أفكَار

نقد التاريخ الإسلامي.. بين الموقف العلمي والهوى السياسي

صلاح الدين شتمه عرب وأنصفه مؤرخون أوروبيون
جاءت شتائم الكاتب المصري يوسف زيدان، تجاه صلاح الدين الأيوبي، لتثير غضبا في الأوساط الشعبية داخل مصر وخارجها.

وفي لقاء تلفزيوني مع أحد الأذرع الإعلامية للانقلاب في مصر، عمرو أديب، على محطة "one tv"، وصف زيدان، الأيوبي بأنه "واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإسلامي"، على حد تعبيره.

وزعم زيدان أن صلاح الدين الأيوبي اقترف جرائم ضد الإنسانية عندما استأصل التشيع الفاطمي من مصر. واتهم القائد المسلم بأنه لم يحرر القدس، إنما اضطر للمحاربة فيها بعد أسر الصليبيين أخته، وفق زعمه.

ويعد صلاح الدين المولود عام 1138م في تكريت العراقية؛ أحد الرموز التاريخيين للمسلمين، إذ إنه مؤسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز، وقد قاد عدّة حملات ومعارك ضد الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي كان الصليبيون استولوا عليها في أواخر القرن الحادي عشر، وتمكن من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس، بعد أن هزم جيش بيت المقدس في معركة حطين.

"ليست جدية"

من جانبه، رفض الداعية والباحث الفلسطيني بسام جرار؛ التعامل بجدية مع مزاعم زيدان، وقال في حديث لـ"عربي21" إن مثل هذا الموقف يأتي في سياق موجة موجهة من قبل السلطات السياسية تهدف إلى الاستهزاء بالمقدسات والرموز، وذكّر بأن زيدان ذاته سبق أن روج لرواية مستشرقين يهود بقوله إن المسجد الأقصى الموجود في مدينة القدس بفلسطين ليس هو المسجد الأقصى المذكور في القرآن.

وفي رده على سؤال عن شروط النقد العلمي المقبول للأحداث التاريخية، رأى جرار أن "ما فعله هذا الكاتب هو الإهانة والسب، فهو قد مارس عدوانا على الأمة بالتعدي على رمز من رموزها وحضارتها، وهو ما يسقط عنه صفة الباحث الجاد".

وشدد جرار على أن "السب ليس نقدا"، وقال إن "الأمة الإسلامية تميزت بوضع علم أصول الحديث الذي يقصد منه تنقية الخبر من الضعف والعلة، فإذا كان الحديث الشريف لا يزال يدرس هل هو صحيح أو ضعيف، فإنه لا مشكلة بالنقد الجاد المستند إلى منهجية علمية، وليس التفاهة التي يقصد بها استفزاز الأمة"، على حد تعبيره.

النقد العلمي

من جهته، لم يجد الكاتب والمؤرخ المصري، سامح الزهار، حرجا في نقد التاريخ بطريقة علمية، لكنه تحدث عن شروط لضمان موضوعية النقد، مثل طبيعة المصادر التاريخية التي يُعتمد عليها، وسمعة المؤرخ وعلاقته بالحياة السياسية والاجتماعية في الفترة التي سرد تاريخها.

وأضاف الزهار في حديث لـ"عربي21": "هناك مغالطات تاريخية ما زالت بين صفحات التاريخ العربي، لكن تنقية تلك الأخطاء يكون عبر المتخصصين من خلال المؤسسات العلمية حسنة السمعة والمشهود لها بالموضوعية"، على حد وصفه.

ورأى الزهار؛ أن زيدان لم يستعمل "منهجا علميا في تناول الجوانب التاريخية؛ كونه متطفلاً على هذا العلم وليس متخصصا فيه"، كما قال.

وقال الباحث المصري إن هناك نقدا للتاريخ يكون لأسباب موضوعية، وهناك نقد آخر للتاريخ "بشكل مغلوط، وهذا النوع الثاني لا علاقة له بالنواحي العلمية، بل الهدف منه إحداث حالة من اللغط المفتعل لتحقيق بعض الأهداف الخاصة بطريقة لا أخلاقية".

ونبه الزهار إلى أن "النقد التاريخي يمثل حالةً صادمةً في المجتمعات التقليدية؛ لأن التصورات التاريخية الراسخة التي تحكم نظام الوعي العام في العالم العربي هي من نتاج ذلك، وهي من إفرازات الصورة الموروثة عن الأسلاف، خاصة أن المنهج التاريخي قد يقوم على دراسة الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية للعصر الذي ينتمي إليه"، وفق تقديره.

"الهوى السياسي"

أما الباحث اليمني عبد الله القيسي؛ فقد رأى أن "هناك حدا فاصلاً بين النقد العلمي والهوى السياسي، يتمثل في اتساق المواقف العلمية وتناقض مواقف أصحاب الهوى الذين ينقدون أشياء ويتغاضون عن أشياء أخرى"، وفق تعبيره.

وذكر القيسي لـ"عربي21"؛ أن "الشدة في نقد التاريخ  والتعامي عن نقد الحاضر؛ يمثل دليلاً على عدم الاتساق، كما أنه يوقع أصحابه في خطأ علمي آخر، وهو أن تفاصيل التاريخ ظنية الثبوت بينما الحاضر قطعي الثبوت لأننا نعيشه ونتفاعل معه، ولذلك فلا بد أن تكون لغتنا في الظني أخف منها في القطعي، ولكن ما يحدث هو العكس"، كما قال.

ولفت الباحث اليمني إلى التناقض الذي وقع فيه الكاتب المصري يوسف زيدان، حيث إنه "يفرد عضلاته على شخصيات تاريخية يراها مستبدةً، بينما يتفرج ويشجع الاستبداد الذي يراه بين يديه في بلاده".

ونبه القيسي إلى أن من أهم مواصفات النقد العلمي أن يستند إلى مقدمات منطقية وقضايا كلية غالبة الظن، وأن تكون لغة النقد نسبيةً لا مطلقة، إلى جانب أن يكون تفسير الأحداث متسقا وواضحا، على حد وصفه.

من الجدير ذكره أن عددا من المؤرخين الأوروبيين امتدحوا القائد صلاح الدين الأيوبي، فقد كتب المؤرخ الإنجليزي أميروتو أن "صلاح الدين كان أعظم شخصية سياسية وعسكرية عرفها عصر الحروب الصليبية، ليس فقط في بطولته الحربية بل في صفاته الشخصية التي تضعه في القمة بين العظماء والمصلحين في تاريخ العالم، وقد كان مثالاً طيبا في الوفاء بالوعد والشهامة والكرم، وعلى النقيض من صفاته كان يتسم معاصروه من الحكام الصليبيين بأنهم همج وبرابرة"، وفق المؤرخ الإنجليزي.