قضايا وآراء

من نحن وماذا نريد: منطلقات الحركات الإسلامية تحت المجهر (11)

1300x600
العلاقات الخارجية:

تعتبر العلاقات مع الخارج من أكبر المعضلات التي واجهت الحركات الإسلامية في تعاملها مع العالم بصفة عامة. وينبع تعقيد المشكلة من كون تلك العلاقة غير منضبطة بأدبيات الحركات بقدر ما كانت تحكمها تقلبات السياسة في العالم العربي والإسلامي. فحين تكون العلاقة بين مصر والسعودية على أتم حال، يرفل السلفيون من كلا الجانبين في نعيم مقيم، حتى إذا توترت العلاقات؛ عادت أدوات الإعلام في مصر تلعن المتسلفنين المتخلفين، حسبما تصورهم. 

وبينما وصل مرشح الإخوان إلى رأس هرم السلطة في مصر، يذوق إخوان الإمارات أصناف الجحيم. والأغرب أن ترى الإخوان في الكويت يؤيدون التدخل العسكري الأمريكي لتحرير بلدهم، بينما يعارض الإخوان في مصر هذا المبدأ. وعليه يصعب لوم الإسلاميين في أي قرارات أو مواقف سياسية يتخذونها في ضوء حالة عدم الاستقرار السياسي، بل أزعم والأيديولوجي في عالمنا الإسلامي المعاصر. هل كان أحد يتصوّر أن يأتي زمان تحاكم فيه قطر بتهمة معاداة السامية، وتصنف المقاومة بأنها إرهابية، ويستكتب من ينتسبون لعلماء المسلمين كي يباركوا تلك التوجّهات؟!

هل نتوقع تحولات بنيوية:

يقترح البعض أن تتحول الحركات الإسلامية إلى ما يشبه الشركات التجارية ذات المسؤولية المحدودة، بمعنى أن تصبح قُطرية محلية خالصة. فلا علاقة بين السلفيين في الخليج وباقي العالم الإسلامي، وكل حركة تحمل فكر الإخوان في أي قُطر، لا علاقة لها بمثيلتها في قُطر آخر. وفي المقابل ينادي البعض أن تحدد هذه الحركات حزمة من المنطلقات الخارجية، لتتفق عليها، وبغض النظر عن مآلات هذا الخيار. فأي هذه المقاربات يعتبر الأمثل؟ ويبقى هذا السؤال قائما ربما مع صعوبة الإجابة عليه.

أي علاقة مع الغرب؟

لقد صنفت أدبيات الحركات الإسلامية - بوجه عام - العالم الغربي على أنه العدو، ومصدر المؤامرات التي تستهدف الإسلام وأمته، حتى وإن بدا غير ذلك. ربما طبعت تلك النظرة باعتبارات تاريخية تعود إلى الحقبة الاستعمارية، التي تزامنت مع بروز عدد من تلك الحركات.

وبناء على تلك النظرة التي اقترنت لدى البعض بثوابت الدين، والتصقت بالحديث عن صحة العقيدة وسلامة الولاء والبراء، تجاهلت تلك الحركات الحديث إلى هذا الطرف، بل جعلت مجرد التواصل مع أي مكوناته أو الالتقاء به من أشد أنواع العمالة.

ولا عجب في ظل هذا التصوّر؛ أن يصنف أحد قيادات العمل الإسلامي بأنه عميل لفرنسا مثلا إذا شارك في ندوة هناك، أو يقال إن فلانا مشكوك في علاقته بالأمريكان لأنه حاضر في صالون فكري نظمته مؤسسة بحثية أمريكية!

الأسوأ من هذا أن الحركات الإسلامية في معظمها نظرت للغرب ككتلة مصمتة، وكل لا يتجزأ. فلم تفرّق في مقاربتها بين الحكومات والإدارات الرسمية، وبين الشعوب والمجتمعات، بل لم تحاول التفريق بين الأحزاب التي تتصدر سدة الحكم والأخرى في المعارضة، ومدى اختلاف أجندة كل منهما.

