قضايا وآراء

لماذا تظاهروا لأجل الجزيرتين وأهملوا ملف مياه النيل؟!

رضا حمودة
1300x600
1300x600
كم هو غريب أمر النخبة المصرية التي استشاطت غضبا، وتظاهرت سخطا على مسألة ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية التي أبرمها نظام السيسي مع المملكة العربية السعودية في 8 نيسان/ أبريل من عام 2016، وحتى صدور حكم المحكمة الإدارية العليا الأخير بمجلس الدولة (16 كانون الثاني/ يناير الجاري)، والذي أثبت مصرية جزيرتي تيران وصنافير محل النزاع، في الوقت الذي لم نسمع فيه لها صوتا يذكر إزاء أهم وأخطر ملف، وهو قضية مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، والذي قارب على الانتهاء والتشغيل بسبب تفريط السيسي ضمنيا في حق الأجيال القادمة في حصتها التاريخية الآخذة في التناقص أساسا؛ بتوقيعه على ما يسمى "اتفاقية إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة" في 23 آذار/ مارس 2015، والتي أضفت شرعية وجود للسد على حساب الأمن المائي القومي المصري.

منطق الأمور يقتضي تساوي مشاعر الغضب والسخط العام عند التعاطي مع مسألتي الحقوق والكرامة، وإن شئت فقل إن ملف مياه النيل هو الملف الأكثر إلحاحا وخطورة على الجنس البشري المصري، والأجدر بالغضب والأدعى للتظاهر ليل نهار في الشوارع والميادين، ذلك أن المياه هي الأكثر استحقاقا لحتمية التحرك، واستشعار الخطر والقلق، والدافع الأقوى للانتفاضة والثورة ضد أي نظام حكم بما تمثله قطرة الماء من شريان الحياة الرئيسي والتي لا تستقيم بدونها يوما واحدا. فما فائدة جزيرة أو حتى مئات الجزر على أرض جرداء قاحلة أصابها الجدب وشعب جائع منهك يموت عطشا؟! فقضية المياه مسألة وجود نكون فيها أو لا نكون، ومعركة مصير وبقاء لا تقبل القسمة على اثنين.

تعاني مصر من أزمة حقيقية ومزمنة تكمن بالأساس في الاستبداد الذي هو أصل كل بلاء في بلادنا، وهو ما أوصلنا لكارثتي مياه النيل والجزيرتين، حيث لا رقابة أو محاسبة أو مساءلة، أو حتى مشورة من أهل الرأي والاختصاص في إبرام الاتفاقيات الدولية، واتخاذ القرارات المصيرية، اللهم إلا من جوقة المنافقين وحملة المباخر والمنتفعين من تفشي هذا الاستبداد والحرص على القرب الدائم من الحاكم المستبد واقتسام المغانم والسلطة معه، وليذهب الشعب إلى الجحيم، ولا عزاء للسيادة الوطنية أو مقدرات البلاد، المهم بقاء الحاكم ولو على جثة وطن.

مشكلة النخبة الحاكمة في بلادنا في شعورها الدائم بالوصاية العقلية على الشارع، على اعتبار أنها صاحبة الحق الحصري في احتكار الحقيقة المطلقة، وازدواجية التعاطي مع الملفات والقضايا الشائكة، فضلا عن أنها تعاني خللا واضحا في الأولويات بين المهم والأهم، الخطير والأخطر، الملحّ والأكثر إلحاحا. وعليه نستطيع الجزم بأنه إذا كانت قضية الجزيرتين مهمة، فإن قضية المياه أكثر أهمية وخطورة وإلحاحا، بحيث لا يمكن السكوت على تداعياتها الكارثية أو الانتظار والوقوف في موقف المتفرج حتى تقع الكارثة فوق رؤوس الجميع، وساعتها لن ينفع الندم أو البكاء على أطلال وطن أصابه القحط والجوع والعطش ويتهدده الفناء والزوال من خريطة كوكب الأرض.
التعليقات (1)
ابوسميحه
الإثنين، 23-01-2017 09:22 م
ولماذا لم ترضوا بان ترجع حلايب وشلاتين للسودان رغم وجود وثائق تؤكد احقيته بذلك