مسيحي علماني، يواصل الدفاع عن المسجد
الأقصى وتبني قضية
الأسرى الفلسطينيين التي دفع ثمنها لعامين سجينا.
يصف موقف الاحتلال
الإسرائيلي من المسيحيين العرب بأنه "استعماري"، ويتطابق مع "عقلية الرجل الأبيض الذي يخبر السكان الأصليين بما هو جيد لهم".
وبدت قضية نقل هواتف نقالة إلى أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، أشبه بملاحقات سياسية له معدة مسبقا بروح انتقامية.
عرف بمواقفه المدافعة عن حق الفلسطينيين التواجد في القدس، فقد تحدى قرار حكومة بنيامين نتنياهو في عام 2015، ودخل ساحات المسجد الأقصى رغم قرار نتنياهو بمنع النواب العرب من دخول الحرم الشريف.
وفي شريط مسجل من داخل ساحات "الأقصى"، قال: "أنا هنا لأقول له أنت لا سيادة لك على القدس، ولا سيادة لك على الأقصى، وأنت واحتلالك لا تملكان أن تمنعانا وتمنعا شعبنا من ممارسة حقه في الصلاة وفي زيارة الأقصى".
باسل غطاس المولود في قرية الرامة بالجليل عام 1956، الحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة "نورث وسترن" في شيكاغو، وعلى الدكتوراه في الهندسة البيئية من "معهد التخنيون" في حيفا، نشط في السياسة في مرحلة مبكرة في صفوف "الشبيبة الشيوعية" و"الحزب الشيوعي" و"الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، وكان ناشطا في الحركة الطلابية للطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية، التي اختير رئيسا لها عام 1973.
عمل مديرا لجمعية الجليل التي ساهم من خلالها في تأسيس أول مركز أبحاث علوم تطبيقية عربي في فلسطين المحتلة عام 1948. ويعد أحد مؤسسي صندوق الجليل في بريطانيا، وهذا الصندوق قدم مئات المنح للطلاب الجامعيين العرب.
انتخب عام 1983 عضوا ونائبا لرئيس مجلس الرامة المحلي لمدة خمس سنوات. واختير في عام 2007 من قبل مجلة "الماركر" الشهرية الإسرائيلية ضمن قائمة مائة شخصية مؤثرة.
وأسس بعد عام 2007 مكتبا خاصا للاستشارات الاقتصادية، وأطلق مجلة "مالكم" الاقتصادية التي أحدثت حراكا قويا في قطاع العمل والأعمال والاقتصاد العربي.
وصل غطاس إلى "الكنيست" الإسرائيلي أول مرة في انتخابات عام 2013 عن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي كان انتقل إلى صفوفه مع تأسيسه عام 1995، وشغل مناصب عديدة في هيئاته القيادية.
في 2015، وبعد تحالف القوائم العربية تحت "القائمة المشتركة"، أدرج في المرتبة الـ11 في القائمة التي حازت 13 مقعدا، ليتم انتخابه للمرة الثانية عضوا في "الكنيست" الإسرائيلي.
وشارك في عام 2015 في أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة.
وفي عام 2016، اتهمت القوات الإسرائيلية غطاس بنقل هواتف نقالة إلى أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، وزعم الاحتلال أنه عثر على عدد من الهواتف صغيرة الحجم أثناء زيارة قام بها لسجن "كتسيعوت".
وسارع نتنياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان إلى مهاجمة غطاس واتهام حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي ينتمي إليه بـ"دعم الإرهاب".
إثر ذلك، قرر غطاس التنازل عن الحصانة البرلمانية، وصادق "الكنيست" بالإجماع على رفعها عنه، وذلك بعد يوم من إجراء وحدة "الجرائم الكبرى" الإسرائيلية تحقيقات معه، ما دفع قيادات عربية في الداخل إلى اتهام نتنياهو بفتح فصل جديد من الملاحقة السياسية للقياديين العرب.
