صدر مؤخرا التقدير الإستراتيجي العسكري الإسرائيلي والذي اهتم بصورة أساسية بالتحديات العسكرية التي تواجهها إسرائيل الآن. ومن الملاحظ أن التقدير ركز على قوة الغير، قوة الأعداء، لكنه لم يبرز نقاط ضعف إسرائيل ربما لأن هذا يندرج تحت عنوان الأسرار العسكرية الداخلية. لكن من المعروف علميا أن نقاط الضعف الذاتية أهم بكثير من نقاط قوة العدو لأن ضعف البيت يعني سطوة الآخرين الخارجيين عليه. والضعف الداخلي هو الذي يفتح الثغرات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والأمنية والعسكرية فينفذ الطامعون من خلالها.
ذكر التقدير الاستراتيجي أن إسرائيل تواجه تحديات خطيرة من جهات ثلاث وهي إيران وحزب الله وحركة حماس. يقول التقدير إن قوة إيران الصاروخية قد تنامت بصورة هائلة، وهي فعالة وذات تقنية عالية، وتستطيع أن تضرب كل النقاط في إسرائيل وبدقة. وإذا نشب صراع فإن الصواريخ الإيرانية ستكون مدمرة وستحدث خللا استراتيجيا في القدرات العسكرية الإسرائيلية. وإيران مستمرة في تطوير ترسانتها من الصواريخ، وفي إجراء التجارب الصاروخية على صواريخ من أنواع متعددة. هذا فضلا عن أن برنامج إيران النووي لم يتلاش، وهو موجود وقائم، وستعود إيران إلى نشاطها النووي بعدما ينتهي مفعول الاتفاق النووي الغربي مع إيران بعد سنوات. هي تعتبر أن دول الغرب جمدت البرنامج النووي الإيراني العسكري مؤقتا، وبإمكان إيران أن تعود إلى سابق عهدها في أية لحظة إن أرادت. وإسرائيل تقول إن هذا التجميد يترافق مع رفع العقوبات والذي يمكن إيران من الحصول على الأموال الكافية لتنفيذ البرامج والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية التي تجعلها أكثر قدرة في المستقبل على استيعاب أي ضغوطات خارجية وعسكرية عليها.
يأتي حزب الله خطرا ثانيا بعد إيران لأن الحزب يملك من الأدوات القتالية والقدرات ما يؤهله لأن يكون قوة رادعة في مواجهة إسرائيل. تقول التقديرات الإسرائيلية إن الحزب يمتلك عشرات آلاف الصواريخ وربما مئات الآلاف التي تؤهله لقصف إسرائيل بألف صاروخ يوميا، وإصابة أهداف إسرائيلية بدقة. الإسرائيليون على قناعة بأن حزب الله قادر على أن يطال كل موقع في إسرائيل، وهو ما زال مستمرا في الحصول على الأسلحة التي تخرق التوازن العسكري في المنطقة، أي التي تنهي الهيمنة العسكرية الإسرائيلية. وإسرائيل تعي قدرة حزب الله على شل مفعول الطيران مثلما حصل عام 2006، وعلى تدمير أرتال الدبابات التي يمكن أن تعبر الحدود الافتراضية بين لبنان وفلسطين. والأهم أن إسرائيل باتت تقر بقدرة الحزب على اختراق الحدود والسيطرة على مستوطنات في شمال فلسطين.
وتخشى إسرائيل قوة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بخاصة قوة حماس. هي ترى أن لحماس الآن ما يشبه الجيش الذي تتنامى قدراته العسكرية، وتتزايد أعداد صواريخه التي تخضع للتطوير من حيث الحمولة والدقة. ولحماس شبكة معقدة من الأنفاق تحت المدن الفلسطينية والتي تمتد عبر خطوط وقف إطلاق النار وقد تصل إلى بعض المستوطنات الإسرائيلية في جنوب فلسطين. هي لا ترى الآن أن حماس تشكل قوة ردع ضد إسرائيل لكنها تستطيع أن تشاغل قطاعات واسعة من الجيش الإسرائيلي في حال نشوب حرب، وتستطيع أيضا أن تؤثر بشكل كبير على حركة الناس في الجنوب الفلسطيني وتصنع أزمة حقيقية في تأمين سكان إسرائيل الهاربين من منطقتي الشمال والوسط. لم تعد صواريخ حماس بدائية وهي تستطيع أن تصل إلى مختلف أنحاء الكيان الصهيوني إنما ليس بغزارة.
