استمرارا لمسلسل زيادة
الأسعار في
مصر، حذر خبراء اقتصاديون ونشطاء سياسيون من نتائج رفع أسعار السلع
التموينية في المجمعات المستهلاكية الحكومية، الملاذ الأخير بالنسبة لمحدودي الدخل لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية.
ودون سابق إنذار، رفعت الحكومة سعر طن السكر الحر للمصانع والشركات إلى 10 آلاف و500 جنيه، بدلا من 7 آلاف جنيه، ورفعت سعر زيت الطعام الحر إلى 16 جنيها للتر، واللحوم السودانية إلى 75 جنيها للكيلو الواحد، والدواجن المجمدة إلى 25 جنيها للكيلو الواحد.
وخاطبت وزارة التموين المجمعات الاستهلاكية ومنافذ البيع من القاهرة إلى أسوان، للعمل بالأسعار الجديدة. وقال وزير التموين في حكومة عبد الفتاح السيسي، اللواء علي مصيلحي، في تصريحات صحفية، إن "تكلفة أسعار السلع الغذائية داخل التموين تضاعفت خلال الأشهر القليلة الماضية"، مرجعا ذلك "لقرار تعويم الجنيه وتركه لآليات العرض والطلب"، حسب قوله.
الدولار يتحكم ويحكم
وقال متحدث سابق باسم وزارة التموين، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"
عربي21"، إن "أسعار التموين لم تعد ثابتة في ظل التقلبات الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ عدة سنوات".
وأرجع السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار السلع التموينية إلى "انخفاض الجنيه المستمر أمام الدولار، وتكبد الدولة خسائر كبيرة نتيجة فرق السعر بين التكلفة الحقيقية والبيع للمستهلك".
ورجح المتحدث السابق أن "تستمر الأسعار في الارتفاع حتى على بطاقات التموين، طالما استمر الجنيه في الانخفاض أمام الدولار"، مشيرا إلى أنه تم رفع بعض السلع في الآونة الأخيرة "كالسكر أحد أبرز السلع التي شهدت ارتفاعات كبيرة".
تلاعب الحكومة بالمواطنين
ويتعين على المواطنين شراء فرق نقاط الخبز بالسعر الحر وليس بالسعر المدعم، وفي هذا الإطار قال المحلل الاقتصادي والمالي، وائل النحاس، لـ"
عربي21" إن الأسعار الجديدة ستكون ضمن نقاط الخبز التي يستبدلها المواطنون بدلا من كميات الخبز التي يوفرونها، بالسعر التجاري".
ونقاط الخبز هي سلع تموينية يحصل عليها المواطن مقابل ما يوفره من الخبز بنهاية كل شهر. ولكل مواطن 150 رغيفا شهريا، وكل ما نقص عن ذلك يسجل كنقاط تُستبدل بسلع أخرى.
وبيّن أن "الدولة تتحمل فروق الأسعار في منظومة نقاط الخبز، إلا أنها رفعت يدها استجابة؛ لشروط صندوق النقد الدولي"، منتقدا "تلاعب الحكومة بالمواطنين تحت شعار توصيل الدعم لمستحقيه الذين لا نعرف من هم وما هي هوياتهم، لتفعل ما يحلو لها"، كما قال.
وحذر من استمرار تقلب الأسعار، وأنصاف القرارات الحكومية "التي لا تؤدي إلى أي حلول واقعية للأزمات، وقد تضع المواطنين أمام خيارات مرة، كالفساد والسرقة أو الانتحار للهروب من الضائقات المالية".
وأضاف: "إذا أرادات الحكومة أن تبيع السلع المدعومة للمواطنين بالسعر العالمي، وتقديم الخدمات لهم بالسعر الحر، فعليها أن تقدم مرتبات للمواطنين، وبدل بطالة، بالأسعار العالمية أيضا"، وفق تعبيره.
انغماس الجيش في الاقتصاد
من جانبه، حمّل أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، انغماس الجيش في الاقتصاد مسؤولية "تراجع إنتاج المصانع المدنية".
وقال لـ"
عربي21"؛ إن استمرار تدخل الجيش "ينزع من الأسواق إمكانية عمل أسماء وتاريخ للشركات التي تنافس على تاريخها واسمها، والذي يتحول إلى علامة تجارية بمرور الوقت".
وأضاف: "مبدئيا، وبصفة أساسية، وجود الجيش في الاقتصاد؛ يُفترض أن يكون بصفة استثنائية في بعض القطاعات أو الصناعات الكبيرة، وتقودها الدولة ولا يقود الجيش، كما حدث في الماضي (عهد عبد الناصر) في صناعات مثل الألومنيوم والسماد والحديد، والتي بحاجة إلى استثمارات كبيرة".
رسالة لمؤيدي السيسي
من جهته؛ قال الناشط السياسي، أحمد البقري، لـ"
عربي21"، إن "المواطن البسيط هو المطحون بين مطرقة الأسعار وسندان الذل والبطالة والمهانة"، مضيفا: "النظام لجأ لرفع الدعم عن المواطن، بعد مشروعات فاشلة خاسرة أدت إلى انهيار الاقتصاد وارتفاع الدولار إلى 20 جنيها للمرة الأولى في التاريخ".
ورأى أن "الخلاص من هذا النظام هو الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من الوطن الذي دُمر فيه كل شيء"، مشيرا إلى أن خيارات المعارضة في ظل تنامي الغضب والكبت الشعبي تجاه تلك السياسات الاقتصادية المفقرة "التوحد للخلاص من هذا النظام"، على حد قوله.
واعتبر البقري أن فشل السيسي اقتصاديا ومن قبله سياسيا "رسالة لمن تبقى من مؤيديه؛ بأن هذا النظام سيزيد هذا الوطن فقرا، وأن المعارضة عليها بذل مجهود أكبر خارجيا لإيجاد حلول ومعالجات واقعية لأزمة الديون والاقتراض التي يكبل بها نظام السيسي من سيأتي بعده".