الإخوان المسلمون هم الحاضر الغائب في انتخابات الصحفيين المصريين هذه المرة والتي ستجرى في الأسبوع الأول من شهر مارس المقبل!
فأنصار "عبد المحسن سلامة" المرشح لموقع نقيب الصحفيين رموا المنافس والنقيب الحالي "يحيي قلاش" بأن مرشح الإخوان، أو أنه عقد صفقة مع الإخوان!
والنقيب السابق "ضياء رشوان" قال في بيان انسحابه من هذه الانتخابات، إنه يشرف بخوضه الانتخابات في السابق، ضد مرشح السلطة ومرشح الإخوان، وإذا علمنا أنه يقصد بمرشح السلطة "مكرم محمد أحمد"، فقد كان سؤالنا من يقصد بمرشح الإخوان؟.. لاسيما وأن منافسه في الانتخابات التي فاز فيها لم يكن سوى المرشح الحالي "عبد المحسن سلامة"!
يقال إن الإخوان، وإن لم ينافسوا على الانتخابات التي سبقت الانقلاب مباشرة، بعد انسحاب النقيب "ممدوح الولي" من الترشيح، فقد انتخبوا "عبد المحسن سلامة"، لأن العداء بينهم وبين "رشوان" كان واضحاً، ومع ذلك فإن أنصار "سلامة" عملوا على التشهير بـ "يحيى قلاش" بتهمة أنه مرشح الإخوان، ونشر موقع "صدى البلد" خبراً عن لقاء جمع "قلاش" واثنين من الصحفيين المحسوبين على الإخوان في منزل الصحفي الإخواني "محمد عبد القدوس" للتنسيق للانتخابات، وهو الخبر الذي تبين عدم صحته، بيد أن التلفيق يأتي اتساقا مع القاعدة الجديدة التي تقول إذا أردت أن تضرب خصمك في مقتل فاتهمه بأنه من الإخوان أو حليفاً لهم!
مالك "صدى البلد"، محطة تلفزيونية وموقع إلكتروني، هو النائب عن الحزب الوطني المنحل، "محمد أبو العينين"، تم تقريبه في حكم الإخوان واصطحبه الرئيس محمد مرسي في طائرة الرئاسة ضمن الوفد المصري الذي سافر للصين في فترة حكمه، لكنه يتنكر لهذا الآن!
و"أحمد موسى" مقدم برنامج على "مسؤوليتي" على قناة "صدى البلد"، والذي أيد "عبد المحسن سلامة" لأن "يحيى قلاش" مرشح الإخوان، هو نفسه سبق له أن ترشح لعضوية مجلس النقابة، ولم يكتف بمقابلة المسؤول عن الملف الصحفي بالجماعة، وإنما التقى بالمرشد العام في مقر الجماعة، وخلع حذائه على باب المقر، وصلى الظهر مأموماً للمرشد، من أجل أن يحصل على تأييد الجماعة في هذه الانتخابات، وبجانب الإخوان، القدم في القدم والكتف في الكتف!
و"ضياء رشوان" الذي يفخر الآن بأنه ترشح ضد مرشح الإخوان هو نفسه حصل على تأييد الإخوان في الانتخابات التي خاضها ضد مرشح السلطة – بحسب كلامه– الأستاذ مكرم محمد أحمد!
فلم يتم التعامل في السابق مع التأييد الإخواني على أنه جريمة وطنية، من كافة الأطراف، ولم يكن الأمر تحكمه الإنحيازات السياسية، فكل انتخابات في النقابة لها ظروفها، التي تحكم اتجاه الإخوان وغيرهم، وكانت الاعتبارات الحاكمة هى مهنية ونقابية، لاسيما عندما كان إبراهيم نافع هو مرشح السلطة، والذي كانت قائمته تضم مرشح الإخوان كما كانت تضم قائمته اليسار وغيرهم، وعندما ترشح "مجدي أحمد حسين" رئيس تحرير جريدة "الشعب"، حليف الإخوان، على موقع النقيب، فإن الصوت الإخواني ذهب إلى "إبراهيم نافع"، وكذلك الأمر عندما ترشح "جلال عارف" معبراً عن تيار الاستقلال بالنقابة!
