 مرة خلال 48 ساعة، وسيعمل لمدة 54 شهرا، وسيساهم في تمييز التغييرات المتكررة في الغطاء النباتي، والتربة، والشواطئ، والمسطحات المائية الداخلية والغلاف الجوي.
لا يوجد قرار سياسي
وحول أهمية وواقع تكنولوجيا الأقمار الصناعية في الوطن العربي، أكد عالم الفضاء والفيزيائيّ الفلسطيني، البروفيسور عماد البرغوثي، أن هذه التكنولوجيا "أصبحت ضرورة وطنية، وأي دولة لا تمتلك هذه الأداة المهمة تمتاز بوضع استراتيجي وسياسي وإقليمي ضعيف للغاية"، مضيفا: "الدولة التي تسعى إلى أن يكون لها مكانة مؤثرة في العالم، يجب أن تمتلك أقمارا صناعية خاصة بها، وإلا بقيت مستعبدة من غيرها".
وأضاف لـ"
عربي21": "معظم دول العالم التي تسعى للريادة والاستقلال في أعمالها، لديها أقمار صناعية تسبح في الفضاء"، موضحا أن هناك "آلاف الأقمار التي تسبح في الفضاء؛ لأغراض
التجسس والبحث العملي والاتصالات والبث الفضائي والتلفزيوني ومتابعة الأرصاد الجوية وغيرها الكثير".
وأشار البرغوثي، وهو أستاذ فيزياء الفضاء بجامعة القدس، في مدينة القدس المحتلة، إلى أن "الدولة أو الجهة التي تمتلك هذه الأقمار يمكنها -كمثال- معرفة كم تنتج الصين من القمح سنويا، أو متابعة ورصد ومراقبة شخص مستهدف في مكان ما بشكل دقيق جدا ومفصل".
وأعرب عن أسفه الشديد؛ لأن "هذه الصناعة غير موجودة في عالمنا العربي، وبعض الدول العربية التي تمتلك المال يمكنها شراء مثل هذه الأقمار، خاصة الأقمار ذات الأغراض السلمية، بحيث يقوم بتشغيلها شركات أجنبية"، مؤكدا أن الدول العربية "ليس لها علاقة بصناعة تكنولوجيا الأقمار الصناعية".
ونوه عالم الفضاء الفلسطيني الذي سبق أن اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي مرتين، إلى أن "الجامعات العربية بلا استثناء؛ من المغرب العربي وحتى الخليج، لا يوجد بها كليات متخصصة في تدريس علوم أو تكنولوجيا الفضاء، أو حتى تعليم صناعة أو تشغيل تلك الأقمار"، مضيفا: "لسوء حظنا، العالم العربي غير معني بهذه الصناعة الضرورية لمستقبل بلادنا وتقدمها واستقلالها".
سلاح استراتيجي للدولة
وقال: "في الحقيقة، نحن عبيد لشركات تصنيع الأقمار الصناعية؛ لأنه لا يوجد حتى الآن قرار سياسي عربي بضرورة تصنيع هذه الأقمار".
وتابع البرغوثي: "دولة الكيان الصهيوني عندما شعرت بأهمية أن يكون لها أقمار صناعية خاصة بها، قامت باستقطاب مجموعة من العلماء الإسرائيليين وغيرهم؛ من أجل إتقان هذه الصناعة، حتى أصبحت تمتلك أقمارا خاصة بها تدور في الفضاء، وتتجسس بها على العالم العربي، وتوظفها في العديد من الأعمال المهمة والحساسة".
ولفت إلى أن الأقمار الصناعية "تستطيع أن تدور حول الأرض في اليوم عدة مرات، وذلك بحسب مهمة القمر الصناعي، والتي تصل لمئات المرات للأقمار الخاصة بأعمال التجسس، وتسبح بالقرب من سطح الأرض على ارتفاع 70 كيلومترا، وهو ما يمكنها من رصد حركة الجيوش، والتغيير في مساحات الأرض الزراعية، ومصادر المياه، وغير ذلك".
ومضى يقول: "كل شيء من الممكن أن يكون مكشوفا أمام أقمار التجسس التي تمتلكها إسرائيل وغيرها من الدول المتقدمة؛ فالقمر الصناعي عين متفحصة يعمل لصالح من يمتلكه".
وأوضح العالم الفلسطيني أن تكنولوجيا الأقمار الصناعية "هي قوة أمنية وعسكرية واقتصادية وتجارية، وسلاح استراتيجي للدولة التي تمتلكها، خاصة إذا كانت إسرائيل"، لافتا إلى أن التطور في هذا المجال العلمي "هائل وسريع، ويمنح معلومات دقيقة".
ونبه البرغوثي، الذي سبق له أن عمل في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" مدة 5 أعوام، إلى أن "المختصين في علوم الفضاء، والذين يعملون في العالم العربي، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، في حين أن هناك المئات في هذه التخصصات الدقيقة يعملون في العالم الغربي".