كما لم تسعفها تلك الرؤية لتميّز بقية مكونات ذلك الغرب الحضارية والثقافية والعلمية، إنما عاشوا في وهم أن اللوبي الصهيوني يتحكم في العالم أجمع ويدير مقاليد السياسة والإعلام، وهي مبالغة لواقع ملموس. فلم يحاولوا جسر تلك الفجوة ببناء علاقات مؤثرة مع مؤسسات المجتمع المدني أو النخب الأكاديمية والساسة المنصفين والإعلاميين الموضوعيين، وهم كثر، إذ لا يخلو مجتمع بشري من خير وبقية فطرة صالحة.

الخطاب بين الإسلامي والإنساني:

هل كانت الحركات الإسلامية تتوقع هذا التعامل المنصف الذي يلقاه المسلمون في بعض دول الغرب كإيرلندا وكندا والسويد وغيرها؟ وهل يمكن أن تبني على النجاحات التي حققها كثير من المسلمين في الغرب؟ بالتأكيد ليس مطلوبا ولا مقبولا من الحركات الإسلامية أن تمارس النفاق بأن تجعل لها خطابين أحدهما موجّه للغرب، يختلف عن الآخر الذي تؤمن به في مكنونها. لكن عليها أن تراجع أدبياتها بعمق وانفتاح، لتنتج خطابا معاصرا يفهمه الغرب، دون مناقضة الثوابت الإسلامية، وتربّي أجيالها على هذه الأدبيات التي ستنعكس يوما في ممارساتها. وهناك الكثير من الكتابات التي تناولت قضية تجديد الخطاب بعمق وتفصيل، لكن ينبغي أن يكون مبنيا على فهم المقابل فهما حقيقيا وليس سطحيا.

معيار المصلحة وكتيبة الإنقاذ الغربي:

لا يعني تطوير الخطاب ومحاولة فهم الغرب وتغيير نمط التعامل معه أن تنتظر الحركات الإسلامية في المقابل تحريك هذا الغرب جيوشه لنصرتها إذا ما تعرضت لظلم، أو أنه لن يتعامل مع نظام حكم أتى بانقلاب على إحدى تجاربها السياسية، ومن ثم سيخسر مصالحه الحيوية من أجلها. ستكون هذه - إن حدثت - نظرة عاطفية أو ردة فعل لما ننتقده أعلاه من قصور في الرؤية.

ويجب أن يكون فهم الحركات الإسلامية لتعامل الغرب معها واضحا. هب أننا غيرنا المقاعد حول الطاولة ونظرنا من موقع المقابل، فهل يتوقع أن شعبا ما في دولة إسلامية ما تحكمها حركة إسلامية ما سوف يقيم الدنيا أو يقعدها نصرة لحركة تحرر غير إسلامية في بلاد الواق واق؟! بالتأكيد الجواب الواقعي هو لا.

وعليه فإن الحركات الإسلامية في نظر الغرب شعوبا وحكاما تشبه تلك الحركة التحررية في بلاد الواق واق. وحين يذهب المواطن الغربي إلى صناديق الاقتراع لاختيار قادته، فإن الوضع الداخلي وعلاج مشكلاته المحلية والنظرة المستقبلية هي العوامل المؤثرة في اختيار من يقوده، وليس العلاقات الخارجية. 

فالرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي، وميزانية التعليم، وقطاع الخدمات والإسكان كلها تأتي أولا قبل موقف هذا الحزب المرشح من التدخل العسكري في العراق، أو الاعتراف بالانقلاب العسكري في مصر، أو حتى حل القضية السورية، اللهم إلا بقدر تأثير ذلك على الحد من موجات اللجوء التي بدورها ستؤثر على مجمل تلك الملفات الداخلية سلبا أو إيجابا.