واعتقل النائب العربي على ذمة التحقيق، قبل أن تقرر محكمة إسرائيلية الإفراج عنه، ووضعه قيد الإقامة الجبرية لعشرة أيام، ومنعته من مغادرة البلاد، فضلا عن منعه من زيارة المعتقلين في السجون الإسرائيلية لمدة 180 يوما.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، قرر المدعي العام الإسرائيلي تقديم لائحة اتهام تشمل تهمة "الإرهاب" بحق النائب العربي بزعم تهريبه هواتف لأسرى فلسطينيين.
وخضع غطاس لتحقيق في قضية أخرى تتعلق بشبهات حول تزييف وتبييض الأموال والغش، ليرد النائب العربي بالقول إن التحقيق معه هو "استمرار للملاحقة السياسية التي تستهدف تشويه صورة الحزب وسمعته".
إقصاء غطاس
وفي منتصف آذار/ مارس الماضي بدأت لجنة "الكنيست" البرلمانية إجراءات إقصاء غطاس، ونجح الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بزعامة نتنياهو في جمع تواقيع 71 عضوا لبدء الإجراء الذي يجري وفق قانون الإقصاء بادعاء أن التهم المنسوبة إلى غطاس ترقى إلى مستوى "الإرهاب والمساس بأمن إسرائيل ومواطنيها"، بحسب لائحة الادعاء.
وبينما وصف محامو النائب تحرك المدعي العام الإسرائيلي بـأنه "غير قانوني"، أكدت القيادة العربية في الداخل أن توجيه الاتهامات إلى النائب غطاس تمثل ذروة الملاحقة السياسية.
وفي الشهر الماضي، قدم غطاس استقالته إلى رئيس "الكنيست" الإسرائيلي يولي إدلشتين، وقال: "تقديم الاستقالة يأتي بناء على الاتفاق الذي تم توقيعه بين طاقم محاميه وبين النيابة العامّة".
وأكد أنه قدم استقالته من دون أي شعور بالأسف، وأن العمل البرلماني ما كان إلا ساحة أخرى من ساحات العمل السياسي، وأنه سيعود لهذه الساحات بعد قضاء محكومتيه بالسجن لمدة عامين بناء على اتفاق بين محامية والنيابة العامة الإسرائيلية.
وقال: "إن قضيّة الأسرى الفلسطينيّين إلى الآن لم تحظ بالاهتمام الذي يليق بها، وإن من واجبنا تدويلها في ظل الظروف الوحشية التي تمارسها الأذرع الأمنية على أسرانا، والمناقضة لكل القوانين والأعراف الدولية".
وأضاف أنه "منذ دخولي للكنيست في أوائل العام 2013، شغلتني قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وفي الحقيقة نحن لا نفعل الكثير بحقهم سوى ترتيب زيارات لهم والاستماع لمشاكلهم ومعاناتهم".
وخضع غطاس لتحقيق جنائي منذ تصويره عبر كاميرات مراقبة في سجن وهو يقوم بإعطاء مغلفات لأسرى فلسطينيين في كانون الثاني/ يناير الماضي.
وقالت الشرطة إن غطاس "استغل منصبه عضو كنيست حتى لا يخضع لتفتيش جسدي خلال زيارة إلى سجن كتسيعوت العام الماضي، حيث التقى بوليد دقة، وهو أسير فلسطيني يقضي عقوبة بالسجن المؤبد لاختطافه للجندي الإسرائيلي موشيه تمام، في عام 1984، وقتله. والتقى أيضا مع باسل البزرة، الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة تنفيذ هجمات ضد إسرائيل".
لم تمض سوى ساعات على مغادرته سجن "كتسيعوت" في نقطة بعيدة من صحراء النقب، حتى بدأت الحملة الشرسة عليه، التي اكتملت بالقصص الزائفة التي قامت على تسريبات من الشرطة.
