سياسة عربية

الفتوحات الإسلامية.. غزو واستعمار أم هداية ورحمة؟

لوحة تاريخية تصور فتح القسطنطينية- أرشيفية
لوحة تاريخية تصور فتح القسطنطينية- أرشيفية
تُثار بين الفينة والأخرى أسئلة قلقة تهدف للكشف عن طبيعة الفتوحات الإسلامية التاريخية، ومعرفة أهدافها وغاياتها، وما الذي اختلفت فيه عن الاستعمار والاحتلال؟ وهل كل تلك الفتوحات كانت من أجل إيصال هداية الإسلام إلى الأمم الأخرى، أم أن منها ما كان لغايات بسط النفوذ والهيمنة كما هي نزعة التوسع في كل الإمبراطوريات الأخرى؟

في برنامج حواري على فضائية معروفة، وصف مصري قبطي الفتوحات الإسلامية بالاستعمار المبطن، واعتبر فتح المسلمين الأوائل لمصر غزوا واحتلالا، وهو ما يعني أن المسلمين محتلون، مطالبا بإنهاء حالة الاحتلال تلك، وإعادة السيادة لأهلها قبل غزو المسلمين لها.

وفي السياق ذاته تتردد اعتراضات حول تفسير تلك الفتوحات بأنها كانت لرفع العوائق المادية أمام الدعوة الإسلامية، إذ لو كانت كذلك فلماذا تفرض الجزية على الأمم الأخرى بعد اختيارها البقاء على دينها، فلا تجد سبيلا أمامها إلا الرضوخ لدفع الجزية عن يد وهي صاغرة للمسلمين بحكم تغلبهم على ديارهم وفقا لتلك الاعتراضات المثارة.

ما هي الفوارق بين الفتوحات والاستعمار؟

لمناقشة تلك الأسئلة والاعتراضات اختار الباحث الكويتي في التاريخ والأدب، مهنا حمد المهنا منهجية المقارنة بين الفتوحات الإسلامية والاستعمار ليبرز من خلالها طبيعة تلك الفتوحات وغاياتها، والأوجه التي تختلف بها عن الاستعمار والاحتلال.

ووفقا للمهنا فإن من أبرز الفروقات بين الفتوحات الإسلامية والاستعمار "أن جيوش المسلمين طوال التاريخ ـ ومهما بلغ ظلم خلفائهم ـ لم تقم بإبادة جماعية في أي مدينة أو قرية أو بلدة فتحوها، بمعنى قتل رجالها ونسائها وأطفالها، على عكس ما كان يحدث في موجات الغزو الأخرى، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك".

أما الفرق الثاني فالمعارك في الفتوحات الإسلامية تنتهي بانتهاء المعركة، ولا ينتقل الجيش إلى المدن، ليستمر في قتله واستباحته للمدن، كما أن البلدان التي فتحها المسلمون بقي أهلها هم الغالبية فيها، بينما أبيد في أمريكا الشمالية 400 قبيلة من سكانها الأصليين الهنود الحمر وصاروا أقلية في وسط البيض".

وتابع المهنا في حديثه لـ"عربي21": "وكذلك أبيدوا في أستراليا فلم يبق من أهلها الأصليين إلا بضعة آلاف منهم، ويقدر علماء الإحصاء عدد أهل أستراليا الأصليين لو لم يتعرضوا للإبادة خلال أربعة قرون حوالي (300) مليون نسمة حاليا بالزيادة الطبيعية".

وعن طبيعة تعامل المسلمين مع أديان البلاد المفتوحة وثقافاتها، أوضح المهنا أن "المسلمين حافظوا على ذلك كله، فبقيت اليهودية والنصرانية والصابئة والمجوسية وغيرها، ليقيم أهل تلك الديانات شعائرهم وطقوسهم الدينية، في كنائسهم ومعابدهم ودور عبادتهم، وتمت معاملتهم كأهل كتاب وأهل ذمة".  

وأشار المهنا إلى أن المسلمين طوال فتوحاتهم، حافظوا على تراث الأمم المفتوحة، ولم يحرقوه حتى لو كان وثنيا ومخالفا للعقيدة، كفلسفة اليونان، وتراث الهند والفرس، ولم يتخلصوا منه بالحرق وغيره كما حدث في موجات الاستعمار المختلفة. 

وقارن المهنا بين تقبل المسلمين لشعوب الأمم الأخرى حينما فتحوا بلادهم، بأجناسهم وأديانهم المختلفة، وبين ما قامت به أوروبا حينما أبادت البروتستانت مع كونهم يحملون ذات الجنسية، ويدينون بذات الدين. 

من جهته رأى أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية، الدكتور عصام عقلة أن من أبرز الفروق بين الفتوحات الإسلامية والاستعمار أن "المسلمين لم يتعاملوا مع الشعوب الأخرى كعبيد، لأن الأصل عندهم حرية الشعوب الأخرى، وإن كانوا قد استعبدوا من حاربهم على وجه خاص، على عكس الرومان واليونان والفرس الذين كانوا يستعبدون من يغزونهم، ويسطون على أرضهم. 

