لا يكف رئيس البرلمان في مصر عن إدهاشنا بممارساته التي تصدمنا بين الحين والآخر..
وإذا كنا قد احتملنا منه في البداية فضيحة جهله بقواعد اللغة العربية، فإن فضيحة إدارته للجلسات من الصعب تمريرها، ذلك أن الأولى تتعلق بشخصه، أما الثانية فهي تسيء إلى النظام القائم وتفقد مؤسسات الدولة هيبتها واحترامها، وما حدث أمس الأول (الإثنين 28/2) في إدارة جلسة إسقاط عضوية النائب محمد أنور السادات قدم نموذجا فادحا لسوء الإدارة وإهانة المجلس التشريعي. فنحن نعلم أن النائب المذكور كان مستهدفا منذ رئاسته للجنة حقوق الإنسان، وأنه حين فضح قصة الـ18 مليون جنيه التي دفعت في غمرة الأزمة الاقتصادية ثمنا لشراء ثلاث سيارات لرئاسة المجلس، فإنه استفز رئيس البرلمان الدكتور على عبد العال الذي وجدها فرصة لتصفية الحساب المتراكم معه والتخلص منه.
ولأنه اعتاد أن يبلغ النواب أن كل واحد منهم له سجله الذي يمكن أن يفتح للإطاحة به في أي لحظة، فإنه فعلها مع السادات وقالها في نفس الجلسة لنائب آخر (حسام الرفاعي) اعترض على فصل زميله. ولم يكتف بذلك لأنه قرر طرد الأخير من الجلسة، وقبل الطرد قرّعه لأنه تحدث عن أن السادات نائب وطني تم انتخابه بواسطة الجماهير في انتخابات حرة ولا يجوز تخوينه، واعتبر رئيس المجلس أن هذا الكلام بمثابة مزايدة ودرس في الوطنية لا محل له.
وبعد التقريع أنذره بأن لديه مآخذ عليه لم يحن أوان الكشف عنها، ولم تكن رسالة الترهيب والوعيد موجهة إلى النائب وحده، ولكنها بدت موجهة أيضا إلى أي نائب آخر يعترض على أسلوب إدارة جلسات البرلمان.
لم تكن تلك الرسالة الوحيدة المضمرة في قرار إسقاط عضوية السادات، لأن القرار جاء محملا برسائل عدة لأعضاء البرلمان ولغيرهم. من تلك الرسائل ما يلي:
- أن من اعترض انطرد، وهو التعبير الشائع في أوساط المتصوفة، إذ يفترض أن المريد كامل الولاء والانصياع لشيخه. وإذا ما حدثته نفسه بالاعتراض عليه فلا مكان له في "الطريقة". وهو مبدأ التزم به رئيس المجلس الذي طالب الجميع بأن يتصرفوا كمريدين وليس كنواب لهم حصانة وحريتهم في التعبير مطلقة تحت القبة. وقد ذهب أحد النواب (مصطفى كمال الدين حسين) إلى أبعد، حين قال بعد إسقاط عضوية السادات إنهم أصبحوا داخل مجلس تأديب وليس مجلس نواب.
- أنه إذا كانت المعارضة محظورة على الأحزاب والشعب، فليس هناك ما يبرر ظهورها داخل البرلمان الذي يفترض أنه يمثل الشعب.
- أن هناك قاعدة غير معلنة معمول بها في مختلف مؤسسات الدولة خلاصتها أن من يريد أن يستمر في قيادة أو صدارة تلك المؤسسات فعليه أن يصبح جزءا من اللعبة ومتجاوبا مع تقلبات رياحها أما إذا أراد المسؤول أن يستقل بموقفه بدعوى التزامه بالدستور والقانون، فلا مكان له فى الفريق، ومصيره أن يبقى خارج الملعب، وسيكون سعيد الحظ إذا تم الاكتفاء ببقائه في مقاعد «البدلاء»، إذا استخدمنا مفردات النقاد الرياضيين.
إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه السادات من شقين، الأول أنه أخذ الأمر على محمل الجد وتصور أنه نائب عن الشعب حقا ولم ينخرط مع غيره في "اللاعبين". والثاني أنه لم يعتبر من تجربة المستشار هشام جنينة الذي فعلها، فدخل عش الزنابير غير مبالٍ بقواعد اللعبة، فعزل من منصبه وصدر ضده حكم بالحبس وتم التنكيل بابنته التي فصلت من وظيفتها.
بعد الصدمة التي تلقيناها في جلسة الفصل التي عقدت يوم الاثنين، صار التساؤل مشروعا: من الذي سقط في الاختبار حقا، النائب السادات أم غيره؟!
(عن صحيفة "الشروق" المصرية)
1
شارك
التعليقات (1)
أيمن عصمان ليبيا
الأربعاء، 01-03-201712:06 م
نحن في "جملوكيات الموز" أستاذ فهمي ، ومن سقط في الإختبار هو الشعوب العربية ، ولكنها سقطة بعدها قومة بإذن الله