حزب الله في سوريا.. أخلاق العصابة

لم يكن سبب مشاركة جزب الله في قمع السوريين تأييداً للديكتاتور القاتل هو السبب الأهم في إنخفاض نسبة المؤيدين له من العالم العربي بدرجة كبيرة، كما لم يكن الإنزياح الطائفي هو العامل الحاسم في تحوّل الجماهير العربية عن الحزب، فهذان العاملان على اهميتهما إلا أنهما ليسا مستجدين في الواقع السوري، فالأسد كان قبل الثورة ديكتاتورا وفاسداً ومغتصبا للسلطة، وحزب الله لم يخف يوماً طائفيتيه كما أن الطائفية عموماً كانت أحد المتغيرات المهمة في المنطقة منذ بداية القرن الحالي وإن كانت الأحداث في سوريا قد فاقمتها.

سلوك حزب الله وطريقة عمله في سوريا هي ما وضعه في هذا الموقع وقد ساهم هذا الأمر بدرجة كبيرة بتفكيك الأوهام التي صنعها الشارع العربي عن الحزب وسقوط روايته عن المظلومية ودفاعه عن الحق، بالإضافة إلى إصرار الحزب على أن أولويته لا تتمثل بالمحافظة على مؤيديه العرب ولا مراعاة مشاعرهم بقدر ما تنصب على انتهازه الفرصة لتحقيق غايات بعينها.

لقد شكّلت الحرب في سوريا بتقدير دائرة صنع القرار في حزب الله فرصة سهلة لكسب المزيد من الهيبة والنفوذ وتحقيق مكاسب جغرافية في الداخل السوري بما يضعه في مكانة اللاعب الإقليمي، قوة ونفوذ ومشروع جيوسياسي، ولن يحتاج الأمر لتضحيات كبيرة طالما أن الخصم هو أبناء سوريا الذين أنهكهم نظام الأسد بكل أشكال القتل والتنكيل، وطالما أن خسائر حزب الله لا تظهر بشكل واضح على خريطة بيئته الممتدة على مساحة لبنان، كما أنها خسائر يجري تعويضها دائماً في ظل حالة الإستقطاب الطائفي المستعرة في المنطقة.

اتبع حزب الله في سلوكه في الحرب السورية استراتيجية الضرب بلا رحمة واستهداف المدني الأعزل والمرأة والطفل قبل المقاتل، كان ذلك واضحاً من خلال حصاره بلا رحمة لبشر تحولوا إلى هياكل عظمية في مضايا وسرغايا والزبداني وبقين، وقد تعامل الحزب مع السوريين بوصفهم جماعات مختلفة عن بيئة حزب الله وبالتالي لا تجوز عليهم الرحمة، ذلك أن الرحمة شعور وفعل يمارس فقط تجاه من يشتركون معه في العقيدة، انطلاقاً من رؤية طائفية منغلقة، أما الشهامة والأخلاق فهي بضاعة غير مجدية ولن تأتي بنتائج مفيدة.

تعامل الحزب مع الساحة السورية بوصفها ساحة مستباحة لا مساءلة عليها فمارس القتل إلى أبعد الحدود، والدليل على ذلك العدد المهول للمجازر التي ارتكبها في سوريا: الذيابية، الحسينية، دوما، القصير، رنكوس، النبك.. في دمشق وريفها ودير بعلبة في حمص، ومجازر المالكية، تل شغيب، العدنانية، رسم النفل، أم عامود، المزرعة، وخناصر في ريف حلب. ولا شك أن الحزب استثمر الضوء الأخضر الممنوح من نظام الأسد والقائم على قاعدة اقتلوا ما شئتم ونحن نعالج الأمر، المهم هو القضاء على الثورة بأي شكل من الأشكال أما التداعيات فنحن نتحملها.

ورغم كل ذلك هذه الأريحية في الحركة، فإن حزب الله وفي جميع معاركه في سورية كان يتلطّى خلف الجنود الذين كان نظام الأسد يزجهم عنوة في المعارك أو خلف الأفغان والعراقيين، وغالبا ما كان يعتمد على الطائرات الروسية وطائرات الأسد لتسوية المناطق التي يرفض دخولها حتى يضمن أن الطيران دمّر كل نقاط الإرتكاز والمقاومة فيها، وعندما لم يتوفر له الغطاء الجوي كانت فصائل الثوار تقتل العشرات من عناصر الحزب كما حصل في تل العيس في حلب عندما تأخرت الطائرات الروسية عن الإسناد.

لا شك أن حزب الله، لم يكن يخطر ببال قادته أن الحرب في سورية ستمتد طول هذه الفترة، ومن ثم وجد نفسه عالقاً في مستنقعها، وهذا الأمر أوجد أهدافا جديدة له ودفعه إلى تطوير استراتيجياته في الحرب، لذا بات الحزب يعتمد إستراتيجية وقائية بعيدة المدى تقوم على قاعدة ان الأكثرية في سورية يجب أن ترتعب منا لعقود قادمة كما يجب أن تبقى مكبّلة ومحاصرة وضعيفة، لأن خروجها من هذه الوضعية مصدر خطر محتمل، من هنا جاءت فكرة ترحيل أكبر كم ممكن إلى شمال سوريا- إدلب، ودفع اكبر عدد ممكن من الشباب إلى مغادرة سوريا نهائياً، وصناعة أعداء للأكثرية من صلبها عبر تجنيدهم في مليشيات مموّلة من إيران.

لطالما عمل حزب الله على الترويج لنفسه على أن مقاتليه يتمتعون بأخلاق الفرسان، وحدهم اللبنانيون من جميع الفئات بما فيهم بيئة الحزب نفسها يعرفون عكس ذلك ، وما حصل أن انخراط الحزب في قتال السوريين فتح صندوق باندورا سوءات سلوك حزب الله.