واعتبر عقلة أن المسلمين "مارسوا سياسة الحرية الدينية في فتوحاتهم، فلم يجبروا الأمم والشعوب الأخرى على الدخول في الإسلام، بل تركوا لهم حرية الاختيار التامة"، وسمحوا بأربعة أديان أخرى على الأقل (النصرانية واليهودية والصابئة والمجوسية).

وجوابا عن سؤال "عربي21": كيف تتوافر الحرية الدينية مع إلزام المسلمين كل من اختار البقاء على دينه بدفع الجزية؟ قال عقلة: "الجزية في التشريع الإسلامي، والتطبيق التاريخي تقابل الزكاة التي يدفعها المسلمون في الدولة الإسلامية، وربما ما يؤخذ منهم أقل مما يدفعه المسلمون في زكاتهم. والجزية لا تفرض إلا على الرجال المقاتلين، ولا تفرض على النساء والأولاد والشيوخ".

لكن هل كل الفتوحات الإسلامية في موجاتها المتعاقبة كانت على سوية واحدة، وأنها كانت تهدف إلى نشر رسالة الإسلام وهدايته في أوساط الأمم الأخرى؟ أجاب أستاذ التاريخ عقلة بأنها لم تكن كذلك، خاصة ونحن نتحدث عن ثلاث مراحل وموجات من الفتوحات، الأولى مرحلة الراشدين، والثانية: مرحلة الأمويين، والثالثة: مرحلة العثمانيين والسلاجقة الأتراك.

وبحسب شرح أستاذ التاريخ عقلة، فإن مرحلة الراشدين كانت حربا دفاعية (الدفاع الاستباقي)، مقرونة بارتباطها بنشر الدعوة الإسلامية، ولم يحاربوا إلا من حاربهم، لكن في المرحلتين التاليتين، وإن كان الغالب فيهما نشر الدعوة، إلا أن ثمة حالات وقعت طلبا للغنائم، أو لغايات بسط الهيمنة والسيطرة على مناطق إستراتجية لصالح المسلمين.   

الفتوحات دعوية وتوسعية

بدوره شرح أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة، الدكتور عبد الرحمن سالم، طبيعة الفتوحات الإسلامية مفرقا بين ما كانت عليه في مرحلتها الأولى في العصر النبوي والخلافة الراشدة، وبين ما كانت عليه في العصر الأموي وما بعده. 

وذكر سالم لـ"عربي21" أن غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام كانت دفاعية بامتياز، مشيرا إلى أنه بحث ذلك بتفصيل تام في كتبه، وخلص فيها إلى التدليل على أنها كلها كانت دفاعية.

وأضاف سالم أن "الخلافة الراشدة كانت استمرارا لما كان عليه الحال في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام"، لافتا إلى أن الحرب كانت معلنة بين المسلمين وبين الفرس والروم، الذين كانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، ومن حق المسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم، فهم في حالة حرب مع الآخرين". 

وعلى خلاف المألوف في ربط الفتوحات الإسلامية بنشر الدعوة الإسلامية، أكدّ أستاذ التاريخ الإسلامي سالم أنها لم تكن كذلك ـ بحسب أبحاثه ودراساته ـ، بل كانت في الأساس لتأمين الدولة الإسلامية، وحماية المسلمين من الأخطار المحيطة بهم.

وأحال الدكتور سالم من يريد الاستزادة إلى كتاب "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، لمؤلفه: محمد حميد الله الحيدر آبادي الهندي، ففيه رصد وتوثيق لطبيعة الحراك السياسي والحربي في العهد النبوي والخلافة الراشدة، ومنها يُستخلص أن الحروب الإسلامية كانت لتأمين الدولة الإسلامية، والتصدي لكل الأعداء الخارجيين.

وردا على سؤال: ما هي طبيعة الفتوحات في العصر الأموي والعصور التالية؟ قال سالم: "لقد تغير الحال في العصر الأموي وما بعده كثيرا عما كان عليه في العصر النبوي والراشدي"، ذاكرا "أن الأمويين كانوا يسعون للتوسع، وبسط هيمنتهم كأنما يريدون أن يستولوا على العالم بأسره" على حد قوله. 

ولم يتردد سالم في الإشارة إلى أن الأبعاد السياسية والاقتصادية في بعض المراحل والمحطات من فتوحات الأمويين ومن بعدهم، كانت أكثر حضورا من البعد الديني، لكنهم في غالب الأحوال التزموا بمبادئ الإسلام، وتخلقوا بأخلاقه في حالتي الحرب والسِّلم. 
التعليقات (2)
بسام جوهر
الثلاثاء، 05-04-2022 10:22 ص
هل دخل المسلمون الاندلس بلا حرب واستعمال القوه ام كان مرحب بهم واستقبل بالزهور؟؟
ميلي
الجمعة، 05-04-2019 10:44 م
رائع ابدعت