قضايا وآراء

عاكف.. إرادة صلبة وعزيمة لا تلين

عصام تليمة
1300x600
1300x600
يقبع الأستاذ محمد مهدي عاكف، مرشد الإخوان المسلمين الأسبق، في سجون العسكر، ظلما وعدوانا، بلا جريمة اقترفها الرجل، والذي قارب عمره التسعين عاما، سجين كل العصور منذ الملك فاروق، مرورا بكل مراحل حكم العسكر، ذلك الرجل الذي يمتلك إرادة صلبة، وعزيمة لا تلين، ترى صموده العجيب في هذا السن، فتشعر بمدى عمق تربية الرجل، فهو ابن جماعة الإخوان، وأحد تلامذة الإمام حسن البنا.  

والأستاذ عاكف ذو تاريخ معروف مشرق، يباهى به، نسأل الله أن يتقبل جهاده ونضاله ضد كل طاغية، فقد سطر في كل مواقفه نموذجا للداعية الذي يبلغ رسالات الله ويخشاه، ولا يخشى أحدا إلا الله. 

عاكف الذي ضرب نماذج في تاريخ الجماعة، تدل على قوته، وعلى ميله الشديد للعمل المؤسسي، فعند توليه منصب المرشد، اجتمع به مجموعة من المفكرين الكبار، كان على رأسهم العلامة الشيخ القرضاوي، والمستشار طارق البشري، والدكتور سليم العوا، والدكتور محمد عمارة، ومعه بعض قيادات الإخوان، فنصحه القرضاوي بأن يستفيد من هذه المجموعة، فما كان من عاكف إلا أن قال: أنا موافق، وأطلب منهم أن يكون منهم لجنة حكماء، ألتقي بها كلما تيسر لهم، وأستفيد من نصحهم، وهو ما حاوله وقت توليه المنصب. وليس أدل على قوته، من رفضه تجديد ترشحه لمنصب المرشد لفترة ثانية، ليكون أول مرشد سابق للجماعة.

ومن مواقف عاكف التي تدل على قوة خلقه، ورقة قلبه، موقف رأيته بعيني، وذلك قبل ثورة يناير بسنوات قليلة، وقتها كان عاكف مرشدا، وكانت المناسبة عقد قران ابنة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وقد امتلأ المسجد بحشد كبير من محبي أبي الفتوح، وقد تجهز الشيخ محمد الراوي لعقد القران، انتظارا لمرشد الإخوان، ودخل عاكف، وتخطى الصفوف ليصل للصف الأول ليحضر عقد القران، وإذ به بعد وصوله ينظر، فيجد المهندس أبو العلا ماضي، وكانت وقتها أزمة الإخوان والوسط لا تزال حامية الوطيس، فإذ بعاكف ينادي بطريقته البسيطة على ماضي: انت هنا؟ وذهب لمصافحته، وكذلك كان أبو العلا ماضي، فقد كانت مجموعة حزب الوسط أشبه ما يكونوا بأبناء عاكف، ولو تعامل معظم قيادات الجماعة مع مجموعة الحزب بنفس الروح، لكفت الجماعة والعمل السياسي خلافا كانت في غنى عنه، ولاستفادت بطاقات توظف فيما يفيد الوطن.

أما موقف عاكف من ترشح الإخوان للرئاسة، فهو موقف جدير بالتأمل، فعندما جاءت ثورة 25 يناير، كان رأي عاكف متعه الله بالصحة والعافية، ألا يغالب الإخوان في البرلمان، وألا يدخلوا الرئاسة، وعندما عقد مجلس شورى الإخوان وقرر بأغلبية ضئيلة جدا الترشح للرئاسة، كان موقف عاكف مع رفض الدخول، ويبدو أنه لم يكن مستريحا للطريقة التي تمت بها الشورى، وصباح إعلان الإخوان الترشح للرئاسة، كنت أزور شيخنا القرضاوي، وطلب مني الاتصال بالأستاذ عاكف، فاتصلت عليه من هاتفي ولم يرد، وبعد مغادرتي بيت الشيخ، اتصل الأستاذ عاكف، فكان كلامه معي كالتالي: أنا ضد الطريقة المعيبة التي تمت بها الشورى للترشح، اسمع يا ابني: (كل ده رايح، وتبقى الدعوة)، ولم أفهم معنى ما قاله الرجل، والذي قالها بفراسة المؤمن. ومواقف الأستاذ عاكف لا تحصى.

هذا الرجل الصامد بإيمانه بربه، المجاهد الكبير، لا تستغرب ما يفعله العسكر معه، فهذا ديدنهم، منذ عبد الناصر كبيرهم الذي علمهم الاستبداد، وعدم توقير ذي الشيبة في الإسلام، فأغيظ ما يغيظ العسكر أن يروا رجلا لا يخشى جبروتهم، بل يستهين به، واقرأوا إن شئتم ما فعلوه مع الشيخ محمد الأودن، والذي كان مقربا من الضباط الأحرار، وأستاذا لهم، ولما رفض استبدادهم، جاءوا به وأهانوه. ولما سجن الأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان، كانوا يريدون كسر إرادته، ولكنه صمد صمود الأبطال، وليعد القارئ لكتب الكتاب الكبير الأستاذ مصطفى أمين: (سنة ثانية سجن) و(سنة ثالثة سجن). فإن فعل العسكر ذلك، فلا عجب، ولكن العجب من حقوقيين يتشدقون بحقوق الإنسان، وحقوق المسنين، بينما تخرس ألسنتهم في الحديث عن قامة بحجم وثقل المجاهد محمد مهدي عاكف، فقط لأنه مرشد سابق للإخوان، ورافض لحكم العسكر!!

[email protected]
0
التعليقات (0)