ولم يكن أحد يعتبر أن ذهاب الصوت الإخواني لمرشح السلطة مما ينتقص من القدر، فظروف الانتخابات في نقابة الصحفيين لم تكن محكومة بقواعد المشهد السياسي خارجها، فالنقابة لها قواعد خاصة حاكمة لانتخاباتها، وفي الانتخابات التي جرت منذ عامين، كانت المنافسة بين "ضياء رشوان" و"يحيي قلاش" وهما ينتميان للتيار الناصري، و من المؤيدين لـ 30 يونيو وما أنتجته. لكن أصوات الإخوان ذهبت إلى "قلاش"، لأن النقابي في شخصيته هو الطاغي، في حين أن "رشوان" أدار النقابة كما لو كانت فرعاً للشؤون المعنوية بالجيش، وجند مؤسسي حركة "تمرد" لصالح العسكر، ورتب لهم لقاءات مع أجهزة الأمن!
وعندما سقط "ضياء رشوان"، كانت البلاد تعيش في مرحلة الاستقطاب، وكان سقوطه دليلا على تغير المزاج العام، فالصحفيون وإن كانوا في غالبيتهم مع الحكم الحالي، فإنهم ليسوا مع الذوبان المجاني فيه، ولم يتحقق للنقابة ولأعضائها مكاسب من جراء ذلك، ولم تكن المفاجأة في نجاح "يحيي قلاش" فقط، وسقوط من كان يفخر بأنه مرشح حكم العسكر، ولكن في فارق الأصوات الكبير بينهما، فبينما حصل رشوان على (1571) صوتا، فإن "قلاش" حصل على (1998) صوتاً، وقد عبر عن هذه الدهشة الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، وبدا منزعجاً لأن في هذه النتيجة الصادمة خسارة لاختياره السياسي، وفي اتصالاته بالصحفيين المهتمين بالنقابة كان يسأل عن دلالة هذا الفوز؟!
الصحفيون الإخوان، الذين يتهم "يحيي قلاش" بأنه مرشحهم، لا ينحازوا له، وهم يرون أن "قلاش" لم يكن على مستوى الآمال المعقودة عليه، فلم ينجح في مهمة الإفراج عن الصحفيين المعتقلين، كما أنه لم ينجح في التمكن من زياراتهم أو تمكين أسرهم من الزيارة، وبذل جهداً لم يكلل بالنجاح، وكانت الجهود في البداية مما يُذكر فيشكر، لأن النقابة في عهد سلفه كانت تتجاهل تماماً مسألة الصحفيين المعتقلين بل لا تسمح بإقامة مؤامرات بداخلها للانحياز لهم، ولم ترسل محاميها لحضور محاكمتهم!
البعض منهم ليس مهتما بمعركة النقيب، والبعض قد يعطي صوته لمن يوصف بأنه مرشح الحكومة، وفي أجواء بائسة كالتي تعيشها مصر، لا يمكن لوم من صدق وعود مرشح بعينه بقدرته على الإفراج عن المرضى من الصحفيين المعتقلين، أو بتحسين شروط السجن لمن سيبقى منهم، فوجود أمال ولو كانت سراباً لفترة أفضل من انعدام الأمل، في حال نجاح "يحيي قلاش" وقد وقفوا على حدود جهده، وتبدو السلطة لديها رغبة في إسقاطه ولن تستجيب له إذا نجح في شيء يخص الصحفيين المعتقلين، وهناك من يتهمه بأنه أخطأ عندما اصطدم بالسلطة في موقعة اقتحام النقابة، فكانت القطيعة معها ليست في صالحهم!
معركة اقتحام النقابة فرضت نفسها على "قلاش" وقد حاول إدارتها بهدوء، لكنه واجه سلطة لا تقبل من الشعب إلا الانبطاح، وخسر بهذه الإدارة تأييد جناح لا يستهان به من اليساريين. ومن يرفضونه من قوى رفض الانقلاب لا ينسون له أنه سعى لدعوة السيسي للاحتفال الذي أقيم بمناسبة مرور 75 سنة على تأسيس النقابة، لكنهم في المقابل لا يجدون غضاضة في تأييد مرشح الدولة العميقة، فلا تنسى أنهم وإن كانوا صوتوا لصالح "قلاش" من قبل فقد كان هذا على مضض، لإسقاط "ضياء رشوان" المتماهي مع السلطة بدون خجل أو وجل!