هنالك نقاط ضعف لدى الكيان الصهيوني لم يتم التركيز عليها في التقدير الاستراتيجي وهي:
1- مساحة الكيان الصهيوني صغيرة جدا وتبلغ حوالي 21000 كم2، ومن السهل تغطية كل المساحة بالصواريخ المتفجرة، ومن السهل تهجير كامل السكان فتضيق عليهم الأرض. تبنت إسرائيل منذ البدء مبدأ احتدام المعارك على أرض العدو، فإذا بها الآن لا تستطيع تحصين أي بقعة من الأرض التي تقوم عليها. حزب الله يتمكن من تهديد كل النقاط، وكذلك إيران، وقريبا ستكون مقاومة غزة قادرة على ذلك.
2- لم يسأل التقدير الاستراتيجي عن مدى تحمل الشعوب للحرب، وقدرتها على امتصاص أهوالها. هل الإسرائيليون قادرون على تحمل ما يتحمله العرب؟ وهل هم قادرون على المضي بالحياة بسلاسة دون أعباء نفسية جسيمة وبدون استعدادات وتكاليف باهظة؟ لقد جربنا العرب في لبنان وفلسطين، وحصلت تجارب مع الإسرائيليين في عدد من الحروب. كان الشعب اللبناني قادرا على تحمل التبعات المحزنة والمؤلمة، لكنه سرعان ما استفاق ومضى في الحياة، وكذلك كان شأن الناس في غزة على الرغم من كل الدمار الذي حصل والدماء التي سفكت. الإسرائيليون أكثر استعدادا لتجنب بعض تبعات الحروب، لكنهم أقل قدرة على امتصاص الآلام والأحزان، وأقل قدرة على الصمود. هم يهرعون خوفا وجزعا مع أول رصاصة تنطلق في مواجهتهم، والعرب يجرون إلى أسطح العمارات ليكونوا شاهدين على مسار المعارك. الخسائر التي تلحق بالعرب في العادة أكثر بكثير من الخسائر التي تلحق بالإسرائيليين، فكيف يكون سلوك الإسرائيليين إذا أصبحت خسائرهم أكثر من خسائر العرب؟ في الحرب القادمة، خسائر الإسرائيليين ستكبر وستصل معدلات لم يشهدوها من قبل، ومن المحتمل ألا يجدوا لهم مكانا آمنا إلا في القرى العربية مثل سخنين وأم الفحم وكفر قاسم، هذا ن فتح الفلسطينيون لهم البيوت.
3- أما نقطة الضعف الأخرى والكبيرة فتتمثل بالجندي. الجندي العربي مختلف الآن عما كان عليه في السابق، وكذلك الجندي الإسرائيلي. الجندي العربي الآن منضبط وواعي ويعرف الهدف ومدرب جيدا على استعمال السلاح. الجندي الصهيوني مدرب ومنظم، لكنه أقل انضباطا مما كان عليه، وأقل انتماء والتزاما. جندي إسرائيل الآن أشبه ما يكون "بالكيت كات"، أما جندي المقاومة العربية فيحمل في داخله عقيدة الإيمان وعقيدة القتال التي تؤمن بالنصر أو الشهادة. الجندي الإسرائيلي يهرب الآن من المعارك، والجندي العربي يتلقى الرصاص في صدره.السلاح مهم، وسلاح إسرائيل متطور جدا، لكن العبرة الأهم في اليد التي تقبض على الزناد.