كتاب عربي 21

اغتيال مازن فقهاء والتحصين الأمني الفلسطيني

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
منذ سنوات كتبت كراسا بعنوان "هموم الأمن الفلسطيني"، ووزعته بالآلاف مجانا، وخصصت الأماكن والمجتمعات الحساسة بكمية كبيرة من النسخ. لم يراجعني أحد حول ما كتبت، ولم أتلق أي تعليق، ولم يتطوع أحد لإبداء رأي أو إضافة فكرة ربما قد غابت عني، أو نسيت أن أذكرها. وقد نقل لي أحدهم أنه رأى شخصا يلقي بالنسخ في حاوية القمامة. لم أستغرب ما نقله لي هذا الشخص لأن هناك عداوة بيننا وبين الكتاب وبين القراءة بصورة عامة. علما أن الكراس ناقش قضايا أمنية حيوية وخطيرة، وأوضح الكثير من المسائل الأمنية التي تمس أمن كل فرد فينا.

والكراس متوفر على الشبكة الإلكترونية لمن أراد أن يطلع عليه. وقد كان تقديري منذ أن كتبت الكراس أنه إذا حاز على عشرة قراء فهذا إنجاز عظيم.

الشهيد مازن فقهاء هو آخر ضحايا المخابرات الإسرائيلية في قطاع غزة، ولن يكون الأخير على الساحة الفلسطينية أو اللبنانية أو السورية. والسبب أن ملاحقة الذين يمسون بالأمن الإسرائيلي أو يفكرون بالمساس به يبقون على قائمة الانتقام الإسرائيلي. اغتيال المقاومين أو النيل منهم يشكل مبدأ أمنيا إسرائيليا متفرعا عن مبدأ أكبر وهو المحافظة على هيبة الجيش الإسرائيلي وهيبة المخابرات الإسرائيلية. بالنسبة لإسرائيل، يجب أن يبقى جهاز مخابراتها قويا جدا، ويزرع الانطباع لدى الأعداء بأنه يعرف كل شيء ويستطيع أن يطال أي هدف يشاء في الوطن العربي، وربما أيضا في الدول الإسلامية. لقد طال هذا الجهاز العديد من المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين ووصل إلى إيران، واغتال علماء ذرة، وفي المقابل سمعنا تهديدات عربية وإيرانية بالانتقام، لكننا لم نر فعلا إلا من حزب الله الذي لم يكن رده بمستوى الجريمة الإسرائيلية.

تمكنت إسرائيل عبر السنوات من النيل واغتيال العديد من المناضلين والمجاهدين العرب فلسطينيين ولبنانيين. قتلت قادة فصائل وأسرى محررين، وأناسا لم يكونوا ظاهرين في وسائل الإعلام أو الميدان، ولم يعرف الناس عنهم إلا بعد اغتيالهم. وواضح من قدراتها الاستخبارية أنها لا تهدأ ولا تنام، وإنما تتابع دائما حرصا على أمنها والنيل من الذين تشك أنهم يهددون أمنها. وقد ركزت إسرائيل تاريخيا على أمرين هامين في جمع المعلومات عن العرب وغير العرب وهما التقنيات الحديثة في الرصد والاستطلاع والبحث عن المعلومات، وتجنيد الجواسيس والعملاء.

من الناحية التقنية، تواكب إسرائيل مختلف التطورات التقنية التي يتم استعمالها عالميا، وفي أغلب الأحيان تحصل على هذه التقنيات قبل أن تصل إلى الأسواق إما من خلال الدول المتعاطفة معها أو من خلال جواسيسها الذين ينتشرون على المستوى العالمي بخاصة في مراكز البحث العلمية والمنشآت الصناعية، الخ. وهي تستعمل هذه التقنيات بكثافة في جمع المعلومات عن نشاطات المقاومة العربية، ونشاط الأفراد الذين ينتمون إلى تنظيمات المقاومة. وفي كثير من الأحيان تزرع التقنيات في مكاتب قادة دول وتنظيمات، وفي مكاتب وزراء ومدراء مؤسسات وفي دوائر المخابرات والشرطة وهيئات الأركان، الخ.  

وقد سبق لإسرائيل أن زرعت أجهزة تنصت واستطلاع في دول عربية مثل لبنان والأردن، وزرعت أجهزة في مبان حكومية مثلما حصل في فلسطين في الضفة الغربية وغزة، الخ. إنها تفتش دائما عن وسائل استخبارية جدية وأساليب متطورة من أجل ألا تبقى عمياء بدون معلومات.

من الناحية الأخرى، تركز إسرائيل على تجنيد عملاء لها من كافة فئات المجتمعات لتقف على تفاصيل دقيقة حول الأشخاص والمؤسسات ومختلف النشاطات. وقد نشطت كثيرا في البلدان العربية وتمكنت من تجنيد العديد من الجواسيس من عامة الناس ومن المسؤولين في الوزارات وقيادات الجيش والشرطة والمخابرات. هذا ناهيك عن عملائها وجواسيسها في مختلف دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة.

في بلادنا، تمكنت إسرائيل من اختراقنا بقوة، فاخترقت منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية على مختلف أطيافها، وتمكنت من إحباط العديد من المخططات العسكرية قبل أن يتم تنفيذها. لقد اخترقتنا بقوة إلى درجة أن مؤسساتنا وفصائلنا أصبحت كفا مفتوحا أمام مخابراتها. فقط عجزت إسرائيل عن الإحاطة بالعمليات الفردية التي يقوم بها أفراد ليسوا منظمين.

وقد استعملت إسرائيل نقاط ضعف الرجال العرب لاستقطاب العملاء والجواسيس وهي المناصب والنساء والمال. نحن رجال العرب ضعفاء جدا أمام هذه النعم الحياتية ومن السهل أن نسقط أمامها. إسرائيل ومن معها يهيئون عادة الأجواء الإعلامية المناسبة لأشخاص ترغب بوجودهم في دولهم من أجل استلام مناصب حساسة، وهم يغرونهم أيضا بالمال والنساء. والجميع يعلم كيف أن تسيفي ليفني حصلت على ترخيص ديني بالزنا لاستمالة مسؤولين عرب وفلسطينيين وتجنيدهم لخدمة إسرائيل.

هذا ونحن نعاني من أمراض اجتماعية تضعفنا أمام الأمن الإسرائيلي مثل المفاخرة والمشابهة وحب الظهور، وحب مراقبة الناس والإسهاب في القيل والقال، ونقل الأخبار، الخ. هناك أمراض اجتماعية كثيرة تتمكن إسرائيل من خلالها الحصول على الكثير من المعلومات.

باختصار، نحن بحاجة إلى تحصين أمني. حاولت حركتا حماس والجهاد الإسلامي تطوير قدراتهما الأمنية، وعملتا على متابعة الجواسيس والعملاء، وتحسين أدائهما بالرصد والمتابعة والاستطلاع، ولا شك أنهما أنجزتا أشياء مهمة، وقطعتا شوطا جيدا في التقليل من أعداد الجواسيس والعملاء.
0
التعليقات (0)