هل أبالغ إذا قلت أن مشهد 30 يونيو يتكرر في نقابة الصحفيين، مع تغيير في المواقع؟!
فالفريق أحمد شفيق يمثله في حالة نقابة الصحفيين، "ضياء رشوان"، فهما ينتميان للنظام المرفوض من الثورة والثوار!
والدكتور محمد مرسي يمثله "يحيي قلاش" والأول تم انتخابه من قبل تيارات سياسية وثورية بهدف إسقاط مرشح دولة مبارك، فيما عرف بظاهرة "عاصري الليمون"، تماما كما تم انتخاب "يحيي قلاش" من باب رفض "ضياء رشوان"، فالإخوان لا ينسون لقلاش أنه كان منافساً لمرشحهم ممدوح الولي، وهو ينتمي للتيار الناصري الذي خرج في 30 يونيو، وفي فترة حكم الإخوان لم يكن مرحباً به على أي مستوى فلم يفاتح وهو النقابي القديم في عضوية المجلس الأعلى للصحافة التي منحت لخالد صلاح وإبراهيم حجازي، ولم يفاتح في رئاسة تحرير جريدة "المساء" التي يعمل فيها. وقد يرفض ولكني أقصد أن الرغبة في التعاون لم تكن مطروحة!
وكما سقط شفيق ونجح مرسي، فقط سقط "ضياء رشوان" ونجح "قلاش"، لندخل في جولة ثانية من المعركة!
وكما قام "عاصرو الليمون" بالتحالف مع الدولة العميقة لإسقاط مرسي، فإن كثيرا من رفضي الانقلاب لا يمانعون في التحالف مع هذه الدولة وقد ظهر رجال أعمالها في المشهد، يدعمون مرشحها، فالمهم ألا ينجح "قلاش" المتهم بأنه لم يكن ثوريا كما ينبغي، وهو الاتهام الذي وجه لمرسي وجماعته الذين باعوا القوى الثورية في محمد محمود. حتى وإن مثل هذا الخيار ضياع النقابة نفسها، مثلما لم تكترث جماعة 30 يونيو بضياع الثورة!
لدى كثير من التحفظ على أداء "يحيي قلاش" منذ أن كان عضواً بمجلس نقابة الصحفيين، لكني الآن أرى شجراً يمشي، وأن المعركة الآن لا تستهدف عودة النقابة كإدارة تدار من قبل الشؤون المعنوية، عندما تصبح الرتبة واحدة وهى "النقيب"، لا فرق بين "نقيب الصحفيين"، و"نقيب الجيش"، فالخطر هو إنهاء النقابة تماما وتحويلها كما كان يراد لها في عهد السادات إلى ناد أو إلى شعبة بالمجلس الأعلى للصحافة، (المجلس الأعلى للإعلام )الآن، وإن بقيت قائمة من حيث الشكل!
في كل انتخابات في النقابة لاسيما في السنوات العشر الأخيرة، يتم النظر للصحفيين الإخوان أكثر من عددهم الحقيقي، وفي الواقع هم لا يزيدون عن (150) صحفياً بالمعتقلين والمسافرين للخارج من جملة (8) آلاف و (540) صحفياً لهم حق التصويت، لكن كان يتم حساب قوتهم على القدرة في تأثيرهم على الآخرين، وقد كانت جبهة الإنقاذ تمثل الأقلية السياسية أيضا!
في مقالي السابق، كتبت أن "الفريضة الغائبة" هى القضايا المهنية، اليوم وبعد ظهور رجال أعمال النظام، فإن "الفريضة الغائبة" هى النقابة وعملية الحفاظ عليها، وهو ما لم تتعهد به جميع البرامج المطروحة من قبل المرشحين سواء لعضوية المجلس أو لموقع النقيب!
فهل تكون هذه بداية النهاية لهذا الصرح التاريخي في مصر المسمي بنقابة الصحفيين؟!
في مشهد 30 يونيو، كما في المشهد الحالي، كنت أنظر إلى السائرين إلى حتفهم "كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون!
لا تنسى أن المجلس الجديد هو من سيتولى عملية تعديل قانون النقابة وفي وجود البرلمان الحالي فقل يا رحمن يا رحيم على نقابة الصحفيين!