نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على الجدل الذي أثاره مشروع بناء مسجد في مدينة إرفورت الألمانية بين المساندين لهذه الفكرة والرافضين لها؛ بعلّة أن هذا المشروع سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة الإرهاب داخل المدينة.
وقالت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، إن مشروع بناء مسجد في مدينة إرفورت الألمانية ولّد حالة من الاحتقان في صفوف المواطنين، الذين تظاهروا مرتدين النقاب، وشتموا المسلمين بشكل غير مسبوق.
وأكدت الصحيفة أن بوادر الاحتقان تعود إلى شهر أيار/ مايو الماضي، حينما راج في وسائل الإعلام خبر مفاده الشروع في أشغال بناء مسجد في منطقة مارباخ بمدينة إرفورت. والجدير بالذكر أن الناشط، باتريك أوا، كان من أشد المعارضين لبناء هذا المسجد، ودعا إلى تنظيم مظاهرات تنديدا بهذا المشروع.
وأشارت الصحيفة إلى أن حالة التوتر والغضب بلغت ذروتها في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث توجه أوا إلى برلمان ولاية تورينغن، وقدم عريضة تحت مسمى "قانون جديد للخلافات الدينية والثقافية ومخاطر المنشآت الدينية" في إطار جلسة برلمانية. ومن المثير للاهتمام أن الجدل حول بناء المساجد تحول مؤخرا إلى صراع حول دور الإسلام في ألمانيا.
وذكرت الصحيفة أن أوا يحظى بتأييد واسع من قبل المواطنين بمدينة إرفورت. وفي الإطار نفسه، أظهرت نتائج استطلاع الرأي في شهر تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، أن حوالي 80 بالمئة من المواطنين في هذه المدينة يكنون كرها شديدا للإسلام، في حين أن ما يقارب 60 بالمئة يرون أن المسلمين سيطالبون في المستقبل بمزيد من الحقوق. وفي الأثناء، طلب وزير الداخلية بمقاطعة ساكسونيا أنهالت، هولغر شتالكناشت، من الجمعيات الإسلامية وقف بناء المساجد حتى يستقر الوضع.
وأوردت الصحيفة أن مواقف أوا أثارت حفيظة صاحب مشروع بناء المسجد، سليمان مالك، الذي يشغل منصب الناطق الرسمي باسم الجمعية الإسلامية "الجماعة الأحمدية" بمدينة إرفورت. وفي هذا الصدد، قال مالك إنه "من الصعب إيجاد قطعة أرض لبناء مسجد في هذه المدينة، فبناء مسجد هنا يعتبر مثل بناء مفاعل نووي".
وقالت الصحيفة إن باتريك أوا وجه لمالك رسالة قصيرة، عقب رواج معلومات حول الخلفية الإسلامية للمشتبه به في العملية الإرهابية، التي حدثت في شهر تموز/ يوليو الماضي في مدينة ميونيخ، هدده من خلالها بالطرد من البلاد، وأعرب فيها عن عدائه له ولكل المسلمين.
وبينت الصحيفة أن مالكا استمر بالبحث عن قطعة أرض صالحة لبناء مسجد طيلة سبع سنوات، إلى أن وجد ضالته في مدخل منطقة مارباخ بالقرب من محطة بنزين وراء الأحياء السكنية. تجدر الإشارة إلى أن تكلفة بناء المسجد تبلغ حوالي 500 ألف أورو، وسيتم تجميع هذا المبلغ من خلال تبرعات أعضاء "الجماعة الأحمدية" في كامل أنحاء ألمانيا.
وأفادت الصحيفة بأن مالكا شرع في بناء المسجد بعد الحصول على موافقة السلطات في المدينة خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، لكنه واجه معارضة شديدة من قبل أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا، الذين هتفوا: "لا نريد مساجد في مدينتنا".
وأوضحت الصحيفة أن مدينة أرفورت تعتبر معقل حزب البديل من أجل ألمانيا، حيث ينشر الحزب أفكاره المعادية للإسلام. وفي الأثناء، يحظى النائب عن حزب البديل، بيورن هوكه، بشعبية واسعة في هذه المدينة. وقد قام هذا الأخير بإصدار عريضة ضد بناء المساجد، في حين يتجول أنصار الحزب في كل أرجاء المدينة لتجميع التواقيع.
علاوة على ذلك، جاب عدد من أنصار الحزب، في شهر تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، شوارع مدينة إرفورت مرتدين النقاب، وعلقوا مناشير تحرض على التظاهر ضد بناء المسجد. ونسجت النائبة ببرلمان المدينة، فيبكا موشال، على منوال زملائها بالحزب، وقدمت إلى البرلمان مرتدية النقاب؛ للتنديد بما وصفته "إذلال المرأة من خلال ارتداء النقاب".
وذكرت الصحيفة أن حاكم مدينة إيرفورت مجبر على الموافقة على بناء المسجد طالما أنه لا يشكل أي تهديد للمدينة ولا يعارض قانون البناء. ومن هذا المنطلق، فإن العريضة التي قدمها مواطنو المدينة لا تعتبر في أي حال من الأحوال سببا كافيا لرفض هذا المشروع.
وأكدت الصحيفة أن العريضة التي قدمها أوا أثارت بلبلة داخل البرلمان، إذ قالت النائبة عن حزب الخضر، أستريد روته باينليش، إن هذه العريضة "ساذجة"، معتبرة أنه "الوقت مناسب لتغيير نمط الحياة داخل المدينة". وأثار هذا التصريح استياء أغلب النواب داخل البرلمان.
وبينت الصحيفة أن سلطات المدينة تعتبر أن الجماعة الأحمدية لا تشكل تهديدا للأمن داخل المدينة، كما أن لجنة حماية الدستور لا تعارض توجهات هذه الجمعية. وفي المقابل، صرحت روته باينليش أن "مساندتها لمشروع بناء المسجد لا تخفي تعارضها مع بعض توجهات الجماعة الأحمدية."
وفي الختام، أوردت الصحيفة أن أوا قدم مقترحا في نهاية الجلسة مفاده أنه يمكن السماح ببناء المسجد، ولكن دون صومعة ومئذنة. وقد لاقت هذه الفكرة الرفض التام من جهة مالك، الذي صاح قائلا: "أنا أعارض تقييد حرية التدين، وأعارض بشدة فكرة الاستغناء عن المآذن والصوامع".
والجدير بالذكر أن مشروع بناء المسجد لن يتوقف؛ نظرا لأن مالكا حصل على الموافقة من قبل سلطات المدينة.