تستعد تركيا لعرس ديمقراطي جديد يقول فيه الشعب كلمته ليحسم النقاش حول الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وينتظر الناخبون الأتراك يوم الأحد للتوجه إلى صناديق الاقتراع في جميع أنحاء البلاد للتصويت على التعديلات الدستورية التي وافق عليها البرلمان التركي.
الاستفتاء الشعبي الذي سيجرى في نهاية هذا الأسبوع محطة هامة في مسيرة الديمقراطية التركية. ولن يكون ما بعد السادس عشر من الشهر الجاري كما قبله. ومن المؤكد أن نتائج هذا الاستفتاء ستلقي بظلالها على الجميع، سواء ترجحت كفة الأصوات المؤيدة للتعديلات الدستورية أو تجاوزت الأصوات الرافضة لها نسبة 50 بالمائة.
رفض التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي قد يؤدي إلى أزمة سياسية في تركيا، لأن المعارضة ستسعى إلى استغلال الفرصة لمزيد من التصعيد ضد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان والحكومة وحزب العدالة والتنمية، وستطالب بإجراء الانتخابات المبكرة، واستقالة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وجميع أعضاء الحكومة، بحجة أن الشعب التركي سحب ثقته منهم.
نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى أن نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية تتراوح ما بين 55 و60 بالمائة. وإن خرجت مساء الأحد من الصناديق نتائج كهذه يعني ذلك موافقة الشعب التركي على التعديلات الدستورية والانتقال إلى النظام الرئاسي، كما يعني هزيمة جديدة تضاف إلى الهزائم الانتخابية التي مني بها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو.
كيليتشدار أوغلو لم يكن من أقطاب حزب الشعب الجمهوري وقادته البارزين قبل تولي رئاسة حزب الشعب الجمهوري. وتم تلميعه من خلال تسريب ملفات تتعلق بقضايا الفساد ليكشف عنها الرجل أمام الكاميرات ويظهر كبطل أعلن الحرب على الفساد والفاسدين. ثم تفجرت فضيحة جنسية أطاحت بدنيز بايكال ومهدت الطريق لتولي كيليتشدار أوغلو رئاسة حزب الشعب الجمهوري. وتشير الأدلة والمؤشرات إلى ضلوع خلايا تنظيم الكيان الموازي في عملية تسجيل بايكال مع نائبة عن حزبه في وضع مخل، وتسريب ذاك التسجيل إلى وسائل الإعلام.
رئيس حزب الشعب الجمهوري ارتكب أخطاء فادحة في التصريحات التي أطلقها لحث الناخبين على التصويت في الاستفتاء الشعبي لرفض التعديلات الدستورية. ومن أبرز تلك الأخطاء لجوؤه إلى أساليب غير أخلاقية، مثل الكذب والتضليل والمغالطة والتحريض ضد اللاجئين، وقوعه في تناقضات واضحة لا تخفى على الناخبين. وأكدت هذه الأخطاء أنه سياسي يبعد عن المصداقية، ولا يدري ما يقول، ويفتقر إلى صفات تؤهله للزعامة.
ومن الأخطاء التي ارتكبها كيليتشدار أغلو أنه أطلق في الأيام الأخيرة تصريحات حول محاولة الانقلاب الفاشلة، وزعم أنها كانت مدبرة وتحت سيطرة الحكومة التي أرادت استغلالها لاحقا لتصفية الحسابات، إلا أنه نسي أن الشعب التركي لا تنطلي عليه مثل هذه التصريحات حتى لو اجتمع العالم كله على القول بأن محاولة الانقلاب كانت مجرد مسرحية، لأن الشعب التركي رأى الخيانة بأم عينه وعاش تلك اللحظات التاريخية وقدم شهداء من أجل إنقاذ بلاده والدفاع عن إرادته الحرة.
حزب الشعب الجمهوري يبدو متماسكا قبيل الاستفتاء الشعبي، إلا أن مراقبين مطّلعين على ما يدور في كواليس الحزب وغرفه المغلقة، يؤكدون أنه يغلي كالمرجل، وأن هناك أكثر من مرشح محتمل يجوب البلاد منذ أيام بحجة دعوة الناخبين إلى رفض التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي، إلا أنه في الحقيقة يقوم بالدعاية لنفسه، ويستعد لمنافسة كيليتشدار أوغلو. ويأتي على رأس هؤلاء رئيس اتحاد نقابات المحامين الأتراك متين فيزي أوغلو.
ارتفاع أصوات في صفوف حزب الشعب الجمهوري تطالب كيليتشدار أوغلو بالتنحي من منصبه أمر لا مفر منه في حال وافق الشعب التركي على التعديلات الدستورية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل سيقبل كيليتشدار أوغلو أن يتنحى من رئاسة حزب الشعب الجمهوري أم سيختار القتال من أجل الحفاظ على منصبه؟"
كيليتشدار أوغلو لم يجلس على الكرسي الذي يشغله اليوم بفضل جهوده ومؤهلاته، بل هناك قوى أسقطت سلفه دنيز بايكال وأوصلته إلى ذاك المنصب. وبالتالي، سواء أراد الرجل البقاء في منصبه أو قرر التنحي منه، ستكون الكلمة الأخيرة في عاقبته السياسية لتلك القوى التي يدين لها برئاسته لحزب الشعب الجمهوري.