وحفلت قنوات التلفزة ومواقع الإنترنت بعناوين صارخة: "نائب عربي في الكنيست في خدمة الإرهاب"، ومعها قصص مليئة بالاتهامات الزائفة، وبأنه هرب إلى داخل السجن "رسائل مشفرة تحتوي على تعليمات للقيام بنشاطات إرهابية".
وخلال المعاناة الكاملة التي عاشها خلال الأشهر القليلة الماضية، تعرض لمعاملة سيئة، وتجاوزت المؤسسات الإسرائيلية في حالته الخطوط الحمر كلها.
سحبت الحصانة البرلمانية عنه، وتعرض للتحقيق، واعتقال وإقامة جبرية في البيت، وفي الوقت الذي واجه فيه أعضاء يهود في الكنيست ووزراء وشخصيات عامة تحقيقات، في حالات مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي والرشوة وقضايا مالية خطيرة في "إسرائيل"، إلا أن أحدا منهم لم يعامل بطريقة قاسية، أو حرم من الإجراءات القانونية.
مع استقالة غطاس، سيتولى منصبه المرشح المقبل في "القائمة العربية المشتركة"، ووفقا للجنة الانتخابات المركزية، المرشح القادم هو جمعة زبارقة، من سكان بلدة اللقية الواقعة بالقرب بئر السبع.
قضية أخرى لا تقل أهمية عن قضية الأسرى والمسجد الأقصى وهي قضية المسيحيين العرب وإجبارهم على الخدمة في الجيش، ويضخم الاحتلال أعدادهم في حين يكشف غطاس أن عدد العرب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي يبلغ من المسلمين 970 جنديا من البدو الذين قامت الوزارة بفصلهم عن بقية الطائفة الإسلامية، و134 جنديا عربيا من الطائفة المسيحية.
ويتبنى غطاس حملة مناهضة التجنيد بالجيش الإسرائيلي مطالبا، البابا فرانسيس الأول، التدخل لمنع إجبار الشباب المسيحي من الانخراط في الجيش الإسرائيلي، لأن ذلك لعب بالنار وشرخ للمجتمع العربي.
غطاس قال إن "إسرائيل" تستغل جو عدم اليقين بين الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط العربي للقيام بتشريعات تهدف إلى تجنيد العرب المسيحيين في صفوف الجيش الإسرائيلي، كما فعلت مع الطائفة الدرزية منذ أكثر من 60 عاما.
في وقت سابق، صوت "الكنيست" على قانون ينص على فرض "تكافؤ فرص بأماكن العمل لتشمل مسيحيين عرب جنبا إلى العرب المسلمين".
وخطورة هذا القانون أنه يخطط لسلسلة من القوانين تهدف إلى فصل المسيحيين (حيث رفض الإشارة إليهم كعرب) من مجتمعهم الذي يشمل أغلبية مسلمة. وسيسمح قانون للمسيحيين العرب بتسجيل جنسيتهم في بطاقات الهوية الإسرائيلية "مسيحي" بدلا من "عربي".
وهو ما دفع الأب ميشيل الصباح إلى السخرية بقوله: "نحن عرب فحسب، وهذا يرجع إلى أزمان بعيدة.. هذا كل شيء.. لن نرضخ لتقسيماتهم".
غطاس لن يكون الأخير في سلسلة الملاحقات السياسية الإسرائيلية للعرب الواقعين في أراضي عام 1948 فقد سبق أن طارد الاحتلال العشرات من بينهم نواب آخرين في "الكنيست" مثل عزمي بشارة التي اضطر إلى مغادرة فلسطين وأحمد الطيبي وحنين الزعبي التي لا تزال تعاني من المضايقات والمطاردات من المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية كافة.
وعلى الأرجح، فإن غطاس سيبقى حالة تحاكى لكيفية القيام بدور وطني في أي مكان كان حتى لو كان سجنا كئيبا ورطبا، تنبعث منه رائحة الكراهية والإقصاء.